المشهد المزدوج للجوء السوري.. بين القمع السياسي والأزمات الاقتصادية

2024.10.17 | 06:10 دمشق

165656565
+A
حجم الخط
-A

يُعتبر اللاجئون السياسيون واللاجئون الاقتصاديون فئتين من اللاجئين الذين يهربون من بلدانهم الأصلية بحثًا عن الحماية أو ظروف معيشية أفضل.

يكمن الفرق بينهما في الدوافع التي أجبرتهم على الهروب، وكذلك في إمكانية العودة إلى أوطانهم، مما ينعكس بشكل مباشر على أوضاعهم القانونية والاجتماعية.

من هو اللاجئ السياسي؟

اللاجئ السياسي هو شخص اضطر إلى مغادرة بلده بسبب الاضطهاد أو التهديدات التي يواجهها نتيجة آرائه أو نشاطاته السياسية أو انتماءاته. هؤلاء الأفراد يعيشون تحت خطر حقيقي على حياتهم إذا حاولوا العودة إلى أوطانهم، إذ إن النظام الحاكم هو من يضطهدهم بشكل مباشر بسبب معارضتهم السياسية أو انتمائهم لجماعات معارضة.

يبقى اللاجئ السياسي في حالة خوف دائم وتردد حول إمكانية العودة إلى بلده طالما أن الظروف السياسية التي أجبرته على الهرب لا تزال قائمة.

من هو اللاجئ الاقتصادي؟

في المقابل، اللاجئ الاقتصادي هو شخص هاجر بسبب ظروف معيشية صعبة مثل الفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي. وقد يكون السبب الرئيسي لهروبه هو البحث عن فرص اقتصادية أفضل أو الفرار من مناطق نزاع أو حروب. يُمكن لهؤلاء اللاجئين العودة إلى بلدانهم مع تحسن الظروف الاقتصادية أو إذا تم تحقيق الاستقرار في مناطقهم الأصلية.

عدم القدرة على العودة

يعيش اللاجئ السياسي في ظل ضغط مستمر بسبب استحالة العودة إلى بلده طالما أن النظام الذي يهدد حياته لا يزال قائمًا. الأمر يتعلق بوجوده ذاته، حيث يمكن أن تعني العودة بالنسبة له التعرض لخطر السجن، والتعذيب، وربما الموت.

من ناحية أخرى، يحتفظ اللاجئ الاقتصادي بأمل العودة في حال تحسن الظروف الاقتصادية والمعيشية في بلده، حيث تظل العودة خيارًا محتملاً مع تحسن الأوضاع.

سوريا تُعدّ مثالًا صارخًا للوضع الذي يجبر الأفراد على اللجوء السياسي. منذ بدء الثورة في عام 2011، شهدت البلاد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري الذي مارسه النظام الحاكم ضد معارضيه. فعلى سبيل المثال، في أيلول 2024 وحده، وفقًا للتقرير الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تم توثيق ما لا يقل عن 206 حالات احتجاز تعسفي، بينهم 9 أطفال و17 سيدة، وقد تحولت 158 منها إلى حالات اختفاء قسري. هذه الانتهاكات الجسيمة هي إحدى الأسباب الرئيسية التي تدفع الأفراد إلى البحث عن اللجوء السياسي خارج سوريا، حيث يلجأ هؤلاء الأشخاص بحثًا عن الأمان بعد تعرضهم لخطر الاعتقال أو الاختفاء القسري بسبب نشاطاتهم أو آرائهم السياسية.

ويأتي هذا في سياق أوسع، حيث يستمر النظام السوري في انتهاك قرارات محكمة العدل الدولية، بما في ذلك قرار التدابير المؤقتة الصادر في تشرين الثاني 2023، والذي دعا إلى وقف عمليات الاحتجاز التعسفي والتعذيب.

ووفقًا للتقرير، لا يزال النظام السوري يحتجز ما لا يقل عن 136,614 شخصاً في ظروف قاسية، مما يعزز التوجه نحو الإخفاء القسري كأداة لقمع المعارضين والناشطين.

يظل اللاجئون السياسيون الهاربون من النظام السوري عالقين في لبنان، غير قادرين على العودة إلى وطنهم، حتى مع استمرار الحرب في لبنان وتفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية هناك.

العفو السوري والخلط بين النوعين

في ظل إصدار النظام السوري "العفو" الأخير، تبرز أهمية التفريق بين اللاجئين السياسيين والاقتصاديين. العفو المزعوم الذي أعلنه النظام قد تلقى ترحيبًا من بعض الدول، لكن بالنسبة للاجئين السياسيين، فإنه لا يُعتبر ضمانًا للسلامة أو العدالة. اللاجئون السياسيون لا يهربون من أزمة اقتصادية، بل من نظام في السلطة ما زال يمارس الاضطهاد والتعذيب.

تُعتبر حالة اللاجئين السوريين في لبنان مثالًا واضحًا على أهمية التفرقة بين اللاجئ السياسي والاقتصادي. ففي سياق التفريق بينهما، يمكننا أن نلاحظ بشكل خاص أن معظم العائدين إلى سوريا من لبنان هم من اللاجئين الاقتصاديين أو ممن كانوا يذهبون إلى سوريا بشكل دوري، حتى خلال فترة لجوئهم، إما للعمل أو لزيارة عائلاتهم.

هؤلاء الأفراد لا يعانون من اضطهاد سياسي مباشر من النظام، ولذلك يمكنهم العودة إلى ديارهم إذا تحسنت الظروف المعيشية، أو إذا وُجدت حلول اقتصادية تجعل العودة ممكنة.

في المقابل، يظل اللاجئون السياسيون الهاربون من النظام السوري عالقين في لبنان، غير قادرين على العودة إلى وطنهم، حتى مع استمرار الحرب في لبنان وتفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية هناك.

هؤلاء الأشخاص، الذين فروا بسبب القمع السياسي والاضطهاد، لا يمكنهم المخاطرة بالعودة إلى سوريا، لأنهم ما زالوا تحت تهديد مباشر من النظام. والعفو الذي يصدره النظام السوري بشكل متكرر لا يوفر لهم الحماية، بل هو وسيلة للإيهام بأن البلاد باتت آمنة، بينما في الواقع لا تزال ظروف الاضطهاد والقمع قائمة مستمرة.

في هذا السياق، أكد منسق مجموعة عمل اللاجئين والنازحين في الائتلاف الوطني السوري، أحمد بكورة، أن الشبكات والمنظمات الحقوقية وثقت عمليات اعتقال بحق اللاجئين العائدين من لبنان إلى مناطق الأسد خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك بالتزامن مع اشتداد وتيرة قصف الاحتلال الإسرائيلي على لبنان، وممارسات السلطات اللبنانية التمييزية تجاه اللاجئين، حيث تمنع عنهم المأوى والغذاء والدواء.

وأشار بكورة إلى أن مصير اللاجئين السوريين العائدين إلى مناطق النظام محفوف بالمخاطر، وخاصة مع وجود تجارب سابقة جرى توثيقها أدت إلى موت أصحابها.

اللاجئون السياسيون في لبنان في وضع مأساوي؛ فهم محاصرون بين نارين، النظام الذي يطاردهم في سوريا من جهة، وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في لبنان من جهة أخرى.

هؤلاء الأفراد ليس لديهم أي مكان آخر يذهبون إليه، فلا يمكنهم العودة إلى سوريا، ولا البقاء بأمان في لبنان. هذا يضعهم في مواجهة مخاطر متزايدة من الإصابة أو المعاناة من المآسي الإنسانية التي تترتب على الحرب المستمرة في لبنان.

كل المنظمات الحقوقية تؤكد أن على الدول المستضيفة والمجتمع الدولي أن يضمنوا حماية اللاجئين السياسيين وعدم إجبارهم على العودة إلى بلادهم، طالما أن التهديدات التي دفعتهم للهرب لا تزال قائمة.

ضرورة التفريق بين النوعين

صحيح أن تفاقم الأزمة الإنسانية السورية جعل من الصعب التمييز أحيانًا بين اللاجئ السياسي واللاجئ الاقتصادي، حيث تتداخل العوامل الاقتصادية مع القمع السياسي، مما يؤدي إلى نزوح جماعي بحثًا عن الأمان والاستقرار. لكن سوريا تعتبر واحدة من أبرز الأمثلة على الأوضاع التي تجعل الفارق بين اللاجئ السياسي والاقتصادي مسألة معقدة تستحق البحث والنظر العميق. إن خلط الحالتين يؤدي إلى غياب فهم واضح للتحديات التي تواجه كل فئة. الضغط على اللاجئين السياسيين للعودة إلى بلدانهم يُعد انتهاكًا لحقوقهم الأساسية. حيث لا يمكنهم المخاطرة بالعودة، لأنهم ما زالوا تحت تهديد مباشر من النظام. العفو الذي يصدره النظام السوري بشكل متكرر لا يوفر لهم الحماية، بل هو وسيلة للإيهام بأن البلاد باتت آمنة. بينما في الواقع، لا تزال ظروف الاضطهاد والقمع قائمة مستمرة.

تعزيز الحماية الدولية

كل المنظمات الحقوقية تؤكد أن على الدول المستضيفة والمجتمع الدولي أن يضمنوا حماية اللاجئين السياسيين وعدم إجبارهم على العودة إلى بلادهم، طالما أن التهديدات التي دفعتهم للهرب لا تزال قائمة. والدول التي تتبنى مثل هذا النهج تتجاهل جوهر الحماية الدولية الممنوحة للاجئين السياسيين، والتي تضمن لهم عدم الإعادة القسرية إلى بلدانهم طالما أن تلك التهديدات لا تزال قائمة.

ويجب معاملة اللاجئين السياسيين بقدر أكبر من الإنسانية والمسؤولية، والتأكيد على أن العودة لا يمكن أن تكون خيارًا طالما بقي النظام الذي يضطهدهم في السلطة. لا بد أن تكون العودة كريمة، آمنة، وطوعية، مرتبطة بتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالحل السياسي.

إن الفرق بين اللاجئ السياسي واللاجئ الاقتصادي ليس فرقًا قانونيًا فحسب، بل هو تجربة حياتية مختلفة تمامًا. فبينما يعيش اللاجئ السياسي في حالة دائمة من عدم اليقين والخوف، يعيش اللاجئ الاقتصادي أمل العودة مع تحسن الظروف. تبقى أهمية التفريق بينهما أمرًا ضروريًا لتحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان لكل من الفئتين.