التصعيد في مناطق (خفض التصعيد) إلى أين؟

2023.10.09 | 05:04 دمشق

التصعيد في مناطق (خفض التصعيد) إلى أين؟
+A
حجم الخط
-A

يتكئ النظام السوري في استراتيجيات قصفه الهمجي على المدنيين في إدلب وريفها، منذ مساء 5 تشرين أول/ أكتوبر والذي خلف عشرات الضحايا، إلى ذريعة تتمفصل حول ما حصل في الكلية الحربية في حمص، والتي جاوز عديد ضحاياها المئة على أقل تقدير.

ويبدو أن ما جرى في الكلية الحربية، سواء كان عبر مسيرات جوية، أو من خلال تفجيرات داخلية، يصب في خانة ومصلحة النظام السوري وداعميه، من إيرانيين وروس، وهم في ذلك يمكن أن يكونوا قد ساهموا في إنتاج هذه العملية الكبرى ضمن أجنداتهم المُشتغل عليها منذ فترة طويلة، لتكون إحدى الحجج والذرائع التي يتخذونها لتكون مدخلًا ممكنًا ومتاحًا ضمن سياساتهم العنفية العسكريتارية للانقضاض على إدلب والشمال السوري، عبر اقتناص الفرص وخوض معركة عسكرية بمعونة روسية وإيرانية، تكرر وتعيد إنتاج ما حصل في عامي 2019و2020 والتي أفضت في تلك الآونة إلى خسارات كبيرة في مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة وقضم كثير من الأراضي في ريف حماة وريف إدلب مثل مدن خان شيخون، ومعرة النعمان، وأيضًا سراقب، وصولًا إلى اتفاق بروتوكولي وقعته كلًا من روسيا وتركيا، وقفًا لتلك المعارك ثم تثبيتًا لما وصل إليه التمدد العسكري للطاغوت الطغياني الأسدي الأمني والعسكري للنظام ومن معه من ميليشيات، وهو ومنذ ذلك التاريخ أي منذ أكثر من ثلاث سنوات، كان حريصًا كل الحرص على خلق حالة مستمرة من عدم الاستقرار، والإقامة الشعبية المتحركة لأهالي منطقة أريحا وقرى جبل الزاوية، الذين عادوا إلى قراهم ومنازلهم، على أمل الخلاص من يوميات ومعاناة التهجير القسري إلى الشمال السوري أي بالقرب من الحدود مع تركيا، لكنهم اليوم ومع هذا التصعيد العسكري غير المسبوق، والإرهابي المنظم، من قبل العصابة الأسدية، والذي طال المدنيين المستقرين نسبيًا في مدينة أريحا ذات المئة ألف نسمة من القاطنين فيها، وكذلك مدينة جسر الشغور وكل جبل الزاوية ومعظم قراه، سيدفعهم هذا التصعيد إلى مزيد من الهجرات الجديدة والنزوحات المتجددة، ولا يبدو أنها بعيدة عن التطبيق الميداني، ضمن أولويات خطة أسدية تتبع استراتيجية طالما تم استخدامها من قبل الروس والنظام السوري، في أكثر من مكان في الجغرافيا السورية، إنها سياسة الأرض المحروقة المتبعة سابقًا في محافظة حماة، وكذلك في الكثير من ريف إدلب المسيطر عليه حاليًا من قبل النظام الأسدي.

ما جرى في حمص كان بمنزلة إنتاج مفتعل أسدي إيراني روسي مشترك، لأجل الإمساك بذريعة مكافحة الإرهاب، والذي يمكن أن يسكت أو يتغاضى عنه ما يسمى بالمجتمع الدولي تحت هذه الذرائع والحجج الكاذبة

من هنا فإن القول بأن ما يجري ضد أهالي محافظة إدلب هو مجرد ردة فعل انفعالية نتيجة ما حصل في الكلية الحربية ليس دقيقًا، ولا متوافقًا مع الحقيقة، وليس هو بيت القصيد، بل لعل كل ما جرى في حمص كان بمنزلة إنتاج مفتعل أسدي إيراني روسي مشترك، لأجل الإمساك بذريعة مكافحة الإرهاب، والذي يمكن أن يسكت أو يتغاضى عنه ما يسمى بالمجتمع الدولي تحت هذه الذرائع والحجج الكاذبة.

كل حالات القراءة والبحث التي حاولت النظر لماهية من هم وراء كل الذي جرى في الكلية الحربية في حمص، ومن مصلحة من، تشير إلى استحالة أن تكون من إنتاج أي فصيل من المعارضة إذ لا قدرة لوجستية لهم ولا تكتيكية أو تقنية على الوصول إلى أبعد من مئة كيلومتر، وهي المسافة التي تفصل المعارضة وفصائلها عن حمص والكلية الحربية، وليس هناك من يمكنه الاقتناع بأن نظام بشار الأسد ورعاته غير مؤمنين لهذا التجمع الكبير في الكلية الحربية، والذي ضم ضباط كبار على رأسهم كبار المسؤولين ومنهم وزير الدفاع ومحافظ حمص، ومن ثم حمايته عسكريًا ومراقبة المكان.

من يتابع بعض الاستشرافات المستقبلية لمطلعين ومفكرين معنيين بقضية المنطقة يعرف ويدرك أن احتمالات قيام معركة في شمال غربي وشمال شرقي سوريا، كانت وما تزال متوقعة وهناك كثير حولها من الآراء والتوقعات، من خلال ما قيل عن أن الولايات المتحدة الأميركية وهي مقبلة على انتخابات مفصلية مهمة، أصبحت قريبة بعض الشيء، من غض الطرف عن عملية عسكرية تركية شمال شرقي سوريا، تقضي على إرهاب الـ (ب ك ك) وتعيد إنتاج أوضاع أفضل للحليف الأساسي في النيتو وهو تركيا.

وعلى هذا الأساس يمكن أن يكون الروس والإيرانيون والنظام السوري قد اعتقدوا واهمين أن الأتراك سيكونون منشغلين بمعاركهم مع (قسد) والـ (ب ك ك) ولن يكون بإمكانهم وقف أي تحرك جديد للنظام السوري نحو إدلب.

وإذا كانت حادثة الكلية الحربية في حمص قد أمكنها إعطاء الذريعة المفترضة لمثل هذا التصعيد الخطير باتجاه محافظة إدلب فإن من فَعَلها سيكون بالضرورة النظام السوري وداعموه من ميليشيات إيرانية، تمكنهم وتساعدهم في خوض معركة عسكرية كبرى قد تطيح بكثير من مناطق (خفض التصعيد) في إدلب.

الأتراك لن يتخلوا عن إدلب في المنظور القريب، ضمن سياسات مصالحهم المستقبلية. إضافة إلى أن الروس لن يتمكنوا من تغطية حرب كبيرة مثل ما حصل في عام 2020

لكن القراءة الموضوعية أيضًا تشير إلى أن هذا التصعيد العسكري الإجرامي والقصف الهمجي الذي قتل ويقتل المدنيين في إدلب وريفها، لن يكون باستطاعته تحقيق مراده، ولن يتمكن من الدخول والسيطرة على أراضٍ جديدة في إدلب لأسباب كثيرة منها: أن الأتراك لن يتخلوا عن إدلب في المنظور القريب، ضمن سياسات مصالحهم المستقبلية. إضافة إلى أن الروس لن يتمكنوا من تغطية حرب كبيرة مثل ما حصل في عام 2020 وهم اليوم منشغلون جدًا في الحرب الأوكرانية الصعبة، كذلك فإن هناك إمكانات عسكرية ضخمة في إدلب لدى كل فصائل المعارضة، وهي قد باتت قوية وذات إمكانية للصمود.

علاوة على أن السياسات الأميركية والغربية عمومًا لا يمكن اليوم أن تسمح باقتطاعات جديدة للأراضي، وانتصارات روسية عسكرية في الجغرافيا السورية، بعد انطلاق الحرب الأوكرانية المفتوحة والواقعة منذ أكثر من سنة، بين الغرب وروسيا على أراضي أوكرانيا، والصراع القطبي المرير والكبير.