يكشف ما حدث في اعزاز يوم الجمعة 13 كانون الثاني الحالي عقب زيارة السيد سالم المسلط ورغبته بالمشاركة في مظاهرة دعا إليها الحراك الثوري الموحد رداً على عمليات التقارب بين تركيا والنظام السوري عن حالة الغضب والفوضى التي يعيشها السوريون في الشمال المحرر، حيث تهجم عدة شبان على السيد المسلط ووصفوه بالشبيح، ووصل الأمر إلى حد ضربه، في حادثة تذكر بما جرى مع المعتقل عبد العزيز الخير في القاهرة في 9 تشرين الثاني 2011، أي في عام الثورة الأول، حيث اعتدى عليه "مواطنون" سوريون بالضرب، ورمي البيض، حيث اعتبرت رفضاً للتفاهم مع من هم في صف معارضة النظام وتشكيل تحالفات ضده، وعدم القدرة على التعامل مع الآخر، مهما كان رأيه السياسي، وبالطبع، لا ينطبق الكلام على القتلة.
في اليوم التالي، أبدى بعض الناشطين أسفهم لما حصل، وطالبوا بتوضيح ما جرى، وخصوصاً تجاه البيان الذي ألقاه الضابط القناطري بحق الائتلاف والحكومة المؤقتة، الذي يشبه كثيراً في صيغته التهديدية البيان رقم (1) التي لم نعد نسمعها منذ تولي حافظ الأسد السلطة، أي بيان الانقلاب. ورغم كلام المسلط الإيجابي عما جرى معه في المظاهرة، إلا أن المحاولات لم تسفر عن تسوية مع الحراك الثوري في الشمال، لكن المهم أيضا هو ما جرى من حوادث استدعاء أو اعتقال بحق من تهجم على المسلط وصاحب البيان، والتداعيات التي أعقبتها من تصريح للحكومة المؤقتة بأنها لم تطلب ذلك، وإنما من طلب ذلك هو الائتلاف من خلال طلب رسمي صادر عن الائتلاف الوطني بتاريخ 24 كانون الثاني 2022 برسالة إلكترونية، ليعود السيد المسلط ويسقط حقه الشخصي ويطالب "الجهات الرسمية" بوقف ملاحقة واحتجاز من اعتدى عليه.
إن تدخل القضاء العسكري يشير إلى نمط من الحكم الذي يرفضه غالبية السوريين، وهو حكم العسكر
أما القضاء العسكري، فقد أوضح أنه لم تصدر مذكرات توقيف بحق المعتدين على سالم المسلط، إنما مذكرة إحضار لسماع أقوالهم، وليس في نية القضاء العسكري توقيف المدعى عليهم، فالتحقيقات الأولية لم تكتمل بعد. ما تشير إليه خطوة كهذه، غياب جهاز قضائي مدني يمكن أن يتابع مثل هذه الدعاوى إن طالب بها الأشخاص المتضررون، إذ لا يجوز أن يحاسب المتظاهرون على رأي سياسي، فحق الجميع بالتعبير عن آرائهم يجب أن يكون مصاناً، وإلا فقد الحراك والثورة جوهر مطالبه بالحرية التي تشمل حرية التجمع والتظاهر والتعبير عن الرأي وغيره. ومن ناحية ثانية، إن تدخل القضاء العسكري يشير إلى نمط من الحكم الذي يرفضه غالبية السوريين، وهو حكم العسكر.
يتابع الناشطون في عفرين خلال هذه الأيام خطواتهم في الاحتجاج على رفض التقارب مع نظام الكبتاغون الأسدي من خلال حملة توقيع وتظاهرات تحت عنوان: مستمرون لكسر أدوات المصالحة مع نظام الكبتاغون، وما يقصده الناشطون في تلك الأدوات هي الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، وخاصة بعد تصريحات رئيس الحكومة إلى قناة TRT التركية، حيث ذكر فيها أن "تركيا تتحرك وفقاً لتطلعات الشعب السوري، وأن مسارات جنيف ثم أستانا قد توقفت، والعمليات الدبلوماسية يجب أن تعمل من أجل حل سياسي"، وهي تصريحات فسرها الناشطون ترحيباً بما تقوم به تركيا من تقارب مع نظام الأسد نتيجة لمصالح تركية أولا، من ضمنها حل مشكلة اللاجئين في تركيا، وليست استجابة لتطلعات الشعب السوري.
يعكس كل ما جرى من أحداث في الشمال السوري الحالة الصعبة التي يعيشها السوريون بعد اثني عشر عاماً، إضافة إلى حالة الاستعصاء التي يعيشونها نتيجة عوامل عديدة، أهمها تحول قضية الثورة والتغيير إلى قضية صراع من دون نهاية يمكن تجميده إلى ما لا نهاية، قضية تصارع دولي حول المصالح وأولويات تلك الدول، يمكن أن يكون فيها أولويات السوريين في آخر السلّم. ومن ناحية أخرى، الحالة المعيشية التي يعانيها السوريون في المخيمات، وحالة الاقتلاع من بيوتهم وأملاكهم وغياب أي أفق لعودتهم بصورة كريمة، إضافة لحالة الفوضى التي تعم المنطقة، ومظاهر البذخ التي ينعم بها البعض ممن تسلق زوراً على أكتافهم، ويعتبرون استمرار الحال مفيداً، على الأقل استمرار تدفق المنافع.
تأسس الائتلاف نتيجة متطلبات دولية أكثر من صيرورة تطور وطني تلبي احتياجات ومطالب الثورة، مما جعله يركز في علاقاته على العامل الخارجي ومن موقعه الضعيف
لا شك في أن الائتلاف الوطني، والحكومة المؤقتة يعانيان من شلل تجاه القضية السورية، ويعود ذلك إلى مرحلة التأسيس، فقد تأسس الائتلاف نتيجة متطلبات دولية أكثر من صيرورة تطور وطني تلبي احتياجات ومطالب الثورة، مما جعله يركز في علاقاته على العامل الخارجي ومن موقعه الضعيف، وأهمل العلاقة مع القاعدة الشعبية، إضافة لحالة التنافر مع السلطة الفعلية القائمة في تلك المناطق وهي سلطات الفصائل العسكرية، فكل المساعي نحو تحقيق شكل من التنسيق وليس التوحد لم تحقق غاياتها، مما يضيف عاملاً إضافياً إلى الحالة البائسة التي يعيشها السوريون في تلك المناطق، ويجعل من المنطقة مكاناً للتصارع.
ومن ناحية سياسية، لم يتمكن الناشطون والسياسيون في تلك المناطق من خلق كيان سياسي يعكس صوت السوريين بحق، يمكنه أن يشكل عامل ضغط على الائتلاف وحتى أن يكون بديلاً له، أما الشتائم والاتهامات فلا يمكن تصنيفها في أفضل الأحوال إلا أنها "فشة" خلق، إن لم تكن ذات نوايا مصلحية، فتحقيق التقدم يحتاج إلى بناء المؤسسات سواء المدنية أو السياسية، خاصة أن تلك المناطق خالية من سيطرة نظام الأسد.