في الحادي عشر من الشهر الرابع من سنة 2019، قامت وحدات عسكرية من قوات الدعم السريع بتنفيذ انقلاب ضد الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير، بعد أشهر من المظاهرات الشعبية والاحتجاجات السلمية في شوارع السودان، أعقب الانقلاب فرض قانون الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، والإفراج الكامل عن المعتقلين السياسيين في البلاد دون قيد أو شرط، واليوم بعد أربع سنوات و أربعة أيام انفجرت الأمور مجدداً في السودان بين الأطراف التي تولت السلطة في البلاد وهي المجلس العسكري الانتقالي برئاسة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، التي تشكل قوة عسكرية رديفة للجيش السوداني.
في عام 2003 أسست قوات الدعم السريع، عبر تجميع كبير لميليشيات الجنجويد من أجل التدخل مكان الجيش السوداني في حرب دارفور وشمال كردفان
انفجرت الأوضاع في السودان في عام 2003 بين الحكومة المركزية وقوات الجبهة الثورية وحركة العدالة والمساواة، منذرة ببدء حرب عنيفة بين الطرفين، تضاف إلى مآسي السودان في حربه مع الجنوب التي انطلقت في عام 1955، وتوقفت في عام 1972، لتعاود استئناف القتال ابتداء من عام 1983 وحتى استقلال جنوب السودان في عام 2011.
في عام 2003 أسست قوات الدعم السريع، عبر تجميع كبير لميليشيات الجنجويد من أجل التدخل مكان الجيش السوداني في حرب دارفور وشمال كردفان، في مواجهة ميليشيات الجبهة الثورية السودانية، فكانت الذراع غير الملتزم للقوات الرسمية السودانية في تلك الحرب الطاحنة التي انتهكت فيها كل أنواع حقوق الإنسان وبسببها قدمت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لكن في عام 2017 تمت إعادة هيكلة القوات وإدماج قيادتها تحت لواء المخابرات العامة السودانية والجيش السوداني ولكن قيادتها وولاء جنودها بقيت لمحمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي.
وبعد نجاح الثورة السودانية بإسقاط الرئيس البشير، عبر تدخل الجيش الوطني لفض الاستعصاء السياسي حينذاك، تقاسم عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو المناصب، فتولى البرهان مسؤولية المجلس العسكري الانتقالي وتولى نيابته حميدتي..
لطالما كان لدى الأذرع الخارجية قدرة على التدخل في مجريات الأحداث في السودان، فالحرب الأهلية الطويلة مع الجنوب، والحروب التطهيرية ضد متمردي دارفور وشمال كردفان، وعجز الحكومة المركزية عن إيجاد حلول سياسية وتحقيق تنمية حقيقية في بلد يزخر بالثروات الطبيعية والمائية، كان دافعاً لتدخل جميع جيران السودان في حروبه، أرتيريا وتشاد ولييبا القذافي وجنوب السودان وأوغندا، كانت تدعم متمردي دارفور، بينما تولت الصين وروسيا وإيران دعم الحكومة المركزية على فترات متباعدة بالسلاح، حتى قطعت الثورة يد إيران في المنطقة السودانية تماماً.
ولكن ثورة 2019 والتدخلات الدولية وخصوصاً الأميركية لم تقدر على إلغاء الصفقات مع روسيا وخصوصاً فيما يتعلق بالجيش ومنح روسيا قاعدة بحرية في بورتسودان، فازداد دعم روسيا للحكومة المركزية في زيارة أخيرة قام بها لافروف إلى الخرطوم في بداية 2023، وأعلن استئناف العمل على القاعدة البحرية..
بينما كان حميدتي قائد قوات الدعم السريع يزيد تسليح قواته، ويمنهجها، ويرفض حلها وإدماجها القيادي والهيكلي مع قوات الجيش، فقوات التدخل السريع تشكلت من دمج ميليشيات الجنجويد القبلية من البدو العرب، في مواجهة الميليشيات غير العربية في دارفور المطالبة بالانفصال.
فالوتر القومي اشتد في الحرب السودانية بين القبائل العربية، وغير العربية، وبين الأديان: الإسلام في الشمال والمسيحية والوثنية في الجنوب، ممتزجاً مع صراع تاريخي على السلطة بين سلطنة دارفور والعاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى الصراع على الثروة والمياه والمراعي بين البدو والحضر، وسكان المدن.. كل هذه العناصر كانت وقوداً ممتازاً لحرب مستمرة منذ نصف قرن على الأقل.
إن لم يحسم التوتر في السودان لصالح أي منهما فإن حرباً دموية ستندلع في السودان مع زيادة التسليح والإمداد الحربي
اليوم تعيش السودان صراعاً مريراً بالوكالة بين الأفرقاء ذاتهم، فالفريق أول البرهان مدعوماً من الروس والإيرانيين والصينين، يواجه الفريق أول حميدتي، مدعوماً من القوى المضادة لأولئك..
فإن لم يحسم التوتر في السودان لصالح أي منهما فإن حرباً دموية ستندلع في السودان مع زيادة التسليح والإمداد الحربي، مما يعني حرباً حقيقية في قلب القارة الإفريقية والعالم العربي.
وبالمقارنة مع بقية التجارب في الشرق الأوسط فإن جميع دول المنطقة معنية بالصراع في السودان، من تركيا وإيران والسعودية والإمارات ومصر والأردن بالإضافة إلى الغرب وحلف الناتو وروسيا والصين وحتى الدول الإفريقية وإثيوبيا. وبالتالي فإن الأرض الخصبة للصراع متوافرة بذات قدر خصوبة أراضي السودان، إن لم تجد القوى مخرجاً للصراع فإنها ستشهد جولات صراع دموية لا يتمنى أي أحد تصورها.