العمل الإنساني في زمن الأزمات.. دروس من سوريا

2024.08.19 | 08:40 دمشق

244444
+A
حجم الخط
-A

في اليوم العالمي للعمل الإنساني، نتوقف لنتأمل الدور المحوري الذي يلعبه العاملون الإنسانيون في إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة في أنحاء العالم. في ظل الأزمات الإنسانية والنزاعات المسلحة التي باتت جزءًا من واقعنا اليومي، لا يمكن التقليل من أهمية العمل الإنساني.

هؤلاء الأفراد الشجعان يتقدمون الصفوف، يعبرون المناطق الأكثر خطورة، ويتحدون الظروف الصعبة لتقديم المساعدة لأكثر الناس احتياجًا.

ومع ذلك، فإنهم يواجهون تهديدات متزايدة على حياتهم، خاصة في أماكن مثل سوريا، حيث أصبحت القوانين الدولية التي تهدف إلى حمايتهم مهملة بشكل مثير للقلق.

العمل الإنساني ليس مجرد توفير المساعدات؛ إنه تعبير عن إنسانيتنا المشتركة، عن التزامنا الأخلاقي بتقديم العون للأشخاص الذين يواجهون أسوأ لحظات حياتهم. في أوقات النزاع، يصبح العمل الإنساني أكثر إلحاحًا، حيث يسهم في الحفاظ على الحياة والكرامة في ظل ظروف قاسية.

في سوريا، حيث دخل الصراع عامه الثالث عشر، أصبحت الحاجة إلى المساعدات الإنسانية أكثر حدة من أي وقت مضى. ملايين السوريين يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، سواء كانوا داخل البلاد أو في مخيمات اللجوء خارجها.

العاملون الإنسانيون في سوريا، الذين يشكلون العمود الفقري لهذه الجهود، يواجهون تحديات غير مسبوقة. القصف، الحصار، والنزوح القسري ليست سوى بعض المخاطر التي تعترض طريقهم يوميًا.

في كثير من الأحيان، يصبح هؤلاء العاملون هدفًا للهجمات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يزيد من تعقيد مهمتهم الإنسانية. إن استهدافهم لا يعرض حياتهم للخطر فحسب، بل يهدد أيضًا بقطع شريان الحياة الذي يعتمد عليه الملايين.

يشكل القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، الإطار القانوني الأساسي الذي يحمي هؤلاء العاملين.

منذ بداية الثورة في سوريا، تعرض العاملون في المجال الإنساني لانتهاكات متكررة، خاصة من قبل قوات النظام السوري. وثقت منظمات حقوق الإنسان العديد من الهجمات على قوافل الإغاثة والمستشفيات والمراكز الصحية، التي كانت تُعتبر في السابق خطوطًا حمراء يجب على جميع الأطراف تجنبها.

في الواقع، تشير تقارير متعددة إلى أن النظام السوري استخدم هذه الهجمات كجزء من استراتيجيته العسكرية، لاستهداف مناطق المعارضة ومنع وصول المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها.

هذه الانتهاكات ليست مجرد "أضرار جانبية"؛ بل هي انتهاكات متعمدة تهدف إلى كسر إرادة الشعب السوري ومعاقبته بشكل جماعي.

إن استهداف العاملين الإنسانيين يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويجب أن يُعامل كجريمة حرب. لكن على الرغم من الأدلة الواضحة، لا يزال مرتكبو هذه الجرائم بعيدين عن المساءلة، مما يزيد من حدة الإفلات من العقاب ويشجع على تكرار مثل هذه الانتهاكات.

لضمان حماية العاملين الإنسانيين، وضع المجتمع الدولي قواعد صارمة تحدد حقوقهم وتفرض التزامات على الأطراف المتحاربة.

يشكل القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، الإطار القانوني الأساسي الذي يحمي هؤلاء العاملين. تنص اتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، ويعتبر أي استهداف متعمد لهم جريمة حرب.

البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، يعزز هذه الحماية، حيث ينص على ضرورة احترام العاملين في الإغاثة الإنسانية وضمان وصولهم الآمن إلى المناطق المتضررة. كما يشدد على أن الهجمات التي تُشن ضدهم تُعد انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، وتستوجب الملاحقة الجنائية.

بالإضافة إلى ذلك، أصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات تدين الهجمات على العاملين الإنسانيين وتؤكد على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني.

القرار رقم 2286، الصادر عام 2016، يدعو جميع الأطراف المتنازعة إلى الامتناع عن استهداف المنشآت الطبية والعاملين في المجال الإنساني، ويطالب بمساءلة مرتكبي هذه الجرائم. ومع ذلك، لا تزال هذه القرارات بحاجة إلى تنفيذ صارم على الأرض، حيث لا يكفي مجرد إصدارها لضمان حماية العاملين الإنسانيين.

يجب أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات حازمة لضمان أن هؤلاء الأفراد الذين يعملون في أخطر الأماكن وفي أصعب الظروف، يمكنهم القيام بعملهم بلا خوف من الاستهداف أو التعرض للعنف

في ظل التحديات الراهنة، تبرز الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فعالة لضمان حماية العاملين الإنسانيين، سواء في سوريا أو في مناطق النزاع الأخرى. يجب على المجتمع الدولي تعزيز آليات المساءلة لملاحقة المسؤولين عن الهجمات ضد هؤلاء العاملين، مع وجود إرادة سياسية واضحة لمتابعة القضايا أمام المحاكم الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.

كما يجب على المنظمات الدولية والإغاثية تحسين الإجراءات الأمنية للعاملين، عبر توفير التدريب المناسب واستخدام التكنولوجيا لتعزيز سلامة قوافل الإغاثة، إضافة إلى تعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية.

من جهة أخرى، يتعين على الدول المانحة زيادة تمويل العمليات الإنسانية لضمان استمرارية تقديم المساعدات في المناطق المتضررة، مع تعزيز التنسيق بين المنظمات والحكومات لضمان وصول المساعدات.

كذلك، ينبغي تكثيف الجهود لنشر الوعي بقواعد القانون الدولي الإنساني بين الأطراف المتنازعة من خلال برامج تعليمية وتدريبية تستهدف العسكريين والمجتمع المدني.

وأخيرًا، يجب دعم المبادرات المحلية التي تهدف إلى حماية العاملين الإنسانيين وتعزيز دورهم في المجتمعات المتضررة، مما يسهم في بناء الثقة بينهم وبين تلك المجتمعات وتعزيز الحماية الميدانية.

إن العاملين الإنسانيين هم أبطال هذا العصر المضطرب، وهم يحملون على عاتقهم مسؤولية كبيرة في تقديم الإغاثة والإنقاذ للملايين.

في اليوم العالمي للعمل الإنساني، يجب أن نتذكر ليس فقط أهمية ما يقومون به، ولكن أيضًا الحاجة الماسة لحمايتهم من المخاطر التي يواجهونها. القانون الدولي الإنساني يقدم إطارًا واضحًا لحمايتهم، لكن تنفيذ هذه القوانين على الأرض لا يزال تحديًا كبيرًا.

في نهاية المطاف، يجب أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات حازمة لضمان أن هؤلاء الأفراد الذين يعملون في أخطر الأماكن وفي أصعب الظروف، يمكنهم القيام بعملهم بلا خوف من الاستهداف أو التعرض للعنف. حماية العاملين الإنسانيين ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي اختبار لإنسانيتنا المشتركة وللقدرة على احترام أبسط القيم الإنسانية في أحلك الظروف.