"الفصيل فيه 800 مجاهد.. بدك تفكر تقتلهم كلهم قبل ما تدخل الفوج"
بهذه الكلمات رد أحد قياديي الجيش الحر على تلميح والي تنظيم داعش على إدلب، نية التنظيم السيطرة على الفوج 46 في ريف حلب الغربي قرب الأتارب أواخر العام 2013.
كان التنظيم -آنذاك- قد حسم أمره تجاه السيطرة على المناطق المحررة، فأخذت خطواته تتسارع باتجاه بسط نفوذه على المراكز الرئيسية في الشمال السوري، خاصة مع فشل جهوده في الانتشار شرقاً في محافظة دير الزور، مع بقاء معظم قوة جبهة النصرة فيها موالية للجولاني وشرعي الجبهة العام "أبو ماريا القحطاني"، على خلاف الشمال السوري.
حيث تمكن التنظيم في الربع الأخير من العام 2013 من السيطرة بشكل شبه كلي على مدينة الرقة شرقي نهر الفرات، وعلى مدينتي الباب وإعزاز في ريفي حلب الشرقي والشمالي، فضلاً عن انتشاره الكبير في أرياف إدلب معقل حركة أحرار الشام الإسلامية وجبهة ثوار سوريا، ونفوذه الواسع في الأحياء المحررة من مدينة حلب الذي جعله أشبه بحاكمها الفعلي، فكان التنظيم يسيطر على المدن والبلدات الرئيسية في الشمال السوري من الرقة شرقاً إلى إدلب غرباً، تفصلها منطقة ريف حلب الغربي التي بقيت معقلاً للجيش السوري الحر بسيطرة عدد من تشكيلاته عليها، وأبرزها الفرقة 19 التي تعتبر ألوية الأنصار وأمجاد الإسلام وأنصار الخلافة أهم مكوناتها، إضافة إلى فصائل أخرى مثل كتائب نور الدين الزنكي.
وهو ما جعل التنظيم يضع نصب عينيه الانتشار في الريف الغربي لتأمين الاتصال بين معاقل انتشاره، تحضيراً لمرحلة تالية يبدأ فيها اجتثاث كافة التشكيلات الأخرى بحيث يصبح الشمال السوري خالصاً له.
صعود الجيش الحر
كانت فصائل الجيش الحر في الشمال السوري تعيش أكثر لحظاتها ضعفاً منذ انطلاق الثورة السورية، مع تحول حالة المد الإسلامي التي ترافقت مع انطلاق الثورة السورية وتعاظمت مع التحول إلى العمل المسلح، إلى حالة مد للمنهج السلفي والسلفي الجهادي بين أوساط الفصائل الثورية المسلحة، والتي تكللت في نوفمبر \ تشرين الثاني عام 2013 بالإعلان عن تشكيل الجبهة الإسلامية من اندماج عدد من أكبر الفصائل العاملة في المناطق المحررة وعلى رأسها (حركة أحرار الشام الإسلامية – جيش الإسلام – لواء التوحيد – ألوية صقور الشام..) مع فصائل أخرى غلب عليها الطابع الإسلامي ذو المنهج السلفي.
وهو ما دفع فصائل الجيش الحر في حلب وريفها الغربي لبدء اجتماعات تنسيقية بينها منذ سبتمبر \ أيلول عام 2013 تهدف لتأسيس كتلة عسكرية تحت راية الجيش السوري الحر، تعيد للجيش الحر في الشمال السوري ثقله، وتوازن المد السلفي في المنطقة، حيث ضمت هذه الاجتماعات كلاً من (الفرقة 19 بتشكيلاتها – تجمع فاستقم كما أمرت – كتائب نور الدين الزنكي) إضافة إلى تشكيلات أخرى من الجيش السوري الحر.
إلا أن هذه الاجتماعات المتقطعة بقيت تصطدم بعائق الأمور التنظيمية للتشكيل الجديد، دون التمكن من تجاوزها، حتى جاء تحرك تنظيم داعش بأرتاله إلى "الفوج 46" ذي الموقع الاستراتيجي في ريف حلب الغربي للسيطرة عليه مطلع العام 2014، والذي كان يعني أن التنظيم سيتمكن من بسط نفوذه على ريف حلب الغربي، وتأمين منطقة متصلة يتحرك فيها بأريحية على امتداد المناطق المحررة في الشمال السوري تمهيداً لإنهاء كافة التشكيلات العسكرية فيه، الأمر الذي دفع قادة فصائل الجيش الحر المجتمعة في مدينة الريحانية التركية لنقاش اندماجها لتجاوز كل التفاصيل التنظيمية، وإعلان اندماجها تحت مسمى "جيش المجاهدين" لردع التنظيم وإيقاف تحركه باتجاه معاقل أحد أهم مكونات الجيش (الفرقة 19).
في مدينة حلب
صباح الإعلان عن تشكيل جيش المجاهدين كان قادة ألوية تجمع فاستقم كما أمرت الثلاث (لواء السلام – لواء حلب الشهباء – لواء حلب المدينة الإسلامي) ما زالوا خارج المدينة في تركيا، وهو ما سبب مشكلة تنظيمية بما يخص تحريك مجموعات "جيش المجاهدين" في الأحياء المحررة من حلب، فرغم ضم الجيش في المدينة -إضافة إلى التجمع- فرعاً لكتائب نور الدين الزنكي إضافة إلى حركة النور الإسلامية، إلا أن التجمع بقي الثقل الحقيقي للكيان الوليد فيها، وهو ما وضع عبء تحريك مجموعاته على عاتق قادة التجمع من الصف الثاني، مثل أبو عمر الزعيم وأبو الحسنين، الذين تمكنوا من حشد قوات جيش المجاهدين في المدينة عند دوار جسر الحج، في النقطة التي كانت تفصل منطقة نفوذ التجمع في المدينة عن منطقة نفوذ التنظيم فيها.
اقرأ أيضاً مقالاً سابقاً للكاتب "حرب حلب الباردة بين الثوار وداعش - 2013"
كان التجمع قد أعد نفسه جيداً لهذه المواجهة طوال النصف الثاني من عام 2013، وهو ما سمح له باعتقال كل منسوبي تنظيم داعش القاطنين في الأحياء التي يسيطر عليها في الساعة الأولى للمعركة، كما كانت جهود التوجيه الداخلي قد أثمرت قائمة بالمجموعات الجاهزة لقتال التنظيم والتي كان أكثرها عدداً من منسوبي لواء السلام داخل صفوفه، إلا أن هذه الجهود جميعها لم تكن كافية على ما يبدو! فحتى في نقطة الاحتشاد كان قادة المجموعات ينظرون إلى بعضهم غير متقبلين تماماً لفكرة قتال "مجاهدين"! في الوقت الذي كان فيه التنظيم في المدينة قد جهز رتلاً عسكرياً أمام مقره الرئيسي في حي قاضي عسكر، المجاور لمقر لواء التوحيد الرئيسي ومقر الهيئة الشرعية.
وضع القادة العسكريون خطة تحرك أولي تقضي بالسيطرة على الأحياء الممتدة من دوار جسر الحج باتجاه قاضي عسكر، وبدأت مجموعات الثوار بأيد "مرتجفة" على الزناد تمشط هذه الأحياء للتأكد من خلوها من أفراد التنظيم، ولتحويل ميدان المواجهة إلى محيط مقر التنظيم الرئيسي، والحقيقة أن أياً من المقاتلين لم يكن يريد أن يتحول الأمر إلى معركة حقيقية، بل كانوا يمنون النفس بانسحاب التنظيم من ريف حلب الغربي وقبوله التفاوض لتحديد شكل مناطق النفوذ والسيطرة، فمعظم المقاتلين لم يكونوا مستعدين حتى لتخيل فكرة قتلهم شباباً كانوا حتى أمد قريب يشاطرونهم بعض جبهات الرباط والمواجهة ضد قوات نظام الأسد، رغم كل ما فعله التنظيم في المدينة.
في محيط مشفى عمر بن عبد العزيز قريباً من باب المقام، كان "أبو عمر الزعيم" القائد العسكري ونائب القائد العام للواء حلب الشهباء يقود طلائع المجموعات لتمشيط الأحياء، ليصطدم هناك في مواجهة مباشرة مع مجموعة لتنظيم داعش كانت على ما يبدو تحاول الانتشار في المنطقة لإبعاد خط المواجهة عن مقرها.
دون ارتجاف أردى أحد عناصر التنظيم أبو عمر الزعيم برصاصة في رأسه، قبل أن ينسحب مع مجموعته من الحي، وقبل أن ينقل رفاق الزعيم جثته في إحدى السيارات باتجاه مشفى الزرزور مروراً بكل مجموعات الثوار في المدينة المحتشدة في كل ركن فيها.
استشهاد الزعيم.. وحقيقة أن التنظيم هو من أطلق الرصاصة الأولى.. كانا كافيين لتنتهي الشكوك في نفوس الثوار، ولتبدأ معها مرحلة من اليقين بضرورة اجتثاث التنظيم من جذوره.. إن لم يكن لأي من جرائمه.. فثأراً للزعيم.
وهنا.. هنا فقط بدأت معركة تحرير المدينة من داعش.