التغيرات الجيوسياسية الأخيرة وتأثيرها على سوريا

2024.11.19 | 06:30 دمشق

شبان يحملون مساعدات للنازحين إلى سوريا وخلفهم صورة للأسد وعبارات مؤيدة له

استمع إلى المقال:

+A
حجم الخط
-A

يشهد العالم تغيرات جيوسياسية متسارعة تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على سوريا ونظام الأسد. هذه التغيرات المعقدة تتشابك فيها مصالح وخلافات الدول الكبرى والإقليمية، مما يؤدي إلى تغيرات في موازين القوى والتحالفات في الشرق الأوسط.

أوروبا والعالم

نبدأ من أوكرانيا، حيث لا تزال الحرب مستمرة منذ شباط/فبراير 2022، وهي حرب أشغلت روسيا في عقر دارها وأثرت على الاقتصاد الدولي ككل، بما في ذلك إمدادات الغذاء وأسعار الطاقة والمواد الغذائية. كما زادت من التوتر العالمي، ودَفَعَت عدداً من الدول الأوروبية التي كانت تقف على الحياد إلى الانضمام إلى حلف الناتو، الذي توسع ليصبح على تخوم روسيا بعد أن كان يتمركز في منتصف ألمانيا.

من جهة أخرى، لا يزال التوتر بين الغرب والصين يلقي بظلاله على العالم. فقد تصاعدت التوترات في بحر الصين الجنوبي نتيجة تهديدات الصين وتوسّعها العسكري في المنطقة، في محاولة لتأكيد نفوذها في منطقة تعد مجالًا حيويًا لأمنها القومي.

إلى جانب ذلك، يتفاقم الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، حيث يواصل بايدن الحرب التجارية التي بدأها سلفه ترمب. واليوم، يعد ترمب، إذا عاد إلى السلطة، بزيادة التعريفات الجمركية على عدد من البضائع الصينية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع عالمياً. كما شاركت أوروبا في هذا الصراع عبر فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، ما دفع الصين إلى توسيع تحالفاتها واستثماراتها حول العالم، بما في ذلك أميركا اللاتينية وأفريقيا. هذا الأمر أثار قلق الولايات المتحدة، خاصة في ظل مبادرات مثل "الحزام والطريق" ومجموعة "بريكس"، بالإضافة إلى استثمارات الصين الضخمة في البنية التحتية حول العالم. ومن جهتها، تسعى الولايات المتحدة لمواجهة هذه المشاريع عبر تعزيز تحالفاتها وممارسة ضغوط على الشركات للخروج من الصين، وإطلاق مشروع "الممر الاقتصادي الهندي-الأوروبي" لمنافسة طريق الحرير الصيني.

قد تلجأ إدارة ترمب إلى خيارات بديلة مثل تشديد الخناق الاقتصادي على إيران وأذرعها، مترافقة مع عمليات استخبارية تستهدف إضعافها.

الشرق الأوسط

وفي الشرق الأوسط، لا تزال الحروب مستعرة. ففي السودان، يستمر الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما يسبب تداعيات إنسانية واقتصادية على المنطقة بكاملها، خصوصاً في سياق التحالفات بين القوى المتصارعة وارتباطها بحلفاء نظام الأسد، مثل روسيا وإيران. وقد قررت الحكومة السودانية مؤخراً رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع نظام الأسد، استمراراً لتحالفات تعزز علاقاتها مع إيران وروسيا.

أما في إسرائيل، فلا يزال نتنياهو يسعى لتغيير خرائط المنطقة، مستغلاً انشغال الولايات المتحدة بانتخاباتها الرئاسية. وبعد أحداث 7 أكتوبر 2023، التي شهدت ما وصفته إسرائيل بـ"الإهانة الكبيرة" وتهديداً وجودياً، صعدت إسرائيل من ردها العسكري في محاولة لاستعادة هيبتها و"ردعها" المفقود. هذا التصعيد يترافق مع سعيها لتقويض برنامج إيران النووي والصاروخي، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه تحقيق هذه الأهداف.

في الوقت نفسه، تعمّق الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل من أزماتها، إذ تعرضت إسرائيل لهجوم من أراضي دولة مجاورة للمرة الأولى منذ 1973. ورغم أن هذه الهجمات لم تسفر عن خسائر كبيرة، إلا أنها شكّلت تهديداً حقيقياً وأظهرت ضعف مفهوم الردع الإسرائيلي، مما يدفعها لمزيد من التصعيد والإصرار على تحقيق أهدافها.

سيناريوهات مختلفة

أسابيع قليلة تفصلنا عن تنصيب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب، وهو شخصية جدلية تتسم بالتهور والقرارات غير المتوقعة. تظهر التعيينات في إدارته القادمة ميلاً واضحاً نحو التشدد مع إيران، مما ينسجم مع مصالح نتنياهو الساعي للقضاء على التهديد الإيراني. هذا الوضع يوحي بتوسع الحرب في المنطقة واستمرارها، مع تفاقم الأوضاع الإنسانية وزيادة أعداد اللاجئين إلى أوروبا.

وقد يجد نظام الأسد نفسه متورطاً في الحرب أو متجنباً لها، بناءً على تطورات الأحداث. كما قد تلجأ إدارة ترمب إلى خيارات بديلة مثل تشديد الخناق الاقتصادي على إيران وأذرعها، مترافقة مع عمليات استخبارية تستهدف إضعافها. ومع ذلك، فإن ضعف إيران قد يفتح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ، لكن هذا لن يحدث دون تفاهمات إقليمية ودولية يصعب تحقيقها في ظل الظروف الحالية.

سوريا، كجزء لا يتجزأ من العالم، تتأثر بكل التغيرات الجيوسياسية الكبرى. وفي ظل غياب دور فاعل لها على الساحة الدولية، ستبقى تتأثر بهذه الصراعات دون أن يكون لها القدرة على التأثير فيها.

التأثير على سوريا

إن استمرار الوضع الراهن يرسخ التقسيم في سوريا، مما يعقّد إمكانية العودة إلى وحدة سوريا أرضاً وشعباً. كما يهدد الاستقرار في المنطقة، ويؤدي إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على شعوب المنطقة، بما في ذلك سوريا ولبنان والعراق وتركيا ومصر.

ورغم أن الظروف الموضوعية للتغيير قد تكون متوفرة، فإن غياب الظروف الذاتية، مثل وجود تنظيمات سياسية قادرة على قيادة التغيير، يجعل تحقيق هذا الهدف أمراً بعيد المنال. يتطلب ذلك العمل على إنشاء قوى سياسية جديدة تعتمد على المتضررين من الواقع الراهن والراغبين في بناء نظام ديمقراطي تعددي ودولة تقوم على المواطنة والعدالة الاجتماعية.

سوريا، كجزء لا يتجزأ من العالم، تتأثر بكل التغيرات الجيوسياسية الكبرى. وفي ظل غياب دور فاعل لها على الساحة الدولية، ستبقى تتأثر بهذه الصراعات دون أن يكون لها القدرة على التأثير فيها.

 

تم تسجيل هذا المقال صوتيًا بالتعاون مع منصة ناشر