اشتهرت تركيا بتحولها إلى ملاذ آمن أمام اللاجئين بعد أن استقبلت أكثر من ثلاثة ملايين سوري فروا من العنف الذي مارسته عليهم قوات بشار الأسد ونظامه عند دخولها في حرب مع فصائل المعارضة.
بيد أن طرد بشار الأسد الذي تم خلال هذا الشهر، دفع كثيراً من الأتراك للاعتقاد بأنه لم يعد هنالك أي مبرر لبقاء اللاجئين لديهم، وبعضهم تأثر بموجة الانتقادات العالمية للهجرة، في حين انتاب الذعر بعض السوريين تجاه فكرة العودة إلى بلد مدمر.
يقول السوري محمود جبولي الذي فر من سوريا بسبب قصف النظام والعنف الذي شهدته مدينته حلب قبل عقد من الزمان: "لا يوجد عمل أو كهرباء أو ماء، كما لا يوجد رئيس، فمن سيكون رئيسنا؟ لست أدري! كما أنني أشعر بالخوف ولست أدري ما الذي ستفعله السلطات الموجودة هناك".
"ولداي ولدا هنا"
أمضى جبولي بضع سنوات في مخيم للاجئين قبل أن يعثر على عمل في مصنع للنسيج بمدينة غازي عنتاب الواقعة جنوبي تركيا بالقرب من الحدود مع سوريا، وبعد أن تعرف على سورية لاجئة مثله، تزوجا وأنجبا ولدين، وهذا ما جعله يقول: "ولد ولداي هنا، كما أنني أعمل هنا والحمد لله، وسعيد بحياتي في هذا المكان، ولهذا لا أرغب بالعودة في الوقت الحالي".
يوجه معظم الأتراك اتهامات للسوريين لا أساس لها من الصحة تتصل بسرقة اللاجئين منهم أعمالهم ووظائفهم إلى جانب الضغط الذي تسببوا به على قطاع الرعاية الصحية وغيره من قطاعات الخدمات العامة، ولذلك دمرت أعمال الشغب متاجر وبيوتاً وسيارات تعود ملكيتها لسوريين، ومن بين تلك الأعمال ما حدث في شهر تموز الماضي في مركز مدينة قيصري عقب انتشار مزاعم تفيد بقيام لاجئ سوري باغتصاب طفلة، مما تسبب بخروج مظاهرات ضد ما جرى في الشمال السوري.
ذكرت السلطات التركية بأنها ألقت القبض على مرتكب تلك الجريمة وجرى وضع الضحية تحت حماية الدولة، ويعلق على ذلك أوميت يلماز، وهو رئيس بلدية منطقة الشهيد كمال التي تؤوي 450 ألف سوري، فيقول: "بوسع أي شرارة بين السوريين والمواطنين الأتراك أن تتحول على الفور إلى حريق كبير، ونار هائلة مستعرة".
وأضاف: "يحتاج السوريون إلى أن يلتم شملهم مع وطنهم على الفور، ولقد وصلت إلى درجة أنني على استعداد لركوب سيارتي وتخصيصها لنقلهم إلى بلدهم إن استدعت الضرورة".
إقامة مؤقتة أم إلى أجل غير مسمى؟
في عام 2014، سمحت السلطات التركية للسوريين بالحصول على خدمات القطاع الصحي والتعليمي من دون أي قيود، إلى جانب منحهم الحق بمزاولة العمل وذلك عبر منحهم وضعاً قانونياً يعرف بالحماية المؤقتة.
ونتيجة لذلك، استقبلت تركيا أعداداً من السوريين أكثر من أي دولة أخرى، إذ يوجد لديها أكثر من 3.8 ملايين سوري وذلك مع وصول أعدادهم إلى ذروتها في عام 2022، أي ما يعادل تقريباً 60% من السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين لدى الأمم المتحدة.
ولكن منذ فترة قريبة، اجتاحت المشاعر المعادية للاجئين كل تركيا بعد أن عصفت بها مشكلات منها مشكلة التضخم المستمر، ولاسيما بالنسبة لأسعار الأغذية والسكن، إلى جانب ارتفاع نسبة البطالة بين صفوف الشباب.
وتعليقاً على ذلك يقول عزمي محمود أوغلو، وهو الناطق الرسمي باسم حزب النصر اليميني المعادي لوجود السوريين في تركيا والمطالب بترحيلهم: "لابد من إنهاء هذه الإقامة الطويلة التي منحت بموجب الحماية المؤقتة".
احتشد المئات من السوريين عند البوابات الحدودية الفاصلة بين سوريا وتركيا على الحدود التي يبلغ طولها 911 كيلومتراً، وذلك منذ سقوط الأسد، ومن المتوقع أن تتسارع عمليات العودة في حال استقرت سوريا.
وعن ذلك يقول متين كوراباتير وهو مدير مركز أبحاث اللجوء والهجرة في أنقرة بأن معظم حالات العودة حتى الآن قام بها سوريون يودون أن يتفقدوا الأوضاع في سوريا قبل أن يقرروا العودة إليها مع أهلهم وعوائلهم بشكل نهائي.
وصل السوري محمد نور جنيد، 24 عاماً، إلى تركيا في عام 2011 قادماً من مدينة اعزاز الواقعة شمالي سوريا، لكننا رأيناه ينتظر بكل حماسة عند البوابة في العاشر من شهر كانون الأول، ويخبرنا بأنه يحس بامتنان كبير تجاه تركيا التي منحته حق اللجوء، لكن ما جعله يستاء هو أن يعبر له بعض الأتراك عن مشاعر معادية للسوريين في الوقت الذي كان شعبه يحارب الأسد، وينقل لنا كلامهم بالقول: "أخذ بعضهم يقول: "لماذا مايزال السوريون هنا؟ لماذا لا تعودون إلى بلدكم وتحاربوا مع أبناء وبنات شعبكم؟".
هل هي عودة طوعية؟
حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إيجاد سبل لتشجيع اللاجئين على العودة الطوعية، كان من بينها بناء مساكن لهم في سوريا قريبة من الحدود التركية، وذلك بعد أن تحولت مسألة اللاجئين السوريين إلى قضية أسهمت في إضعاف حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له الرئيس التركي.
مايزال لدى الرئيس سنوات عدة في ولايته الرئاسية، بيد أن أهم حزب معارض في البلد بات يتصدر الاستطلاعات بفارق ضئيل عن حزب العدالة والتنمية.
وهنا يخبرنا أحد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى سوريا بأنه وقّع على وثيقة ينتهي بموجبها وضع الحماية المؤقتة الممنوحة له كلاجئ بموجب القانون التركي، ويعلق كوراباتير على ذلك بقوله: "هل سيسمح لهم بالعودة إلى تركيا؟ نتمنى أن يستمر الأمر على هذا المنوال".
خلال هذا الأسبوع، أعلنت المفوضية العليا للاجئين بأنها لا تعتقد بأن شروط إنهاء وضع اللجوء بالنسبة للسوريين قد تحققت، ولهذا فهم مايزالون بحاجة للحماية برأيها.
ولكن بالنسبة للتركي حسين باسوت، 52 عاماً، الذي يمتلك متجراً للحيوانات الأليفة بمدينة غازي عنتاب، فإن تركيا فعلت كل ما بوسعها فعله من أجل السوريين، ويعلق على ذلك بقوله: "قدمنا كل ما بوسعنا تقديمه كدولة وكشعب، لذا بمجرد انتهاء الحرب عليهم أن يعودوا إلى بيوتهم ويبنوها مع سعيهم لتأمين كل ما يحتاجون إليه وسيكون الله بعونهم".
المصدر: The Associated Press