وجهت مجموعة من شبيحة بشار الأسد بقيادة بهجت سليمان الأسبوع الماضي خطابا استجدائيا للمسؤولين الروس من أجل وقف ما سمّوه إهانة بشار الأسد في إشارة إلى الحملة السياسية والإعلامية الروسية شبه الرسمية ضد الأسد ونظامه، والتي تضمنت توصيفات واقعية طبعاً عن تفشي الفساد والفوضى وعدم امتلاك بشار القدرة والإرادة للقيام بالإصلاحات اللازمة، وتأسيس دولة قوية مؤسساتية حتى لو غير ديمقراطية الحقيقة التي كانت تعلمها موسكو طول الوقت ولكن كشفها علناً مرتبط بتطورات الأوضاع في سوريا واستنفاد الخيار العسكري والعجز عن تحويل وهم الإنجازات العسكرية إلى نتائج سياسية أو اقتصاية واجتماعية مع الاقتناع الروسي باستحالة التقدم في العملية السياسية أو إعادة الإعمار وعودة النازحين في وجود النظام الحالي شخوصاً وإطاراً.
من حيث المبدأ يشكل توجيه شبيحة بمسؤوليات رسمية أو شبه رسمية علنية أو سرية في النظام دليلا ساطعا على عجز النظام نفسه عن مواجهة أو مخاطبة روسيا، وفي الوضع الطبيعي كان بإمكانه ببساطة تقديم احتجاج رسمي أو حتى تقديم طلب صريح بوقف الحملة الروسية شبه الرسمية الموجهه من الكرملين، لكنه أي النظام أضعف من أن يقوم بذلك، ويخشى أن يفضح الطلب ضعفه وعجزه وتبعيته، ويؤكد الاستهتار الروسي العلني به. الحقيقة الماثلة للعيان على أي حال مع احتمال أن يؤدي طلب كهذا أيضاً إلى تدحرج كرة الثلج أكثر واستعار الحملة ضده.
البيان فضح دون أن ينتبه انفصام وابتذال أحد شبيحة النظام - نائب في البرلمان أو السيرك بالأحرى - الذي تشدق بمناقشة فكرة "غضب الأسد من بوتين وليس العكس"، ولو كان الحال هكذا فعلاً لكان يجب أن تكون الرسالة غاضبة وعلنية أو حتى أن يردّ هؤلاء الشبيحة بمن فيهم بهجت سليمان من دمشق على الرئيس بوتين شخصياً، بوصلة ردح "هابطة" كما فعلوا ويفعلون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقادة ومسؤولين عرب ومسلمين ودوليين آخرين.
في المضمون جاءت الرسالة استجدائية متوسلة متذللة دونية وانبطاحية وتحمل في طياتها تأكيدا ليس فقط على تبعية النظام للاحتلال الروسي، وإنما عدم القدرة على الرد الجدي وتفنيد الاتهامات المسندة التي تضمنتها الحملة الروسية ضد الأسد.
لم ينتبه الموقعون أيضاً لمغزى إشارتهم إلى أن روسيا لا تتعامل هكذا مع أي مسؤول أو رئيس عربي سوى بشار، هذا صحيح لكون بوتين لا يزور أي قاعدة عسكرية روسية في أي بلد عربي ويهين رئيسها علناً، وعلى الملأ، ولا يستدعي أي مسؤول أو رئيسا عربيا وحيداً بطائرة شحن إلى موسكو، كما فعل مع بشار العاجز- إلاّ عن قتل شعبه - والفاقد للشرعية وجوهر الحملة الروسية يلامس هذه الحقيقة أيضاً، مع إشارة ضمنية إلى أنه لم يعد له دور في مستقبل سوريا، ليس فقط لأنه عاجز ولا يمتلك القدرة على مكافحة الفساد أو القيام بالإصلاحات الضرورية، إنما لأنه ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وبات مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية ومن المستحيل إعادة تعويمه أو الدفاع عن أي دور له في أي حل سياسي دولي عادل ومستدام للقضية السورية.
الرسالة أكدت على احترام الحريات الإعلامية رغم أن موقعيها من شبيحة النظام وبعض الأنظمة الاستبدادية العربية لا يؤمنون بالمصطلح فعلاً لكونهم مارسوا وما زالوا شبيحة وأنظمة الاغتيال المعنوي بحق خصومهم من أصحاب الرأي الآخر بما في ذلك التكفير السياسي "التخوين"، ثم الاغتيال المادي كما حصل مع آلاف الناشطين الإعلاميين والمثقفين السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والعرب. وعلى سبيل المثال لا الحصر غياث مطر، إبراهيم قاشوش، باسل صفدي، نيراز سعيد، شهدي عطية، حسين مروة، سليم اللوزي، جورج حاوي، سمير قصير وجبران تويني.
مثّلت الرسالة كذلك اعترافا ضمنيا بطبيعة النظام الاستبدادي في موسكو الذي يحكم قبضته على وسائل الإعلام الروسية المدجنة ولا تستطيع نشر أي شيء تحديداً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، دون رغبته أو موافقته وفي ظروف مهنية إعلامية عادية بالإمكان الرد مباشرة في وسائل الإعلام نفسها عملاً بمبدأ حق الرد أو حتى كتابة ونشر مقالات وتقارير مناقضة في وسائل إعلامية روسية أخرى.
في الحقيقة يعرف موقّعوا الرسالة أن الحملة موجهة - من فوق حسب التعبير الاستبدادي الشعبوي - من قبل القيادة الروسية مباشرة، لذلك تمت مخاطبة بل توسّل مسؤولين رسميين لإيقافها بما في ذلك إدارة قناة روسيا اليوم التي تعتبر أصلاً بوقا أو ذراعا إعلاميا للنظام الاستبدادي.
كانت أيضاً محاولة لحشر شبيحة عرب في الرسالة الاستجدائية للزعم أنها قومية ولا تخص النظام وشبيحته فقط مع غالبية نسبية ولكن ظاهرة للحشد الشعبي الإعلامي المدار من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت بوصفها بؤرة مركزية للثورات المضادة في لبنان والعالم العربي.
كان حضور شبيحة مصريين يساريين وقومجيين من مؤيدي أنظمة الاستبداد على مر العصور تحديداً النظام الاستبدادي العسكري الحالي، يفضح ما تشدقوا به عند اندلاع الثورة المصرية العظيمة عن حريات الشعوب وكرامتهم. وعندما حانت الفرصة فعلاً أمام قيام دولة مصرية عربية ومدنية وديمقراطية لكل مواطنيها دون استثناء أو تهميش انقلبوا عليها، وبالتأكيد لا يوجد لهم أي مسوّغ أخلاقي أو سياسي لتأييد مجرم حرب كبشار الأسد سوى العمى والتعصب الأيديولوجي والعداء الموتور للديمقراطية والتيار الإسلامي بوصفه التيار المركزي في أي ممارسة ديمقراطية جدية ونزيهة.
في فلسطين كان لافتاً توقيع مسؤولين وأعضاء من حركة فتح والجبهة الشعبية بحضور عددي لنكرات آخرين لا تأثير جديا لهم في الساحة الفلسطينية، بينما كان الهدف إقحام القضية الفلسطينية واستثمارا موصوفا لعدالتها وقدسيتها للتغطية على إجرام واستبداد وفساد وتبعية بشار الأسد ونظامه.
النقطة المضيئة فلسطينياً تمثلت بعدم وجود أي شخصية من التيار الإسلامي أو المحسوبين عليه بين الموقّعين ورغم تماهي البعض من الإسلاميين مع الحشد الشعبي وروايته السياسية والإعلامية الداعمة للنظام فإنه لا أحد منهم يجرؤ على توقيع بيان مؤيد لبشار الأسد بشكل شخصي.
وفيما يخص فتح فقد تناست كحزب سلطة مترهل وهرم معادٍ للثورات والديموقراطية ما فعله نظام الأسد مع المقاومة الفلسطينية والحركة نفسها التي خاضت معارك دفاعية عديدة ضد النظام وأذرعه الطائفية والأقلوية انتصاراً للقرار الوطني المستقل حسب خطابها، ورفضاً لمحاولاته إضعاف منظمة التحرير وتهميشها من أجل المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
أما الجبهة الشعبية فيحركها العمى الأيديولوجي والعداء للإسلاميين والديمقراطية - علاقتها مع حماس بغزة استثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها – ما أنساها مقولة مؤسس الجبهة ضمير الثورة الفلسطينية وحكيمها جورج حبش "نظام آل الأسد قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل".
تغاضى الشبيحة العرب تحديداً أبواق الحشد الشعبي الإعلامي عن جرائم بشار الأسد الموصوفة ضد الشعب السوري حسب تقارير وتحقيقات لجان دولية نزيهة وموثوقة تابعة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، المؤسسات واللجان نفسها، يستخدم هؤلاء تقاريرها وتحقيقاتها الموثوقة والنزيهة أيضاً ضمن ادعائهم الدفاع عن الشعب الفلسطيني في مواجهة الجرائم الإسرئيلية بحقه.
عموماً لا شيء يعبر عن انفصام عبثية البيان والموقّعين عليه قدر العبارة الأخيرة التي ذيّلوه بها "عاشت الصداقة العربية الروسية" شعار يبدو من أيام الاتحاد السوفيتي الساقط، متعامين عن تحالف روسيا مع إسرائيل في سوريا وتغاضيها بل تواطئها في مئات بل آلاف الغارات الإسرائيلية ضد مواقع النظام وحلفائه دون أن يجرؤ هؤلاء على الرد.
في الأخير وباختصار كان البيان تعبيراً عن أزمة النظام وعمق تأثير الحملة الروسية عليه لا جزءاً من الحل ولا شك أن المسؤولين الروس المتغطرسين لم يلتفتوا إليه أو يهتموا به عملاً بالعبارة التاريخية والصحيحة "لا يحتقر المحتل أحداً قدر احتقاره من ساعده على احتلال بلاده".