الجزائر وسوريا: ثورتان عظيمتان ونظامان ديكتاتوريان

بينما كان وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة يزور دمشق الحزينة، ويستقبله فيصل مقداد وزير خارجية الأسد الذي بدا منتفخاً بهذه الزيارة بعد تحاشي العالم لهم؛ كانت قناة بي بي سي عربي تبث برنامجاً وثائقياً بعنوان "الحرب من أجل الجزائر"، يعرض أحداث الثورة هناك وسياسات المستعمر الفرنسي وأفعاله في قمعها والعقاب الجماعي للشعب. رحت أبحث عن برامج أخرى من الصنف نفسه فوجدت العديد منها توثق ما حدث بالصور والفيديو وبشهادات فرنسيين وجزائريين.

وبما أني سوري عشت الثورة السورية بكل تفاصيلها، شاهداً على المظاهرات والقصف والتهجير وفقدان الأعزاء؛ كما تابعت، كالملايين غيري، أخبار الثورة يوماً بيوم وشاهدت آلاف الفيديوهات، وسمعت مئات الشهادات من معتقلين ونازحين؛ وجدت تشابهاً كبيراً بين الثورتين وما حل بالشعبين الشقيقين. فقط هناك اختلاف واحد هو المجرمون. وإليكم المقارنة:

وصف الفرنسيون الثورة الجزائرية والثوار بالتمرد والإرهاب، كما يفعل نظام الأسد وشركاؤه. استخدم المستعمر أساليب وحشية لقمع الثورة وحاضنتها المدنية، كالقصف العشوائي والقتل والتعذيب والتهجير القسري وإحراق القرى وإقامة معسكرات للمهجرين قسرياً. وهو نفس ما فعله نظام الأسد في سوريا تماماً ولكن بوحشية أكبر.

استخدم الفرنسيون الطائرات لقصف القرى بحجة دعمها للثوار وهو ما فعله الأسد، لا بل جلب الروس الذين دكوا منازل السوريين على رؤوسهم

أطلقت الحكومة الفرنسية يد جيشها ليفعل ما يشاء لقمع "التمرد" فارتكب أفظع الجرائم، وكانت حياة الجزائريين لا قيمة لها كما عاملنا نظام الأسد تماماً. شاهدت فيديوهات لإعدامات ميدانية قام بها الجنود الفرنسيون، كانوا يوهمون الرجال بإطلاق سراحهم ثم يطلقون النار على ظهورهم بما يشبه مجزرة التضامن وغيرها. استخدم الفرنسيون النابالم بينما كان الأسد أكثر إجراماً فاستخدم البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية. استخدم الفرنسيون الطائرات لقصف القرى بحجة دعمها للثوار وهو ما فعله الأسد، لا بل جلب الروس الذين دكوا منازل السوريين على رؤوسهم. وكل ذلك بشهادة جنود فرنسيين سابقين بدوا نادمين على مشاركتهم في تلك الفظائع، بينما لم يخرج مسؤول واحد من نظام الأسد ليعلن ندمه.

تكلم بعض الفرنسيين في شهاداتهم عن أساليب التحقيق والتعذيب بأبشع الطرق ومنها الكهرباء والشبح والجلد والاغتصاب وامتهان الكرامة كما في سجون الأسد التي اشتهرت بـ"المسالخ البشرية" أو الهولوكوست السوري. كما تكلم بعض الفرنسيين عن الإعدامات الميدانية في الغابات، وإحراق الجزائريين أحياء، كما يفعل نظام الأسد الذي وثق جنوده جرائمهم بأنفسهم.

للقضاء على الثورة الجزائرية استخدم الفرنسيون العقاب الجماعي وسياسة الأرض المحروقة. فمن أجل حرمان الثوار من أي دعم قاموا بإفراغ آلاف القرى وتجميع سكانها في معسكرات، متكدسين في ظروف مزرية للسيطرة عليهم. أما نظام الأسد فلم يكلف نفسه هذا العناء فأعطى لطائراته الأوامر بقصف القرى والبلدات عشوائياً، ففر السوريون من مكان إلى مكان حتى صار نصف الشعب لاجئين ونازحين. وصور المعسكرات الجزائرية شبيهة بالمخيمات المنتشرة على الحدود السورية التركية وفي الصحاري.

حاول الفرنسيون اللعب ببنية المجتمع الجزائري وتأليب بعضه على بعضه الآخر لزرع الفرقة فيه، كما جلبوا الأغراب ووطنوهم في أراضي الجزائريين كما يفعل نظام الأسد تماماً، بل زاد عليهم بجلب ميليشيات طائفية مارست جرائم لا حصر لها. ولكن للحقيقة لم أشاهد في البرامج ما يدل على معرفة الجيش الفرنسي بـ"التعفيش" الذي اشتهر به جيش الأسد.

يركز لعمامرة وحكومته على السلبيات والأخطاء في الثورة السورية لوصمها بالإرهاب، وكأنه لا يعلم بتشابه الثورتين الجزائرية والسورية حتى في السلبيات والأخطاء. ألم يحدث اقتتال بين الثائرين وتصفيات داخلية في الثورة الجزائرية كما في الثورة السورية؟ ألم تخترق المخابرات الفرنسية الثورة الجزائرية للإساءة لسمعتها؟ بل زاد عليه في سوريا تدخل أجهزة استخبارات العالم بحجة الحرب على الإرهاب التي أصبحت مطية للجميع وخاصةً الأنظمة الديكتاتورية العربية. ألم تتعرض الثورة الجزائرية لانتكاسات وتراجعات بسبب شدة القمع وما عاشه الشعب الجزائري وثواره من ظروف صعبة؟ فقد حوصروا وجاعوا فأكلوا العشب، وماتوا من نقص الدواء والغذاء، كما هو حال السوريين وثوارهم الذين أُحل لهم أكل لحوم الحمير والقطط بسبب حصار الأسد. لكن في النهاية انتصرت ثورة الشعب الجزائري وهو ما سيكون في سوريا إن شاء الله.

لنترك حكومة الجزائر ونلتفت إلى الشعب الجزائري الذي قدم التضحيات الجسام للحصول على حريته، فهو لا بد أنه يعرف قيمة نضالات الشعب السوري

يريد رمطان لعمامرة أن يحقق اختراقاً بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية فهي من المؤسسين، نعم هي كذلك، لكن نظام الأسد ليس سوريا ولا يمثل الشعب السوري فهو قاتله ومشرده. وحتى بالواقعية السياسية التي تتكلم عنها بعض الحكومات العربية؛ ما فائدة نظام الأسد للعرب إن عاد إلى الجامعة؟ ماذا تستفيد الجزائر من العلاقة مع الأسد؟ لا فائدة للعرب ولا للجزائر. إعادة دمج النظام في المنظومة السياسية العربية والدولية مفيدة له فقط، وهو يسعى لاهثاً للحصول على تلك المشروعية وإن كانت شكلية. أما خياراته الاستراتيجية فقد حسمها منذ زمن طويل وهي بعيدة عن العالم العربي. تقول بعض الدول العربية إنها تريد إعادة علاقتها بالنظام كي لا يبقى تحت التأثير الإيراني، لكن تحالف نظام الأسد وإيران استراتيجي بينما علاقته معهم متغيرة.

ولكن لنترك حكومة الجزائر ونلتفت إلى الشعب الجزائري الذي قدم التضحيات الجسام للحصول على حريته، فهو لا بد أنه يعرف قيمة نضالات الشعب السوري. وإن كان قد ابتلي، كغيره من البلاد العربية، بنظام ديكتاتوري فرض نفسه عليه بقوة السلاح والعسكر، ولم يتوان عن إخماد نسمات الديمقراطية التي هبت في الجزائر مع أول انتخابات حرة في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن ينقض عليها العسكر ويختاروا القمع لمنع التغيير، ولجر الناس إلى العنف والعنف المضاد. ويعزفوا على وتر “محاربة الإرهاب”، الذي تطنب له آذان الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط. ولترتكب الأجهزة الأمنية الجزائرية أبشع أنواع التعذيب والجرائم التي كشفتها شهادات العديد من منسوبيها السابقين كالعقيد محمد سمراوي والملازم حبيب سوايدية. كما كشف قيصر جرائم أجهزة أمن الأسد.

إننا ندعو الشعب الجزائري إلى معرفة أكثر عما يجري في سوريا. ابحثوا في جوجل عن: "صور قيصر سوريا" و"التعذيب في سوريا" و"مجزرة الكيماوي في الغوطة" و"مجزرة التضامن" و"قصف المستشفيات في سوريا" و"المخيمات السورية" و"سجن صيدنايا" و"الاغتصاب في سجون الأسد" و"الدمار في حلب" "حفار القبور" و"la confession des fossoyeurs du régime Assad" وما ستجدونه هو مجرد أمثلة.