تفصلنا أيام عن الذكرى العاشرة للثورة السورية العظيمة، حيث قدّم السوريون وعلى رأسهم المرأة السورية نموذجاً من الإقدام والعزم والالتزام، نساء سوريا اليوم يمثلن تجربة نضالية عظيمة فريدة من نوعها، واجهن خلالها صنوف القمع والإجرام ببطولة وثبات، ورغم تعرضهن لكل أنواع الانتهاكات ما زالن مستمرات في ثورتهن في وجه النظام والاستبداد.
إن وجود النساء في الحياة السياسية ووصولهن إلى مراكز صنع القرار لم يكن أمراً سهلاً وواجهن كثيرا من التحديات والصعوبات ليس في سوريا فقط بل في كل العالم، لكننا نستطيع أن نقول إن النساء أثبتْنَ قدراتهن في الوصول إلى هذه المواقع والإنتاج بشكل جدي وفاعل، لذا يجب دعمهن وتمكينهن وإعطاؤهن الفرص دون تمييز أو إقصاء، وعلى الرجال وصناع القرار في سوريا أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا بناء سورية المستقبل سورية الحرية والديمقراطية إلا بمشاركة النساء.
في الوقت الذي تحتفل فيه نساء العالم بيومهن ويحتفل العالم بهن، تعاني النساء السوريات على مدى عشر سنوات من مشكلات جمة، ولن أتحدث عن جرائم النظام هنا فهي كثيرة لا تحصى بحق كل السوريين وليس النساء فقط، ولكن سأتحدث كيف تعامل المجتمع بنظرته التقليدية والنمطية لوجود قيادات نسائية في كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فكان وجود النساء أحياناً على باب الاستحياء وبطلب من المجتمع الدولي وأحياناً أخرى وفقاً للمحاصصة، مما أفقد المرأة فرصتها بتمثيل عادل يليق بتضحياتها وإمكاناتها الكبيرة، كما أن النظرة السلبية من المجتمع للمرأة التي تعمل في المجال السياسي أو الإعلامي أو قضايا الشأن العام يجعل النساء يترددن في الخوض في تلك المضامير من ألسنة المجتمع وعيونه المراقبة التي نصّبت أنفسها وصيّة على النساء ، فإذا كان مجتمعنا (أبويّا) فلِمَ لا نجعله أموميّا؛ لتكون المرأة العنصر الأساسي المقرر لتقدم المجتمع بلا خوف أو تردد.
إلا أننا لا ننكر أن العديد من النسويات في أثناء دفاعهن عن حقوق النساء في سوريا تطرفنَ بذلك وطرحنَ أفكاراً لم تطبق في الدول الأوروبية ودول العالم الديمقراطي إلا بعد نضال دام لعشرات وربما مئات السنين، تلك الأفكار المنفصلة عن الواقع والبعيدة لدرجة خيالية عن مجتمعنا وضعت المرأة في معركة غير متكافئة مع الرجل، ونفّرت نسبة كبيرة حتى من النساء من تلك الأفكار، وبالنسبة لي كوني مدافعة عن حقوق النساء وخرجت من مجتمع محافظ وطالبت بكل حقوقي وحصلت على جزء لا بأس به منها، أرى أنه يجب علينا كنساء مطالبات بحقوقهن أن نجد آليات وطرقاً جديدة أكثر تأثيراً وواقعية أولها أن نعمل كنساء معا، وندعم بعضنا بعضا، ونتوقف عن استعداء الآخرين، وأن نسعى لتشكيل لوبيّات ضاغطة ومؤثرة، وأن نكون جامعات لكل النساء باختلاف أفكارهنّ وأيديولوجياتهنّ، فالهدف الأسمى هو ضمان حقوق النساء في سورية المستقبل.
ليس بالضرورة كي تكون النساء قياديات أن يعملن في المجال السياسي فقط، بل يجب أن يكنّ في القيادة المجتمعية والمدنية والاقتصادية وكل مجالات الحياة، خاصة أن نسبة النساء الآن في سورية أعلى من نسبة الرجال، وأن العملية الانتخابية بعد الانتقال السياسي سيكون الثقل الأكبر فيها لأصوات النساء، وأن الظروف المعيشية الحالية التي فرضت أن تكون النساء معيلات لأسرهن، واندماجهن في مجتمعات جديدة وتعلمهن لغات مختلفة وثقافات غريبة عنهن، أعطت المرأة خبرات اقتصادية واجتماعية تؤهلها لتكون رائدة على كل المستويات لاحقاً.
لا بد هنا أن أؤكد أن القضايا العادلة تحتاج إلى محامٍ ومدافع بارع عنها، لأن التعامل غير الصحيح حتى مع القضايا العادلة يفرغها من محتواها وقيمتها الأخلاقية، فحقوق النساء وقضاياهن مطلب محق وقضية عادلة، وهذه دعوة لتكون نساء سورية المدافعات البارعات عن تلك القضية، وكونوا على ثقة أن النساء في دول العالم المتحضر لم يصلن إلى ما وصلن إليه إلا من خلال الطرق الصحيحة، فإن كان لدى المملكة المتحدة مارغريت تاتشر، ولدى ألمانيا أنجيلا مركيل، فلدينا نساء سوريات يرفعن اسم وطننا عالياً.