كانت أواسط عام 2012 حاسمة بالنسبة لريفي حلب الشرقي والشمالي، فهي الفترة التي انتقل فيها الحراك الثوري المسلح من حماية المظاهرات السلمية وبعض العمليات النوعية على شكل كمائن تستهدف رموز الشبيحة وبعض الشخصيات الأمنية في المنطقة، إلى حراك يهدف إلى التحرير وإخراج المدن والبلدات عن سيطرة نظام الأسد.
فبدأت مجموعات الجيش السوري الحر في المنطقة عمليات التحرير الأولى من خلال مهاجمة المخافر والمباني الحكومية الأقل تحصيناً في القرى النائية، والتي كان يكفي تحريرها لإعلان القرية التي تضمها محررة، وصولاً إلى ضرب الحواجز العسكرية الضخمة التي نشرها جيش النظام على الطرق الأساسية في الريف، وانتهاءً بمعارك كبرى كانت ذروتها في معركة مفرزة الأمن العسكري في مدينة اعزاز قرب الحدود السورية التركية، والتي تم بتحريرها إعلان ريف حلب الشمالي محرراً، ليتم تشكيل لواء التوحيد بعدها من اندماج عدد كبير من مجموعات الثوار من أرياف حلب الشمالية والشرقية وجزء ريف حلب الغربي القريب منها، ودخول مدينة حلب ضمن "معركة الفرقان"، في يوليو \ تموز عام 2012، بعد يومين من انتشار عدد من مجموعات المدينة المسلحة في حي صلاح الدين في ما يشبه التحرير.
انقسام ريف حلب الغربي
انقسم الحراك الثوري المسلح في ريف حلب الغربي بحكم موقعه الجغرافي بين التنسيق والعمل المشترك مع ثوار ريفي حلب الشرقي والشمالي من جهة، وبين العمل مع ثوار أرياف إدلب الشمالية من جهة أخرى، ويمكن القول أن الأجزاء من الريف الغربي القريبة من ريف حلب الشمالي الأدنى -المتاخم للمدينة- في محيط عنجارة، كانت مرتبطة بريف حلب الشمالي وحراكه، فكانت كتائب نور الدين الزنكي المشكلة من أبناء هذه المنطقة، من المجموعات التي انضمت إلى لواء التوحيد عند تأسيسه، مشاركة معه في معارك تحرير مدينة حلب، بينما كانت مجموعات الأتارب -عاصمة ريف حلب الغربي- تميل للعمل مع المجموعات العسكرية من ريف إدلب الشمالي، فكانت من أبرز المشاركين في معركة تحرير باب الهوى على الحدود السورية التركية شمالي إدلب في يوليو \ تموز عام 2012، ضمن صفوف أبرز تشكيلات ريف إدلب الشمالي المبكرة، وهو "لواء درع الثورة".
إلا أن الموقع الجغرافي لم يكن السبب الوحيد لهذا الانقسام، فاصطدام ثوار الريف الغربي بالقلاع العسكرية الحصينة التي شكلها النظام من مباني منطقة الكليات العسكرية، ومنطقة البحوث العلمية وضواحي الراشدين والصحفيين وخان العسل على مشارف مدينة حلب من طرفها الغربي، التي باتت لاحقاً النقاط الدفاعية لطريق إمداد قوات النظام إلى حلب، إضافة إلى الدور البارز للضباط المنشقين في العمل العسكري الثوري في منطقة الأتارب ومحيطها، ربما ساهم في توجه الثوار للعمل بالتنسيق مع مجموعات إدلب التي كان الضباط المنشقون فيها ذوي حضور فاعل، أكثر منه في مجموعات ريفي حلب الشمالي والشرقي التي دمجت بين قيادة الضباط المنشقين والقادة المحليين من غير العسكريين فيما عرف بظاهرة الحجاج، الذين كان أبرزهم حجي مارع "عبد القادر الصالح" القائد العسكري للواء التوحيد، ومثله حجي الباب وعندان وحريتان.... إلخ، وعلى غرارهم بات "توفيق شهاب الدين" قائد ومؤسس كتائب نور الدين الزنكي يعرف محلياً باسم "حجي قبتان"، بينما احتفظت مجموعات ريف حلب الغربي الأخرى -القسم الأقرب إلى إدلب- بقيادة الضباط المنشقين لها المعروفين برتبهم العسكرية.
الشهيد الحي
برز ضمن الحراك العسكري لريف حلب الغربي في البدايات نخبة من الضباط المنشقين، لعل أبرزهم أحمد عبد الرحمن الفج من أبناء بلدة الأتارب، والذي انشق عن جيش النظام -الذي كان يعمل فيه مدرباً للوحدات الخاصة- برتبة "ملازم أول" بدايات عام 2012، وذلك ضمن مظاهرة في مدينته الأتارب معلناً فيها تأسيس سرية "سعد بن أبي وقاص" التابعة للجيش السوري الحر.
منذ انشقاقه لم يهدأ "الشهيد الحي" كما كان يطيب له أن يلقب نفسه أبداً، فمن حماية المظاهرات السلمية في مدينته، إلى تدريب الشباب المتطوعين من المنطقة الراغبين بالانضمام إلى الجيش السوري الحر، وإلى قيادته جموع الثوار في المواجهات ضد قوات النظام، كان الفج وجه الثورة العسكري الأشهر في الريف الغربي.
وبعد عدد من العمليات العسكرية النوعية في المنطقة التي كانت تأخذ شكل معارك الكر والفر، واستهداف أرتال جيش النظام التي كان يرسلها على شكل تعزيزات لقواته فيها، وفي أواسط عام 2012 بالتزامن مع معارك التحرير في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بدأ ثوار الريف الغربي معارك تحرير منطقتهم بهدف إخراج قوات النظام كلياً منها، لتتكلل جهودهم في معركة تحرير مدينة الأتارب، التي قادها الفج بشجاعة وبسالة نادرة، ظهرت جلياً في استمرار مشاركته في المعركة رغم إصابته، ليتم تحرير المدينة أواسط يوليو \ تموز عام 2012، وتتجه أنظار ثوار الريف الغربي إلى الخط الدفاعي الذي حصنه النظام ليفصل به مدينة حلب عن ريفها الغربي.
أواسط يوليو \ تموز أيضاً كانت معركة تحرير مفرزة الأمن العسكري في اعزاز قد اقتربت من نهايتها، في الوقت الذي تجمعت فيه مجموعات الثوار في ريفي حلب الشمالي والشرقي وجزء ريف حلب الغربي القريب منها مشكلين قوة مشتركة (لواء التوحيد) للتحرك باتجاه المدينة، التي بدأت أخبار انتشار أبنائها يحملون السلاح في حي صلاح الدين تصل إليهم دافعة إياهم للإسراع في دخولها.
ليعلن لواء التوحيد بدء معركة الفرقان لتحرير مدينة حلب انطلاقاً من ريفها الشرقي باتجاه خاصرتها الرخوة، ولتنطلق جموع ثوار ريف حلب الغربي بقيادة الفج باتجاه مدرسة الشرطة في خان العسل على مشارف المدينة من الطرف الغربي الأكثر تحصيناً.
وأخيراً صدقت نبوءة أحمد الفج.. وسقط شهيداً مضرجاً بدمائه في المعركة التي لم يكتب لها النجاح في العشرين من يوليو \ تموز عام 2012، على أسوار مدرسة الشرطة التي كان على الثوار أن ينتظروا حتى مارس \ آذار من عام 2013 ليتمكنوا من تحريرها ضمن معارك "فالمغيرات صبحاً"، مطلقين عليها اسم "مدرسة الشهيد أحمد الفج" وفاءً له..
لكن تلك قصة أخرى..