العدالة الدولية وملاحقة جرائم الحرب.. الطريق الطويل نحو المحاسبة

2024.08.27 | 06:31 دمشق

آخر تحديث: 27.08.2024 | 06:31 دمشق

2555555555
+A
حجم الخط
-A

في عالم القانون الدولي واستخدام طرق التقاضي غير المحلية، يمثل تحقيق العدالة مساراً طويلاً ومعقداً يتطلب صبراً ومثابرة.

يتجسد هذا التحدي بوضوح في الجهود المستمرة لمحاسبة نظام بشار الأسد على الجرائم التي ارتكبت في سوريا، ولا سيما استخدام الأسلحة الكيميائية.

على الرغم من الصعوبات، هناك خطوات إيجابية تم اتخاذها، بما في ذلك إصدار مذكرات توقيف دولية بحق الأسد وشقيقه ماهر الأسد، واثنين من كبار الضباط المتعاونين معهم في مركز البحوث العلمية السوري، المسؤول عن تطوير واستخدام الأسلحة الكيميائية. جاءت هذه الخطوات نتيجة شكاوى مقدمة في فرنسا، مدعومة بشهادات وأدلة من ضحايا وشهود، إضافة إلى جهود منظمات حقوق الإنسان السورية والدولية.

قرارات مجلس الأمن والاتفاقيات الدولية: الإطار القانوني لمحاسبة الجرائم

فيما يتعلق بالأطر القانونية الدولية، يلعب مجلس الأمن دوراً محورياً في تنظيم استخدام الأسلحة الكيميائية وفرض العقوبات على الدول التي تنتهك هذه القواعد. أحد أهم القرارات في هذا السياق هو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118، الذي صدر في سبتمبر 2013. جاء هذا القرار في أعقاب هجوم الغوطة الذي استخدمت فيه الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، مما أسفر عن مقتل المئات. ووفقاً للقرار 2118، كان على النظام السوري التخلي عن مخزون الأسلحة الكيميائية وتدميره بالكامل، والانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

قرار مجلس الأمن 2118: محاولة للسيطرة على الوضع

لم يكن قرار مجلس الأمن 2118 مجرد رد فعل على جريمة محددة، بل كان خطوة تهدف إلى منع تكرار هذه الجرائم في المستقبل. أوجب القرار على سوريا الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC)، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1997. تحظر هذه الاتفاقية استخدام الأسلحة الكيميائية تحت أي ظرف، وتلزم الدول الموقعة بالتخلص من مخزوناتها من هذه الأسلحة. في أكتوبر 2013، أصبحت سوريا طرفاً في هذه الاتفاقية، وهو ما كان يُفترض أن يضع حداً لاستخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب السورية.

الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية: هل كان كافياً؟

بالرغم من انضمام النظام السوري إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وتأكيده على التزامه بتدمير مخزوناته، إلا أن الواقع على الأرض كان مختلفاً. تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) والأمم المتحدة تشير إلى أن النظام السوري لم يتوقف عن استخدام هذه الأسلحة، بل استخدمها في عشرات المرات بعد صدور القرار 2118. يعكس هذا الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيميائية، على الرغم من التزامات سوريا الدولية، فشل النظام في الالتزام بتعهداته ويبرز الحاجة إلى تعزيز الآليات الدولية لمحاسبته.

الإجراءات الدولية والمجتمع المدني: العمل معاً لتحقيق العدالة

إلى جانب الجهود المبذولة من قبل الدول والهيئات الدولية، لعبت منظمات المجتمع المدني السورية دوراً حاسماً في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا. لم تكتفِ هذه المنظمات برفع الدعاوى القضائية في أوروبا فقط، بل سعت أيضاً إلى تشكيل تحالف دولي للمطالبة بإنشاء محكمة خاصة للنظر في جرائم استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.

تتخذ هذه الجهود مسارين أساسيين:

  1. الضغط على مكاتب الادعاء العام في دول الاتحاد الأوروبي: عبر تقديم المزيد من الأدلة والشهادات، تسعى منظمات المجتمع المدني إلى دعم قضايا الضحايا وضمان محاسبة الجناة.
  2. التأكيد على أن الجرائم لا تسقط بالتقادم: تسعى هذه المنظمات إلى ضمان عدم إفلات المسؤولين عن هذه الجرائم من العقاب، حتى بعد مرور الزمن أو تغير الظروف السياسية.

التحديات المستقبلية: ضرورة تفعيل المحاسبة

إن ملاحقة نظام الأسد وأعوانه على جرائمهم، خاصة فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، أمر ضروري لتحقيق العدالة. ولكن التحديات أمام هذه الملاحقات كبيرة. أولاً، يجب ضمان عدم وجود مستقبل سياسي لمرتكبي جرائم الحرب في سوريا المستقبلية. مذكرات التوقيف الدولية والملاحقات القضائية تساهم في تقييد حرية الحركة لهؤلاء المجرمين وتجعلهم حبيسي سوريا.

ثانياً، يجب التصدي لظاهرة الإفلات من العقاب التي أصبحت شائعة على المستوى العالمي. لو تمت محاسبة النظام السوري وحلفائه على انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، لكان من الممكن أن يكون للعالم اليوم واقع مختلف، حيث يكون الإفلات من العقاب أقل انتشاراً.

دور قرارات مجلس الأمن والاتفاقيات الدولية: نجاحات وإخفاقات

على الرغم من الجهود الدولية والمحلية، فإن تطبيق قرارات مجلس الأمن والاتفاقيات الدولية لم يكن فعالاً بشكل كافٍ في الحالة السورية. استمرار استخدام النظام للأسلحة الكيميائية بعد القرار 2118 يشير إلى وجود ثغرات في النظام الدولي لمحاسبة الدول على انتهاكاتها.

المقترحات المستقبلية لملاحقة الأسد وأعوانه والتضييق على النظام السوري

فيما يتعلق بالمستقبل، هناك عدة مقترحات يمكن اتباعها لملاحقة الأسد وأعوانه بشكل أكثر فعالية، والتضييق على النظام السوري لضمان عدم إفلاته من العقاب:

  1. تعزيز التعاون الدولي: يجب على الدول التي تدعم العدالة الدولية تعزيز تعاونها مع منظمات المجتمع المدني والجهات القانونية لمواصلة جمع الأدلة وتقديم الشهادات. يمكن لهذا التعاون أن يشمل تبادل المعلومات بين الدول وتنسيق الجهود القانونية لمحاصرة المتهمين.
  2. توسيع العقوبات: يجب على المجتمع الدولي النظر في توسيع العقوبات المفروضة على النظام السوري وأعوانه، لتشمل المزيد من الشخصيات والمؤسسات التي تلعب دوراً في استمرار الانتهاكات. يجب أن تكون هذه العقوبات شاملة، وتغطي الجوانب المالية والدبلوماسية والاقتصادية، مما يزيد من الضغط على النظام.
  3. تفعيل المحاكم الوطنية والدولية: يجب تفعيل دور المحاكم الوطنية في الدول التي تسمح قوانينها بمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية، مثل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. كما يجب تعزيز دور المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في محاسبة المسؤولين السوريين الذين تثبت تورطهم في هذه الجرائم.
  4. إقامة محكمة دولية خاصة: بالنظر إلى الوضع الخاص في سوريا وتعقيدات النزاع، يمكن للمجتمع الدولي أن ينظر في إنشاء محكمة دولية خاصة للنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام السوري. يمكن لهذه المحكمة أن تكون على غرار المحاكم الخاصة التي أُنشئت للنظر في الجرائم المرتكبة في رواندا ويوغوسلافيا السابقة.
  5. التأكيد على عدم شرعية أي تسوية سياسية دون محاسبة: يجب أن يكون أي حل سياسي للأزمة السورية مرتبطاً بشرط محاسبة المسؤولين عن الجرائم. لا يمكن للعالم أن يقبل بتسويات سياسية تتجاهل العدالة أو تعفي المجرمين من العقاب.
  6. تعزيز الدعم للضحايا والشهود: من الضروري تقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا والشهود الذين يساهمون في تقديم الأدلة والشهادات ضد النظام السوري. يمكن أن يكون هذا الدعم من خلال منظمات المجتمع المدني أو عبر برامج دولية تدعم حقوق الإنسان.

تأكيد على سياسات مكافحة الإفلات من العقاب

إن هذه الجهود المقترحة تندرج ضمن السياسات العالمية لمكافحة الإفلات من العقاب، والتي تسعى إلى محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية وضمان عدم إفلاتهم من العدالة. في هذا السياق، فإن محاسبة الأسد وأعوانه تعد جزءاً لا يتجزأ من هذه السياسات، حيث أن السماح لهم بالإفلات من العقاب سيعزز من ظاهرة الجرائم ضد الإنسانية في مناطق أخرى من العالم.

مكافحة الإفلات من العقاب تتطلب التزاماً جماعياً من الدول والمجتمع الدولي لضمان أن العدالة تتحقق، وأن أي شخص يتورط في ارتكاب جرائم خطيرة يدرك أنه سيحاسب في النهاية. يجب أن يكون هذا الالتزام واضحاً وحازماً، لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.

نحو نظام دولي أكثر فعالية

في الختام، فإن تجربة سوريا في التعامل مع الأسلحة الكيميائية ومحاسبة المسؤولين عن استخدامها تسلط الضوء على الحاجة إلى تحسين آليات القانون الدولي. يجب أن تتضمن هذه التحسينات تعزيز قدرة المجتمع الدولي على فرض عقوبات فعالة وضمان تنفيذها. فالعدالة الدولية ليست مجرد هدف مثالي، بل هي أداة حيوية لضمان عدم تكرار الجرائم ضد الإنسانية، ولإرسال رسالة واضحة مفادها أن العالم لن يتسامح مع انتهاكات حقوق الإنسان، وأن الإفلات من العقاب لن يكون خياراً متاحاً بعد الآن.