يمكن القول إن الحرب الوحشية الإسرائيلية على غزة دفنت كليا الموقف "الغربي" من القانون الدولي وحجته في مقارعة الهجوم الروسي على أوكرانيا، وضرورة دعم أوكرانيا بهدف حماية القانون الدولي.
فهذه الحجة على صدقيتها أصيبت بمقتل في غزة، حيث يرى العالم المعايير المزدوجة ظاهرة بشكل واضح وصريح. فالمقارنة بين صرخات الغرب ضد الاحتلال غير القانوني للأراضي والأذى الذي ألحقته روسيا بالمدنيين في أوكرانيا، والحجج التي استخدمها الغرب بشأن تصرفات إسرائيل، أثارت في البلدان غير الغربية شعوراً واسع النطاق بالنفاق من جانب الدول الغربية.
وبطبيعة الحال، فإن الموقف الغربي ليس متجانسا، وكذلك موقف الجنوب العالمي - وهو التعريف الذي يجمع مجموعة غير متجانسة من الدول غير الغربية النامية - كما أن الصراعين ليسا متماثلين. ولكن هناك الكثير من العناصر الواقعية التي تدفع هذا الشعور بالازدواجية الغربية في بقية أنحاء العالم.
إن الموقف الغربي ليس ثابتا ولا أحاديا. على مدار الأسابيع، ومع تسبب الحرب الإسرائيلية على غزة بإلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين في غزة وتدمير لكل المنشآت الحيوية من مستشفيات ومدارس وبنى تحتية، غيّر الغربيون لهجتهم وموقفهم. وسمحت الولايات المتحدة، الداعم الكبير لإسرائيل، بتمرير قرار للأمم المتحدة يدعو إلى هدنة دون إدانة هجوم حماس، وهناك دول – مثل إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا – أعربت عن انتقادات واضحة لحكومة بنيامين نتنياهو. كما أدلى الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بتصريحات واضحة.
من وجهة نظر القانون الدولي هناك أوجه تشابه واضحة [بين أوكرانيا وغزة]، ليس فقط فيما يتعلق بمتطلبات تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، ولكن أيضًا في عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة
ولكن بالنسبة لكثيرين فإن التحول من جانب البلدان الرئيسية ــ مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا ــ يأتي متأخرا للغاية وغير كاف. ومن الصعب جدًا محو صور أخرى، مثل صورة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وهي تسافر إلى إسرائيل وتعرب عن دعمها غير المشروط عندما كان القصف وحشيًا بالفعل، ولا تبدي أي اهتمام بالاجتماع مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
هناك تصور بمعايير مزدوجة فيما يتعلق بغزة الآن، ولكن أيضًا تصور عام، قبل اندلاع أعمال العنف الحالية، فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني ككل. وصحيح أن لكل صراع له خصائصه الخاصة. ولكن من وجهة نظر القانون الدولي هناك أوجه تشابه واضحة [بين أوكرانيا وغزة]، ليس فقط فيما يتعلق بمتطلبات تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، ولكن أيضًا في عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
إن تصور المعايير المزدوجة في أزمة غزة يشكل انتكاسة خطيرة للقانون الدولي ويجعل من الصعب تصور قانون يحكم الجميع مع استثناء إسرائيل دوما من أن ينطبق عليها هذا القانون
وتختلف الصراعات في أوكرانيا وغزة، بين أسباب أخرى، لأن روسيا لم تتعرض للهجوم بينما كانت إسرائيل ترد على هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والتي أسفرت عن مقتل 1200 من مواطنيها. لكن على أية حال، فإن القانون الدولي يطالب بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. العقاب الجماعي جريمة. إن حجم الدمار الناجم عن القصف الإسرائيلي والحصار العشوائي الذي قطع المياه والكهرباء والغذاء والإمدادات الطبية، مع استثناءات قليلة فقط، يرسم صورة يعتقد العديد من الخبراء أنها إجرامية. هناك أيضًا الكثير من العناصر التي تجعل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين غير قانوني.
لقد أعطت الحرب في غزة مادة جديدة للمعايير الغربية المزدوجة، لكن ذلك لم يبدأ بهذه الأزمة حيث لعبت حرب العراق دورا سابقا في ذلك.
إن تصور المعايير المزدوجة في أزمة غزة يشكل انتكاسة خطيرة للقانون الدولي ويجعل من الصعب تصور قانون يحكم الجميع مع استثناء إسرائيل دوما من أن ينطبق عليها هذا القانون، وهو ما يفرض على الدول الغربية التفكير مجددا قبل المحاضرة عن القانون الدولي للدول العربية والنامية في المستقبل.