جميعنا نعرف أن الولايات المتحدة الأميركية كانت وما تزال جزءا من مشكلات العرب، وجميعنا نعرف أن الأجهزة السياسية الأميركية، مهما غيّرت الانتخابات من وجوهها، لا تريد أن تعترف بهذا ولا تجرؤ الوجوه السياسية العربية على مصارحتها بهذا.
ولكي تنتهي هذه المشكلة المعلقة، على العرب أن يدعو أجهزة صنع القرار الأميركي إلى طاولة الأسئلة الصعبة ليسألوهم: ما أسباب عدائكم لنا وكيف يمكننا أن نتجاوز هذا العداء المزمن؟
أقول هذا الكلام بمناسبة قمة جدة السعودية، التي عُقدت بين تسعة من الزعماء العرب مقابل الرئيس الأميركي الذي أصر على أن يفتتحها بلوم ولي العهد السعودي على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. فلم - وهذا على سبيل المثال - ينبر رئيس الوزراء العراقي للرد على بايدن بالقول: ولكن أنتم قتلتم ألف صحفي وأكثر في العراق، خلال سنوات احتلالكم، فلما لا أذكّرك أنا بها وألومك عليها وأطالبك بالتحقيق بشأنها؟
ولم ينبرِ ملك الأردن ليذكر بايدين قائلاً: ولكن سيادة الرئيس ما سر وجود قواتكم المسلّحة في سوريا وبالذات في جزئها الغني بالنفط؟ لِمَ لم يقل ولي عهد البحرين: ولكن أنتم احتللتم العراق، لأسباب وادعاءات واهية، وأحلتموه إلى خراب وسلمتموه مجاناً إلى إيران، عدو جميع العرب؟
وهناك عشرات من الأسئلة الصعبة التي كان على العرب طرحها، بل ومواجهة بايدن بها، ولكن ولا أي منها طرح، فكيف للمشكلة الأميركية العربية أن تحل إذن؟
عُقدت قمة جدة وانتهت، وعبر ما تسرّب من أخبار كواليسها، لم يُطرح سؤالٌ صعب واحد، من الأسئلة العربية الكبيرة والمزمنة على بايدن، بل جلس تسعة زعماء عرب لينصتوا لتصورات بايدن ومطالبه
عُقدت قمة جدة وانتهت، وعبر ما تسرّب من أخبار كواليسها، لم يُطرح سؤالٌ صعب واحد، من الأسئلة العربية الكبيرة والمزمنة على بايدن، بل جلس تسعة زعماء عرب لينصتوا لتصورات بايدن ومطالبه، وعندما حان دورهم في الكلام، لم يخرج أي منهم من تحت سقف كلام تحنين قلب بايدن على مشكلاتهم فيما يخص الخطر الإيراني الذي يهدّدهم حتى في مكاتبهم الرئاسية الرسمية، وليس يهدد حدود بلدانهم وحسب.
لا زعيمَ عربياً يكشف لنا صيغة الحوار التي يتكلم بها صانع القرار الأميركي معه ومع باقي زعماء العرب، ولا زعيمَ عربياً يكاشفنا بأسباب عدم طرحهم للأسئلة العربية الكبيرة على ذلك الصانع.
جميع الزعماء العرب يخرجون علينا من قاعات الاجتماع مع صانع القرار الأميركي – مهما كان وجهه وانتماؤه الحزبي - ليقولوا: كانت مباحثات ودية وتم خلالها مناقشة جميع القضايا المدرجة في جدول الأعمال.. لماذا إذن لم تحل مشكلات العرب ولماذا لم تكف الولايات المتحدة عن كونها الجزء الأساسي من منظومة هذه المشكلات؟
أكثر من مسؤول سعودي صرّح، في أثناء انعقاد القمة وبعد نهايتها: جرى بحث القضايا الأمنية والعسكرية وتم الاتفاق على تزويد المملكة بأسلحة ودفاعات متطورة، هل ستردع صفقات الأسلحة هذه التهديدات الإيرانية وتضع حداً لتدخلاتها في الشؤون العربية؟
هل ستجبر إيران على سحب ميليشياتها المسلّحة من سوريا والعراق واليمن وتحولها من دولة عدوانية إلى دولة صالحة؟ والسؤال الأهم هو: هل تستطيع المملكة العربية شن حرب ردع لإيران بهذه الأسلحة، من أجل دحرها ومنعها من التدخل في شؤون الدول العربية؟
أغلب المواطنين العرب يتساءلون عن الصيغة التي تتم بها اجتماعات قادتهم مع صانع القرار الأميركي ويتفرّعون إلى أسئلة: لم لا يواجه الزعماء العرب الرؤساء الأميركان بكونهم الجزء الأساس في مشكلاتهم؟ لم لا يسألوهم السؤال الأهم والأخطر: ماذا تريدون منا بالضبط وكيف لنا أن نصل معكم إلى توافق في هذا الشأن؟
والسؤال الأخطر الذي يردده المواطن العربي ويطالب زعماءه بطرحه: لماذا تعادوننا وبأي طريقة يمكننا أن ننهي هذه العداوة المزمنة؟ الحقيقة الوحيدة التي يعرفها ويؤمن بها المواطن العربي بهذا الصدد هي أن الزعماء العرب لا يطرحون الأسئلة الصعبة على الإدارات الأميركية لخوفهم على كراسيهم فقط، وأظن أني لست بحاجة لأن أذكركم بمصير الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي انتهى إليه، عقب رفعه لعصا الطاعة على الولايات المتحدة، في أثناء وعقب حرب عام 1973 ضد إسرائيل، بعد استخدامه للنفط كسلاح في تلك الحرب.
هل يعقل أن جميع الاجتماعات التي تعقد بين العرب والأميركان تتم في أجواء التسلط والتعالي الأميركيين؟ هل يذهب الزعماء العرب إلى البيت الأميركي لسماع الأوامر وكلمات التقريع فقط؟
كل العرب يتساءلون: أما من لحظة صفاء لنشوء علاقة ودية، بين أي زعيم عربي ونظيره من الأميركان ليطرح عليه أسئلتنا الصعبة؟ هل يعقل أن جميع الاجتماعات التي تعقد بين العرب والأميركان تتم في أجواء التسلط والتعالي الأميركيين؟ هل يذهب الزعماء العرب إلى البيت الأميركي لسماع الأوامر وكلمات التقريع فقط، أو التجاهل، في أحسن الأحوال، كما حصل لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، من قبل باراك أوباما في حديقة البيت الأبيض؟
وكما سُرب من قمة جدة الأخيرة، تحدث بايدن عن عدم رضاه عن منسوب حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، فهل هو مهموم بحقوق الإنسان والمرأة السعودية فعلاً، إلى حد أن يكون هذا الأمر أوّل ما يطرحه؟ هل حقاً أن مقتل جمال خاشقجي هو كل ما يشغل تفكير بايدن وينغص عليه نومه؟ طبعاً كلنا نعرف أن هذا مجرد لغو فارغ وحجج كحجج الأطفال، ولكن المشكلة في من يجرؤ أن يقول هذا لبايدن. مَن يجرؤ أن يقول له: كف عن هذا بربك ودعنا نبحث ما هو أهم: ماذا تريدون منا وكيف يمكن أن ننزع فكرة عدائكم لنا ونحولكم إلى أصدقاء أو على الأقل، أن تكفوا عن مناصبتنا العداء المستمر؟
هل يجرؤ زعيم عربي على فعلها؟