لربما تساوت فرحة الشعبين السوري والمصري عندما أعلن حسني مبارك اعتزاله الرئاسة في 11 من شباط عام 2011، بعد الانتفاضة الشعبية في 25 من كانون الثاني من العام نفسه ضد حكم الديكتاتور المصري.
انتقلت ثورات الربيع العربي إلى سوريا بعد مصر ومن قبلها تونس، واندلع الحراك الشعبي السوري في 15 من آذار عام 2011، ومع أن السوريين يعلمون ما قد يواجههم من تنكيل وموت بحكم معرفتهم بإجرام عائلة الأسد، إلا أن النموذج المصري كان دافعاً قوياً للانطلاق نحو التغيير وكسر الأقفال التي جثمت عقوداً على أفواه السوريين.
واليوم بعد 12 عاماً من انطلاق الثورة المعجزة كما يسميها العارفون بطوق الخوف السوري، ما يزال السوريون يتفرجون على تتالي خيباتهم، والتي كان آخرها التطبيع العربي مع رأس النظام ومجرم الحرب بشار الأسد، ويتساءلون لم يعود الأسد إلى القمة العربية مرفوع الرأس وكأن شيئاً لم يكن!
وبالفعل وجد العرب لنفسهم الحجة بأن ما يقومون به هو تفعيل لدورهم في حل الأزمة التي أغرقتهم تداعياتها باللاجئين وأعبائهم، وبعد أن تحولت حدودهم مع سوريا إلى معابر لتجارة المخدرات، إضافة إلى وجود القوى الأجنبية على الأراضي السورية مهددةً أمن المنطقة الإقليمي.
هذا إلى الجانب الإنساني الذي استيقظ مؤخراً من أجل تسهيل إدخال المساعدات إلى السوريين من متضرري الزلزال الذي فاقم المعاناة في 6 من شباط الماضي.
ومع ذلك لم يقتنع المخذلون بأي من تلك المبررات، فالنظام الذي فقد شرعيته وسيادته فوق أراضيه كيف له أن يؤمن حدود جيرانه، وكيف له أن يفتح أبواب مزرعته للاجئين الذين فروا من بطشه ومجازره، وأي ضمانات تلك التي يمكن أن يقدمها العرب للعودة الطوعية في حين أن المنظمات الحقوقية توثق الانتهاكات بحق العائدين من اعتقال تعسفي وتعذيب وقتل كل فترة!
المخذولون اليوم يعلمون أن مصالح الدول قد تتضارب، وأن تفعيل المصالح لن يعيقها فقدان شرعية النظام، وأن مئات التصريحات التي دانت جرائمه لم تقدم شيئاً في الماضي ولن تقدم الآن.
المخذولون أو الوحيدون جداً إن صح التعبير، تيقنوا أن الحلفاء متغيرون ومتلونون، وأن الحق هو من فقد شرعيته منذ أن غض العالم طرفه عن المقتلة السورية وتهافتت الدول على كسب ود النظام لتحقيق مكاسب متفاوتة.
السوري المخذول اليوم خارج اللعبة لا لشيء سوى لعجزه الذي أتخمه ولقمة عيشه التي أشغلته.
فإعادة المجرم إلى الأوساط السياسية ومصالحته ليست قضية تتعلق بضحاياه فحسب، بل بالشعب العربي الذي سيترجم خذلان السوريين على أنه عبرة وموعظة يجب التعلم منها.
لأن الشعوب ستتذكر دوماً مآلات الثورة السورية ونجاة قاتلها من المحاسبة، بل وأخذه بالأحضان بعد ما كل ما وجهه من إهانات واتهامات لبعض الحكام العرب، عدا تعنته وامتناعه عن تقديم أي تنازل يذكر مقابل تعويمه سياسياً من جديد.
فما حل بالسوريين من مجازر وما تلقوه من تقاعس عربي وعالمي، سيحول دون تصدير أفكار الديمقراطية وسيجهض أي مبادرة للشعوب العربية للمطالبة ببلدان تسودها الحريات، خاصة تلك التي تتشابه مع السوريين في واقعها السياسي والأمني قبل عام 2011، وهو ما يطمح إليه القادة العرب، فكلمة حرية واحدة بالفعل تهز الأركان كما أخبرنا الفنان سميح شقير مع بداية الثورة.
الكارثة السورية ستظل دوماً مثل البحصة في فم المواطن العربي عندما ستراوده نفسه في نطق أي كلمة حرية، لأن الثورة التي انطلقت من تونس فمصر قد تشوهت في سوريا، فلا يطلُ السوري من النوافذ الإعلامية إلا قتيلاً أو جريحاً أو ذليلاً في بلاد اللجوء، ولا تظهر خريطة بلاده إلا مقسمة بين فصيل ولواء وخلية، بينما يطل الحاكم متباهياً متحذلقاً بمظهر لائق وآذان صاغية ممن حوله.
ختاماً، ذلك المشهد بسوداويته وبراءته من العدالة، يُمكنُنا من القول بكل آسى إن قمة جدة هي تشييعٌ حقيقي لما تبقى من أفكار الربيع العربي وسحق لحلم الانعتاق والتحرر العربي وإحياء لكلمة المستبد.