icon
التغطية الحية

الشمال السوري.. الألغام والدمار يحدّ من عودة المهجّرين |صور

2024.12.27 | 05:44 دمشق

آخر تحديث: 27.12.2024 | 05:45 دمشق

بلدة منغ شمالي حلب
من آثار الدمار في بلدة منغ شمالي حلب (تلفزيون سوريا)
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- الوضع الحالي في شمال غربي سوريا: تعاني مناطق مثل سراقب ومعرة النعمان من دمار واسع، مما يترك آلاف المهجرين في مخيمات قرب الحدود التركية. العودة محدودة بسبب الأضرار الكبيرة وانتشار الألغام.

- التحديات في إعادة الإعمار: تواجه بلدات مثل منغ وتل رفعت صعوبات في إزالة الألغام وإعادة بناء البنية التحتية. الأهالي يطالبون بالدعم الإنساني العاجل، بينما يسعى المجلس المحلي لتسهيل عودة المهجرين.

- العودة المحدودة للسكان: في نبل والزهراء، تسهلت العودة، لكن في معرة النعمان وسراقب، تعيق الدمار وسرقة الممتلكات العودة، مما يفاقم شعور السكان بالتهميش.

ما يزال الحزن مخيّماً على كثير من المناطق شمال غربي سوريا، خاصّةً سراقب ومعرة النعمان وأبو الظهور وعندان وتل رفعت وكفرنبل ومنغ وغيرها من البلدات والقرى، التي ما تزال شبه مهجورة بسبب الدمار الواسع الذي حلّ بعمرانها السكني والتجاري ومرافقها العامة وهو ما منع آلاف المهجّرين من العودة إلى منازلهم، واختيارهم البقاء في مخيّمات النزوح قرب الحدود التركية، رغم مضي عدة أسابيع على سقوط النظام البائد.

جال موقع تلفزيون سوريا في معظم المدن والبلدات المنكوبة، ولم يشهد عودة الحياة إلى أزقتها وأسواقها بعد.. المهجرون الذين كانوا يأملون في العودة إلى منازلهم شعروا بالصدمة عندما زاروها لأوّل مرّة بعد التحرير.

خلال ساعات النهار عادة ما تشهد الطرق المؤدية إلى المناطق المتضرّرة حركة نسبية للأهالي الراغبين بتفقّد منازلهم وأراضيهم وبساتينهم التي قُطع القسم الأكبر من أشجارها المثمرة، وقبيل المغيب بقليل يرجع الجميع إلى مناطق نزوحهم، تاركين خلفهم أحيائهم المعتمة بأزقتها الضيقة التي تترامى على أطرافها أكوام الركام.

بلدات ومدن مدمرة شمالي حلب

تبدو بلدة منغ شمالي حلب مدمّرة بشكل شبه كامل، لا يتجاوز عدد العائلات التي عادت إلى البلدة بعد تحريرها، مطلع الشهر الجاري، من "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، أصابع اليد الواحدة، ليس بسبب الدمار الكبير فحسب، بل أيضاَ لانتشار الألغام بشكل مكثّف داخل أحيائها وفي الطرقات وداخل المنازل.

الصحفي أحمد دك -من بلدة منغ- يقول لـ موقع تلفزيون سوريا: "تحررت بلدتنا الحبيبة منغ بعد سنوات طويلة من الألم والمعاناة، لكننا وجدناها مدمرة بالكامل، لم يبقَ فيها حجر على حجر، وقد طالت الأضرار كل شيء: المنازل، المدارس وشبكات المياه والكهرباء وكل المرافق العامة".

وأضاف أنّ "البلدة مليئة بالألغام التي تشكل خطراً حقيقياً على أهلها، مع وجود عدد كبير من الأنفاق الطويلة والعميقة التي تهدد استقرار المنطقة وأمانها.. منغ اليوم هي واحدة من البلدات التي دُمّرت بالكامل في سوريا، وتحتاج إلى جهود جبّارة لإعادة إعمارها وإعادتها إلى الحياة".

وتابع: "تتمحور مطالب أهالي منغ الموزّعين على عدة مخيمات في محيط مدينة اعزاز، حول نزع الألغام لضمان سلامة السكان، والبدء في إعادة إعمار المدارس والخدمات الأساسية، وتوفير الدعم الإنساني العاجل للأسر التي تنتظر بفارغ الصبر العودة إلى ديارها".

وبحسب مسؤولين في مجلس منغ المحلي لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّ المجلس أحصى الأضرار التي لحقت بالعمران بمختلف قطاعاته (العام والخاص) في البلدة:

  • معظم المنازل في البلدة (عددها 1290 منزلاً) مدمّرة كلّياً.
  • قرابة 50 منزلاً فقط دمارها جزئي ولا تصلح للسكن.
  • فرن البلدة مدمّر كلّياً.
  • مدارس البلدة الثلاث مدمّرة بالكامل، كذلك خزّاني المياه الوحيدين.
  • مسجدا البلدة مدمّرين كلّياً، المستوصف والبريد جزئياً ويمكن ترميمهما.
  • يجب استبدال شبكتي المياه والصرف الصحي بالكامل، وصيانة شبكة الكهرباء.
  • إزالة مخلّفات الحرب وردم الأنفاق والخنادق داخل البلدة.
  • إعادة ترميم المقابر (عددها 7) وأسوارها.

لا يختلف مشهد الدمار في منغ عن المشاهد التي رصدها موقع تلفزيون سوريا في مدن وبلدات عندان ورتيان وماير وبيانون وحيان وحريتان شمالي حلب، لعل ماير الأكثر تضرراً وهي التي تقع على مسافة 2 كيلومتر فقط قبالة بلدتي نبل والزهراء، اللتين تحوّلتا إلى معقل للميليشيات الإيرانية، طوال سنوات الثورة، وكانتا مصدراً للقصف على ريف حلب الشمالي.

أمّا حريتان شمالي حلب، فقد شهدت عودة عدد قليل من أبناء البلدة التي تفتقر إلى معظم الخدمات، لا مياه ولا كهرباء، ففي أثناء تجوّل موقع تلفزيون سوريا في المدينة، كان هناك محل (دكّان سمان) وحيد في البلدة، فتح أبوابه ليبيع السلع الضرورية للعائلات القليلة التي عادت.

بعض الناس الذين التقاهم الموقع خلال جولة الرصد، قالوا إنّهم "عازمون على إنعاش بلداتهم والنهوض بها من تحت الصفر، الأمر يحتاج إلى بعض الوقت ومساعدة الدولة الجديدة، المهم لديهم أنهم سحقوا الطاغية وحققوا حلمهم ولم يخذلوا الشهداء".

أمّا تل رفعت التي عادت إلى أبنائها أخيراً، لا تبدو في حال أفضل من باقي المدن والبلدات التي رزحت لسنوات تحت حكم النظام البائد و"قسد"، فهي تعاني من شلل عام في مختلف قطاعات الخدمات، ومن دمار كبير حل في معظم أحيائها السكنية، ومن الأنفاق التي حفرتها "قسد" تحت منازل المدنيين، جميعها تشكّل اليوم تحدٍّ كبير بالنسبة للمجلس المحلي الذي يحاول جاهداً إنعاش المدينة وتسهيل عودة المزيد من العائلات المهجرة في المخيمات.

عودة الحياة إلى نبل والزهراء

لم يدم طويلاً نزوح أهالي بلدتي نبل والزهراء حتى عادوا جميعاً إلى منازلهم بعدما سهّلت لهم إدارة العمليات العسكرية عمليات العودة، فالنازحون من البلدتين والذين خرجوا قبيل دخول الفصائل بداية الشهر الحالي انقسموا إلى قسمين: الأول بقي في منطقة السفيرة جنوب شرقي حلب، والقسم الثاني تمكّن بالفعل من الوصول إلى منطقة "السيدة زينب" جنوبي العاصمة دمشق.

بلدة نبل شمالي حلب

وما أن آلت السيطرة الكلية لإدارة العمليات العسكرية على كامل مناطق النظام البائد، وفرار الرئيس المخلوع، حتى بدأت قوافل العائدين تتالى إلى البلدتين وسط تطمينات مهمة وجدية قدمتها الإدارة، التي سارعت إلى تعيين مشرفٍ من قبلها، كي يضبط الأمن، ويدير عمل المجالس المحلية ومختلف المكاتب الخدمية (الكهرباء والمياه والاتصالات والبلدية) التي عادت للعمل.

معظم من التقاهم موقع تلفزيون سوريا من أهالي نبل والزهراء كانوا غير مصدّقين، تسهيل فصائل إدارة العمليات عودتهم إلى منازلهم، التي بقيت كما هي من دون أي إضرار أو أعمال سرقة طوال فترة نزوحهم عنها.

بلدات ومدن مدمرة شرقي إدلب

رصد موقع تلفزيون سوريا قسماً كبيراً من الدمار الفظيع الذي حل بمنطقتي معرة النعمان وسراقب ومئات القرى والبلدات في ريف إدلب، فرغم سيطرة النظام البائد المبكرة على المنطقة (بعمليات عسكرية مدعومة من روسيا وإيران، عام 2019) إلا أنه لم يفعل شيئاً يذكر لإعادة الإعمار وتفعيل الخدمات كما كان يزعم مجلس محافظة إدلب التابع للنظام البائد وكان مقره خان شيخون إلى حين سقوط النظام.

معرة النعمان جنوبي إدلب

وعلى العكس تماماً، كانت السنوات التي تلت سيطرة النظام البائد والميليشيات الإيرانية على تلك المناطق فرصة جديدة لتدمير ما لم تدمره آلتهم العسكرية خلال المعارك والقصف، ولسرقة ما يمكن سرقته على يد عناصرهم، حتى حديد أسقف المنازل لم يسلم منهم، وهو ما أحال تلك المناطق إلى منكوبة لا يمكن أن تستقبل سكانها الأصليين.

محمد النجار، يقع منزله ومنازل أخوته ووالده وسط مدينة معرة النعمان، وقد لحق بها ضرر كبير بسبب عمليات القصف السابق، بعضها مدمّر بشكل شبه كامل وأخرى بحاجة إلى ترميم كي يتمكنوا من العودة إليها والسكن فيها مرة أخرى.

يقول النجار لـ موقع تلفزيون سوريا: "المنازل والشقق التي سرقت منها الأبواب والنوافذ وأسلاك الكهرباء وتمديدات المياه وغيرها أصحابها محظوظون وهم الأقل ضرراً مقارنة بأولئك الذين دُمّرت منازلهم بشكل كامل، أو هٌدمت أسقفها لسرقة الحديد الموجود فيها".

وتابع: "في حالة الضرر النسبي الذي تحدثت عنه بداية ستكون العائلة بحاجة إلى مبلغ لا يقل عن 6 آلاف دولار للترميم، وسنوات التهجير أفرغت جيوب الناس، ومعظم المهجرين مهما كانت نسبة الضرر في منازلهم بالمعرة هم اليوم غير قادرين على الترميم، لذا بقيت العودة قليلة".

كذلك، تبدو بلدة خان السبل شرقي إدلب خاوية بشكل كامل، لم يسلم أي منزل فيها من التدمير، هناك عائلة واحدة فقط رصد موقع تلفزيون سوريا وجودها في البلدة، واستخدمت الصفيح والخيام كي تؤمن مأوى لكامل أفرادها قرب منزلهم المدمر جزئياً.

محمد أبو عبدو -من خان السبل- قال :"أفكر في ترميم المنزل الأقل تضرراً لكي أجلب عائلتي وأخلص من مشكلة الايجار المكلف، الترميم يكلّف قرابة 10 آلاف دولار، طبعاً منزل واحد من منازلي الثلاثة، وهو الأقل تضرراً، وهذا حال معظم منازل البلدة، الجميع لا يمكنه العودة".

وفي مدينة سراقب التي تتبع لها بلدة خان السبل، ليس حالها أفضل، الطريق الذي يخترقها من شمالها إلى جنوبها ويمر في سوقها الرئيسي، يكاد يتسع لسيارة واحدة بسبب الركام على جانبي الطريق، ونسبة العائدين لا تتجاوز 10%، وهم في الغالب يسكنون في الأحياء الأقل تضرراً.

بطبيعة الحال من المبكر القول: إنّ الحكومة المؤقتة (الانتقالية) في دمشق قد أهملت المهجرين في الشمال، لكن هذا الانطباع بدأ ينتشر بين الناس الذين باتوا يعتبرون أنفسهم مهمّشين وتُركوا لمصيرهم في مخيمات البؤس ومناطق التهجير.

والأمر الذي يعزز هذا الشعور المفترض تحاشي الإدارة ومسؤولي الحكومة الحديث عن مشكلات الناس في الشمال، خاصّة في ظل الظروف الشتوية القاسية والاقتصادية المتردّية، فضلاً عن انشغال جميع المنظّمات الإنسانية والإغاثية في أعمال بعيدة عن مناطق تمركزها وعملها السابق.