عرضت روسيا مؤخرا مليار دولار كمساعدات للجيش اللبناني، بشروط سداد ميسرة لخمس عشرة سنة بفائدة صفر بالمئة. يمكن وضع هذه الصفقة في إطار النهج متعدد الأقطاب الذي سلكته موسكو في السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط، فقد حافظت على تواصل نشط مع كل من مصر وإيران والعراق وإسرائيل وقطر وتركيا والسعودية والنظام السوري.
لم يخلُ هذا النهج من تصادم مع المسار الغربي، وخاصة الأمريكي، الذي رأى في سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتنشيط النفوذ السياسي والعسكري للاتحاد الروسي بعد الهزة التي تعرض لها في تسعينيات القرن الماضي، صعودًا لمنافس سابق في الحرب الباردة يسعى وراء مكانة القوة العظمى مرة أخرى.
عالميًا، اتّهمت الولايات المتحدة مؤخرًا، وعدد من حلفائها الغربيين، روسيا بالتدخل الإلكتروني في انتخابات عدد من هذه الدول، والقيام باستفزازات عسكرية على امتداد الحدود بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وعلى مستوى الشرق الأوسط، تبدو الكفة في هذا الصراع “البارد” (cool)، كما يصفه نوح فيلدمان، مائلة لصالح روسيا التي لم تضمن نصرًا وشيكًا في سوريا وحسب، لكنها ضمنت أيضًا وجودًا طويل الأمد على ضفاف البحر المتوسط، من خلال القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية في حميميم باللاذقية.
وفي حين أن الوجود البحري والجوي والأرضي للقوات الروسية في سوريا، يضمن لها نفوذًا عسكريًا وسياسيًا في سوريا، فإنّه يمنحها موقعًا مشرفًا على الأسطول الجنوبي للناتو، حسب تقرير لمعهد دراسة الحرب في واشنطن، أشار أيضًا إلى أن الوجود الروسي يهدد تحرك الولايات المتحدة بحرية في المنطقة.
وفي هذا الإطار، عرضت روسيا في السنوات الأخيرة منظومة الصواريخ الدفاعية المتطورة “أس 400” على عدد المشترين المحتملين، مثل تركيا، وأعلنت أنها سترسل منظومة “أس 300” إلى النظام السوري، الأمر الذي من شأنه تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة.
خصصت موسكو موارد بحرية ضخمة، تشمل 15 سفينة حربية من أسطولها في البحر الأسود، لتطوير وحدة بحرية دائمة في قاعدة طرطوس بدءًا من تموز 2017، بإذن من النظام السوري لقرابة 50 عامًا.
رأت المحللة جينيفي كاساغراندي المقيمة في واشنطن، أن النهج الروسي في التعامل مع الصراع في سوريا، أظهر “على الفور” مؤشرات على حملة للزحف تجاه منطقة نفوذ الأسطول الجنوبي لحلف الناتو في المتوسط، خاصة بالنظر إلى نهج موسكو تجاه أنقرة، الداعمة للثورة السورية ضد نظام الأسد.
ففي حين واصلت تركيا دعمها للثوار السوريين، رغم تخلي الولايات المتحدة عن دعمهم بسبب ظهور جماعات إرهابية، إلا أن تركيا دخلت في اتفاق غير مسبوق مع موسكو - التي تدخلت عسكريا في عام 2015 لترجيح كفة النظام السوري - لسحب الثوار من حلب التي كانت أهم معاقلهم.
مثّل هذا الاتفاق بداية لعملية أستانة، التي تهدف لإيجاد حل سياسي للصراع. أقنعت موسكو أنقرة - العضو في الناتو الذي يختلف مع أعضائه في كثير من الأحيان - بالجلوس إلى الطاولة مع النظام السوري وحليفته إيران، الأمر الذي صب في مصلحة روسيا.
أشارت كاساغراندي إلى أن موسكو تسعى من خلال أستانة إلى دق إسفين بين تركيا والناتو، كجزء من خطتها الكبرى التي تستهدف الحلف برمّته. ويبدو أن الاستراتيجية الروسية نجحت في تمكين قوات النظام السوري من السيطرة على غرب البلاد، عدا إدلب، والتوجه شرقًا، كما نجحت بإقناع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضًا بالعدول عن تنحي الأسد كشرط مسبق لإنهاء الصراع الدامي.
خصصت موسكو موارد بحرية ضخمة، تشمل 15 سفينة حربية من أسطولها في البحر الأسود، لتطوير وحدة بحرية دائمة في قاعدة طرطوس بدءًا من تموز 2017، بإذن من النظام السوري لقرابة 50 عامًا. وقد شاركت سفن حربية وغواصة روسية في تنفيذ غارات على مواقع لتنظيم داعش في سوريا. هذه السفن والغواصات القادرة على حمل أسلحة نووية، يمكنها بسهولة الوصول إلى أهداف الناتو.
تبدو الرؤية الروسية للحملة ضد الثوار السوريين، وبالمحصلة ضد الشعب السوري، أوسع من مجرد دعم نظام الأسد، الذي قد لا يزيد دوره عن موطئ قدم لموسكو، التي ربما تكون في سوريا لكن عينها على الناتو.