أثارت سرعة التقارب بين الدول العربية وتركيا مع النظام السوري كثيرا من التساؤلات عن حقيقة ما يجري وأهدافه والمقابل المتوقع من هذه الزيارات.
وشكل الانكفاء الأميركي والدولي عن التدخل الجدي لإيجاد حل سياسي عادل للكارثة السورية سببا مباشرا لتركيا والدول العربية للعثور على آلية بديلة لحل الأزمة السورية تحمي مصالحهم، وتقوم على اعتبار أن التواصل مع النظام أصبح ضرورة، متأملين أن يكون النظام قادرا على التجاوب والعمل معهم لإيجاد حل للمشكلات التي تعاني منها هذه الدول نتيجة طريقة تعاطي النظام مع الثورة مثل مشكلة اللاجئين والوجود الإيراني وتهريب المخدرات كأولوية، وبداية لمعرفة جدية النظام بالتعامل مع هذه القضايا وليس حلا لمشكلة النظام مع شعبه.
تواصل الجانب التركي والإماراتي مع الجانب الأميركي وطلبا منه أن يكون أكثر جدية بالتعامل مع الكارثة السورية، ولكن لم يحصلا على أي جواب أو بادرة مفيدة، مما شجعهما على المضي في سياستهما بالتقارب مع النظام رغم معرفتهما المسبقة أنهما غير قادرين على تزويد النظام بأي مساعدات مالية حقيقية وبالتالي التأثير عليه لوجود العقوبات، وأن نفوذ إيران على النظام قوي لدرجة من الصعب أن يحققا النتائج المرجوة، مع ذلك قرر البلدان الاستمرار بالمحاولة متأملين أن مساعدتهم للنظام للعودة إلى الساحة الدولية بمساعدة روسية قد تكون محفزا له لتغيير تعاطيه.
ترى الإمارات أنه من الضرورة إيجاد حل يلبي مصالح الدول الفاعلة في الأزمة السورية كمرحلة أولى على الأقل
سنتحدث في هذا المقال أكثر عن التفكير الإماراتي.
ينطلق الفكر الإماراتي من عدة نقاط:
أولا: إنه من غير المفيد ترك إيران تسيطر على سوريا من دون وجود عربي للحد من النفوذ الإيراني.
ثانيا: الصراع الأميركي الصيني سيزيد بالمرحلة المقبلة، ويجب أن يكون العرب على الحد الأدنى من الترابط للحد من أن يدفعوا ثمن هذا الصراع، وبالتالي لا بد من إيجاد حلول واقعية للمشكلات والأزمات (من وجهة نظر الإمارات) في سوريا واليمن ولبنان والعراق.
ثالثا: ترفض الإمارات العمل وفق شعارات تغيير النظام وانهيار أجهزة الدولة السورية.
رابعا: لا ترى الإمارات وجودا لأي قوى معارضة سياسية حقيقية لها تأثير على الأرض وبين السوريين يمكن العمل معها.
خامسا: ترى الإمارات أنه من الضرورة إيجاد حل يلبي مصالح الدول الفاعلة في الأزمة السورية كمرحلة أولى على الأقل.
سادسا: تتواصل الإمارات مع العديد من السوريين المقيمين في أراضيها أو القريبين منها لتطوير الأفكار المتعلقة بحل الأزمة السورية. ونظرا لغياب مؤسسات المعارضة السياسية وعدم وجود شخصيات وخطاب رسمي للمعارضة السورية يلقى قبولا شعبيا يبقى من غير المعروف تأثير هؤلاء الأشخاص على طريقة التعاطـي الإماراتي مع الأزمة السورية، وهل هي تضع أياً من أولويات الشعب السوري ضمن مطالبها مع النظام؟
ومن الأفكار "غير الرسمية "المطروحة هي إعادة التقسيم الإداري لسورية ليكون ٦ مناطق إدارية بدل من نظام المحافظات، بحيث كل منطقة إدارية تمثل حماية لنفوذ ولمصالح كل دولة في سوريا، مثلا جمع محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا في منطقة إدارية واحدة تحمي مصالح الأردن والخليج وإسرائيل من النفوذ الإيراني وتهريب المخدرات، وجمع محافظات دير الزور والرقة والحسكة في منطقة إدارية واحدة تحفظ المصالح الأميركية في هذه المنطقة.
تم بحث الخطوات المقترح اتخاذها لمقاربة الأزمة السورية (ضمن ملفات ثانية) في القمة التي جرت في الإمارات والتي جمعت قادة دول سلطنة عمان ومصر وقطر والإمارات والبحرين والأردن بتاريخ ١٨/١/٢٠٢٣. وقد عبر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ١٨/٢/٢٠٢٣ في مؤتمر ميونخ عن نتائج القمة في الإمارات رغم عدم حضور المملكة لها "سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار". وأضاف أنه في ظل غياب سبيل لتحقيق "الأهداف القصوى" من أجل حل سياسي فإن نهجا آخر "بدأ يتشكل" لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين خاصة بعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا.
وأضاف الأمير فيصل "لذلك، ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية خاصة فيما يتعلق بالزاوية الإنسانية عودة اللاجئين وما إلى ذلك".
تم إطلاع الولايات المتحدة على الخطوات التي تعتمد الدول العربية القيام بها تجاه نظام الأسد والتي رفضتها لاقتناعها بعدم جدية النظام بتطبيقها، وبنفس الوقت لم تمانع من الاستمرار فيها مع التأكيد على أن العقوبات المفروضة على النظام لها بُعد قانوني أكثر من السياسي ولا يمكن تجاوز هذا الأمر ضمن الواقع الحالي، وإنه لا ينبغي أن يكون هناك تطبيع مجاني.
سرّعت كارثة الزلازل خطوات هذه الدول للتواصل مع النظام. ومثلت زيارة إسماعيل قاآني قائد قوات القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى حلب واللاذقية من دون أي مرافق رسمي سوري جرس إنذار لهذه الدول، وأن مشروعهم سينهار قبل أن يبدأ بسبب هذه الزيارة وما تحمله من رسائل قوة وسيطرة إيرانية حقيقية لمناطق سورية تحت سيطرة النظام، وظهور الأسد لاحقا في نفس المناطق التي زارها قاآني من دون أن يعلن حالة طوارئ إنسانية أو يعلن الحداد أو إظهار أي تعاطف مع الشعب السوري المنكوب في كل سوريا.
بل ظهر شامتا بالسوريين الأمر الذي سرّع بزيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى سوريا، وطلب من رأس النظام اتخاذ إجراءات سريعة لمساعدة الدول العربية في مساعيها لإعادة النظام إلى المجتمع العربي وإظهاره بأنه جدير بالاحترام والتحاور معه.
خلال هذه الزيارة تم الاتفاق على قيام النظام بالإعلان عن فتح معبرين إضافيين كرسالة إنسانية تجاه "شعبه"، والدول المانحة لمساعدة المتأثرين بالزلازل وتم إعطاء الأسد نصاً مكتوباً تحدث فيه عن الحوار السياسي "كرسالة سياسية" للمجتمع الدولي.
زار وزير الخارجية الإماراتي واشنطن بعد زيارته لدمشق وطلب إعطاء الدول العربية فرصة لمعرفة جدية النظام، وأشار إلى موضوع المعابر ونص الحديث الذي قام به الأسد واعتبرها خطوة مشجعة وأن كانت غير كافية.
سرب النظام خبر زيارته لسلطنة عمان لتظهره وكأنه منتصر وتم استقبال رأس النظام بشكل رسمي ليظهر أن لديه شرعية عربية على الأقل
واشنطن بقيت على موقفها بأنه لا فائدة من التعامل مع هذا النظام ولا يمكن تجاوز العقوبات المفروضة عليه وعلى كل من ساهم بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام الكيماوي، وأنها غير جاهزة للانخراط الجدي بالموضوع السوري ولكنها لن تقف بوجه هذه المحاولة.
سرب النظام خبر زيارته لسلطنة عمان لتظهره وكأنه منتصر وتم استقبال رأس النظام بشكل رسمي ليظهر أن لديه شرعية عربية على الأقل، مع أن سلطنه عمان لم تقطع علاقتها الدبلوماسية مع النظام منذ بداية الثورة ولم يكن لديها موقف ضد النظام مقارنه بباقي دول الخليج. وتم نقل رسائل أو طلبات واضحة لرأس النظام من الجانب السلطاني العماني في الاجتماع المغلق وبناء على قدرة النظام على تلبية هذه الطلبات غير المعلنة سيتم تقييم الموقف والانطلاق إلى الخطوة الثانية أو التوقف عن المحاولة.
في النهاية، لا يوجد صوت للسوريين في هذا الحراك السياسي ومن غير المعروف ما هي المطالب التي تم تقديمها للنظام رغم كثرة التكهنات، ولا ماهية الخطوات المطلوبة من النظام وما الذي ستقدمه هذه الدول للنظام بالمقابل، وليس معروفاً أيضاً الجدول الزمني لهذا الحراك وغياب المعارضة السياسية الشرعية، يعطي النظام قوة مجانية ويعطي هذه الدول الحجة لعدم التشاور معهم وعدم الاستماع لأولويات الشعب السوري.