في خضم الأحداث التي تعصف بسوريا اليوم، نقف أمام مشهد بالغ التعقيد. ما كان يومًا ثورة ترفع شعارات الحرية والكرامة تحوّل بمرور الزمن إلى جزء من لعبة كبرى تتحرك خيوطها على مسرح إقليمي ودولي، غالبًا بعيدًا عن إرادة الشعب السوري.
نقف اليوم على عتبة أخطر مراحل التغيير، تلك التي تتجاوز الصراعات العسكرية المباشرة لتدخل في عمق إعادة تشكيل الديموغرافيا والهوية. إنها ليست مجرد مرحلة نزاع على الجغرافيا، بل هي إعادة رسم للتركيبة السكانية بما يتوافق مع مصالح قوى إقليمية ودولية.
على الرغم من الأهداف النبيلة التي حملتها الثورة السورية منذ انطلاقتها، إلا أن التدخلات الخارجية باتت تفرض أجنداتها، مغيرةً من مسار الثورة الأصلي. ورغم كل التحديات، يبقى السوريون مؤمنين بأحقية مطالبهم، غير أن الصراع الذي كانوا يأملون أن يفضي إلى الحرية بدأ يأخذ أبعادًا جديدة تفرض نفسها على الواقع السوري.
إحدى أكثر التحولات وضوحًا اليوم هي إعادة تشكيل ديموغرافية البلاد بشكل يخدم مصالح قوى إقليمية. هذه العملية ليست مجرد نتيجة عشوائية لحرب أهلية، بل هي جزء من مخطط يُدار بعناية. إحدى أبرز صور هذا التحول هي محاولة نقل الكتلة المؤيدة لحزب الله من لبنان إلى سوريا، لتشكيل نواة سكانية جديدة تخدم المصالح الإيرانية في المنطقة. هذا التحرك يتجاوز كونه هروبًا من الحرب، إذ يأتي في إطار استراتيجية لإعادة توزيع السكان بما يخدم أجندات خارجية.
إن المشكلة الحقيقية التي نواجهها اليوم ليست في الثورة بحد ذاتها، بل في التدخلات التي تفرض أجندات لا تتوافق مع الأهداف الأصلية للثورة.
ورغم تعقيد المشهد وتزايد الضغوط الخارجية، لا يمكن إغفال الأثر العميق الذي أحدثته الثورة السورية في نفوس الشعب. صحيح أن اللعبة السياسية الإقليمية والدولية قد تدخلت في تفاصيل الصراع، إلا أن الثورة كانت وما زالت تعبيرًا عن إرادة حقيقية للتغيير. المفارقة تكمن في أن القوى الخارجية التي تتدخل الآن في مسار الثورة لم تكن يومًا حريصة على تحقيق طموحات الشعب السوري، بل على مصالحها الخاصة.
إن المشكلة الحقيقية التي نواجهها اليوم ليست في الثورة بحد ذاتها، بل في التدخلات التي تفرض أجندات لا تتوافق مع الأهداف الأصلية للثورة. نحن بحاجة إلى وقفة تأمل ووعي أعمق لدورنا الحقيقي في هذه المعركة. الحرية التي نبحث عنها لن تتحقق إلا إذا أدركنا أن الثورة ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي عملية تحرر شاملة تبدأ بتحرير العقول من قيود الهيمنة الخارجية.
الثورة الحقيقية ليست فقط في إسقاط الأنظمة، بل في بناء وعي جديد يتجاوز الشعارات الرنانة ويواجه الواقع بشجاعة. علينا أن ندرك أن التحديات التي نواجهها اليوم لا تقتصر على التدخلات الخارجية، بل تمتد إلى ضرورة مواجهة الأخطاء التي وقعنا فيها على مدى السنوات الماضية. لقد حان الوقت لأن نعيد النظر في مسارنا ونستعيد المبادرة، مدركين أن الثورة ليست صراعًا ضد نظام فقط، بل هي صراع ضد كل من يحاول فرض إرادته على هذا الشعب.
الثورة السورية ليست مجرد مرحلة عابرة في تاريخ البلاد، بل هي تعبير عن طموحات وآمال أجيال كاملة.
إن تحقيق التغيير الذي ينشده السوريون يتطلب منا إعادة تقييم دورنا في هذا الصراع. لا يكفي أن نرفع شعارات الحرية والكرامة، بل علينا أن نعمل على تحويل هذه الشعارات إلى واقع ملموس. الثورة كانت وما زالت تعبيرًا عن إرادة حقيقية للتغيير، والتحديات التي تواجهها اليوم لا تلغي شرعيتها أو أهدافها النبيلة. لكن يجب أن نكون واعين لحقيقة أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب أكثر من مجرد الاحتجاج؛ إنه يتطلب استراتيجية ذكية وموقفًا واعيًا من التغيرات الجارية.
الثورة السورية ليست مجرد مرحلة عابرة في تاريخ البلاد، بل هي تعبير عن طموحات وآمال أجيال كاملة. علينا أن نتذكر دائمًا أن الطريق إلى الحرية طويل، وأننا بحاجة إلى الحكمة والرؤية الواضحة لمواجهة التحديات القادمة.
الثورة ليست نهاية الطريق، بل بداية لتحول جذري في الفكر والواقع.