أعلنت السلطات الأردنية قبل أيام أن الجيش الأردني يواجه أشبه ما يمكن وصفه بالحرب اليومية ضد عصابات خارجة عن القانون، هدفها زعزعة أمن البلاد من خلال تهريبها للمخدرات والأسلحة والذخائر من الجانب السوري.
المعلن أيضا هو دخول القوات المسلحة الأردنية في اشتباكات استمرت لساعات طويلة مع مجموعات مسلحة تصر على اختراق الحدود مع سوريا، لإدخال المخدرات والسلاح الثقيل بالقوة إلى داخل الأراضي الأردنية.
من استخدام الوسائل التقليدية المعروفة في التهريب عبر الحدود إلى البحث عن التكنولوجيا المتطورة واللجوء إلى المسيرات الصغيرة في العمليات. ومن تهريب المخدرات إلى توسيع مجال إدخال السلاح المتوسط إلى الأراضي الأردنية. لكن الأخطر هو محاولة تحدي ومقاومة حرس الحدود الأردنية، والدخول معها في مواجهات قتالية ومواصلة المعارك لساعات بهدف تحقيق أهداف هذه المجموعات التي بتنا نحتاج إلى الانتقال السريع في توصيفها من مجموعات تهريب إلى مجموعات إرهاب تتحرك في إطار مخطط أمني سياسي مادي عابر للحدود.
من يحرك مثل هذه المجموعات في الجنوب السوري المفترض أنه منطقة تقع تحت تفاهمات تمت بين عمان والنظام في دمشق بعد انسحاب القوات الروسية من المنطقة؟ وما هو الهدف المنشود من خلال خروقات جغرافية وأمنية وسياسية باتجاه الجار الجنوبي لسوريا؟ وهل يعني ذلك أن القيادة الأردنية ستعدل مرة أخرى خطوات قواعد الاشتباك المعمول بها منذ منتصف كانون الثاني 2022، لأنها لم تحقق المطلوب وبعدما كررت عمان أن "كل من يقترب من حدودنا أو يحاول الدخول إلى أراضينا بطريقة غير مشروعة سيُقتل لا محالة"؟ وهل سيردع قتل الإرهابيين أو المهربين في مناطق الحدود الأردنية السورية من يحركهم ويوجههم على هذا النحو، لاستهداف العمق الأردني في إطار مخطط أبعد من تهريب المخدرات أو الاسلحة، بل يطول أمن واستقرار وسيادة الأردن ومن خلاله محاولة الوصول إلى دول الجوار في الخليج بهدف نشر البلبلة والفوضى وزعزعة الكيانات والأنظمة؟
واضح تماما أن ما يجري على الحدود السورية الأردنية يتم في إطار مخطط للنظام السوري له فيها حصة سياسية وأمنية وتجارية كبيرة. وواضح أيضا أن أكثر من لاعب محلي وإقليمي يشارك في المؤامرة
قدر البعض أرقام العام 2021 الواردة من تجارة تهريب المخدرات بأكثر من 5 مليارات دولار سنويا. اليوم يضاف إليها تجارة السلاح والمتفجرات. المسألة إذا مدروسة ومخطط لها بشكل منظم وهي أبعد من تحرك عصابات فردية تستفيد من مساحة جغرافية واسعة تمتد إلى أكثر من 370 كم. واضح تماما أن ما يجري على الحدود السورية الأردنية يتم في إطار مخطط للنظام السوري له فيها حصة سياسية وأمنية وتجارية كبيرة. وواضح أيضا أن أكثر من لاعب محلي وإقليمي يشارك في المؤامرة التي تسعى وراء أكثر من هدف وتتجاوز الأراضي الأردنية باتجاه الدول المجاورة.
تعكس الاشتباكات الأخيرة على الحدود السورية الأردنية حقيقة وجود أصابع استخبارية وكوادر سياسية وأمنية تدير الأمور من غرف عمليات بعيدة عن المناطق الحدودية وفي إطار خطط مدروسة ومعد لها جيدا، ويشارك أكثر من جهاز وطرف في تحريكها. المسألة وكما هو واضح بعد نحو 5 سنوات على بدايتها فيها الشق التجاري والسياسي والأمني.
من حق الأردن إذا أن يلجأ إلى كل الوسائل واتخاذ التدابير الأمنية والسياسية والجغرافية والقانونية للرد على هذا الاستهداف، وأن يراجع كثيرا من مواقفه وسياساته وقراراته في التعامل مع الملف السوري ومواجهة ما يتعرض له من أخطار.
الخيارات التي قد تعتمدها القيادة الأردنية في المرحلة المقبلة، ستأخذ بعين الاعتبار وصول التفاهمات بين عمان ودمشق حول التنسيق العملياتي المشترك على ضوء الاجتماعات السياسية والأمنية، والرهان على تحركات التطبيع العربي الأخيرة مع دمشق إلى طريق مسدود.
وستتوقف مطولا عند الأصابع المحسوبة على إيران من ميليشيات تنتشر في جنوبي سوريا وتستفيد من الفراغ الحاصل هناك، ومن منظومة علاقات بنتها مع أطراف محلية بشق مادي أمني.
وستكون حتما باتجاه الداعمين للنظام في دمشق لنقل خطورة ما يجري بالبعد الإقليمي في الاستهداف والذي يتحمل النظام في دمشق مسؤوليته المباشرة، طالما أن موسكو قررت دعم توسيع رقعة نفوذه باتجاه الحدود السورية الجنوبية. تسلم موسكو جنوبي سوريا للنظام. والنظام يسلم المناطق للميليشيات الإيرانية لتفرض سلطتها على سكان المناطق الحدودية.
تفعيل الخطة القديمة الجديدة حول منطقة آمنة وعازلة على حدودها مع سوريا مشابهة للمطلب التركي في مناطق الحدود التركية السورية قد يكون بين السيناريوهات التي يتحرك الأردن باتجاهها هذه المرة. قد لا تستطيع عمان أخذ ما تريده بمفردها لذلك ستذهب وراء الدعم الخليجي الغربي لتحقيق أهدافها.
كيف سيتحرك حلفاء وشركاء عمان وكيف سيكون شكل التضامن معه؟
تتحدث واشنطن عن بناء قوة إقليمية لمواجهة عمليات القرصنة في البحر الأحمر. ما يجري على الحدود السورية الأردنية اليوم عمره سنوات. فما الذي تنتظره الإدارة الأميركية لإعلان موقفها حول عمليات استهداف الأراضي الأردنية على هذا النحو والتحرك السريع باتجاه التنسيق الأمني السياسي مع عمان للتعامل مع مصدر الخطر وتجفيف منابعه؟
الجميع يعرف أن هناك حدودا أردنية سورية مشتركة شاسعة وأن الطبيعة والجغرافيا تساعد على حدوث عمليات تهريب أو تسلل محدود. لكن ما يقوله الأسد حول أن "تجارة المخدرات كعبور وكاستيطان هي موجودة لم تتوقف، ولكن عندما تكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة". يحتاج إلى التوقف عنده أيضا. فلمن يوجه رأس النظام رسائله خصوصا وأنه يتابع كلامه بالقول "من يتحمل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سوريا وليس الدولة السورية".
استفاد النظام من انفتاح بعض العواصم العربية عليه فقرر تجيير ذلك لصالح ميليشيات إيران في جنوبي سوريا وبعض تجار السلاح والمخدرات ليتحول الأمر إلى تهديد عابر للحدود لا يعني الأردن وحده بل دول الجوار الأخرى أيضا.
يتحدث وزير الاتصال الحكومي والناطق باسم الحكومة الأردنية الأكاديمي مهند مبيضين عن عدة مواجهات على الحدود الشمالية مع سوريا، واصفا إياها بأنها نتيجة الفوضى الموجودة وانفلات السلطة في سوريا، التي تؤدي إلى نمو وسيطرة بعض الميليشيات والجماعات التي تقود حربا إقليمية ضد الأردن.
الرد الأردني مشروع إذا على ضوء ما يقوله ويقدمه بشار الأسد من تبريرات لتحرك هذه المجموعات على الحدود الجنوبية وتهديد آمن واستقرار دولة جارة
حاول النظام رمي الكرة في ملعب قوى المعارضة السورية في التنف لكن حجم ما يجري والتقارير الأمنية والاستخبارية الأردنية والغربية تقول العكس تماما. تفعيل العمليات العسكرية ضد هذه المجموعات في المناطق الحدودية ومواقعها ومخازنها في العمق السوري، قد يكون في طليعة الردود تحت الغطاء القانوني والسياسي العريض الذي يمنح عمان حق الرد الاستباقي وسحب الأوراق والذرائع من يد النظام التي يتحجج بها.
الرد الأردني مشروع إذا على ضوء ما يقوله ويقدمه بشار الأسد من تبريرات لتحرك هذه المجموعات على الحدود الجنوبية وتهديد آمن واستقرار دولة جارة. تشكيل تحالف لمواجهة هذه التهديدات شبيه بالتحالف ضد داعش أو جماعة الحوثي في البحر الأحمر قد يكون حلا مؤقتا. الحل الحقيقي هو بتسريع عمليات إنهاء ملف الأزمة السورية وارتداداتها على دول الجوار.