تتجلى القضية السورية كواحدة من أكثر القضايا تعقيدًا على الساحة الدولية، حيث تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق.
ومع تصاعد التوترات الإسرائيلية في لبنان، تبرز تداعيات هذه الحرب كعامل مؤثر في إعادة تشكيل المشهد السياسي السوري. وفي هذا الإطار، من المهم استكشاف كيف يمكن أن تؤثر هذه المتغيرات على نظام الأسد، وما إذا كانت هذه التطورات ستسهم في تغييرات جذرية في سياسته، بما في ذلك إمكانية انتقاله من محور إيران إلى المحور الأميركي.
التداخل الدولي في الملف السوري
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، أصبحت البلاد ساحة لصراع مصالح بين قوى كبرى متعددة. الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا لعبت أدوارًا رئيسية في تطورات النزاع. وفي حين تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، تدعي الولايات المتحدة أنها تعمل على الحد من تأثير إيران ودعم القوى المعتدلة. هذا التداخل المعقد خلق بيئة لا يمكن لأي طرف اتخاذ قراراته بمعزل عن الآخرين.
في ظل الأوضاع الراهنة، قد تظهر إمكانية للأسد أن يغير تموضعه وينتقل نحو المحور الأميركي كخيار استراتيجي، إذا ما قرر الانقلاب على محور طهران الذي بات يمثل عبئًا عليه.
وتُعد الحرب الإسرائيلية على لبنان حدثًا مؤثرًا يحمل في طياته العديد من التحديات والفرص لنظام الأسد. قد تخلق هذه الحرب بيئة مواتية لتغيير الديناميكيات الإقليمية. تزايد التهديدات الإسرائيلية يمكن أن يُعزز من موقف الأسد كحليف لمواجهة التحديات الأمنية، مما يتيح له إمكانية الاستفادة من الوضع الراهن لتعزيز سلطته والبحث عن تحالفات جديدة.
السيناريوهات المحتملة لانتقال الأسد إلى المحور الأميركي
تقديم تنازلات استراتيجية
إذا أدرك الأسد أن الضغوط الإيرانية تتزايد عليه، فقد يسعى إلى تقديم تنازلات للولايات المتحدة، تشمل تقليص الوجود الإيراني في سوريا والحد من دور الميليشيات الإيرانية. هذا الأمر، رغم صعوبته، قد يُمكّنه من تعزيز تموضعه ويسهل حصوله على دعم دولي يُحسّن من موقفه.
ومن المحتمل أن يسعى الأسد لتمتين علاقاته مع الدول العربية، مستغلًا ظروف الحرب لتسهيل هذا الانتقال نحو المحور الأميركي، حيث قد يرى أن هناك فرصًا لإعادة الإعمار، أو أن الدول العربية سترى في تقديم مشاريع إعادة الإعمار دافعًا للأسد لتقليل اعتماده على إيران.
تؤثر الأزمات الإقليمية على سياسات الأسد بشكل كبير؛ فأي تصعيد في الضغوط الإسرائيلية ضد إيران قد يدفعه إلى الابتعاد عن طهران. كما أن أي تغير في موازين القوى في العراق أو لبنان قد يؤدي إلى تغيير تحالفات القوى، مما يفتح المجال أمامه لإعادة تشكيل علاقاته وتحالفاته.
قد تلعب دول عربية مثل الإمارات أو السعودية أو حتى الأردن دور الوسيط لتوجيه الأسد نحو المحور الأميركي عبر تسويات تشمل تحسين العلاقات معه مقابل تقليص النفوذ الإيراني، رغم أن تجارب سابقة في هذا الصدد أثبتت محدوديتها. قد تقدم الدول العربية دعمًا للولايات المتحدة في جهودها للحد من نفوذ إيران، مما يسهل عملية انفتاح الأسد على الغرب.
ما موقف المعارضة السورية؟
إذا قرر نظام الأسد الانتقال من محور إيران إلى محور أميركا في محاولة لتعزيز شرعيته، تواجه المعارضة السورية تحديًا معقدًا يتطلب استجابة استراتيجية فعّالة من خلال:
-
تقييم جديد للأوضاع
على المعارضة أن تُجري تقييمًا دقيقًا للموقف السياسي والعسكري، بما في ذلك التأثيرات المحتملة لهذا التغيير على الوضع الداخلي والخارجي. مع فهم دوافع الأسد وراء هذا التحول، وهل هو حقيقي أم مجرد مناورة. -
تعزيز الوحدة الداخلية
يتوجب على فصائل المعارضة السورية، بما فيها الكتل السياسية والعسكرية، تعزيز وحدتها وتوحيد الرؤية، وتجاوز الانقسامات الداخلية، وتبني استراتيجية مشتركة تعكس تطلعات السوريين نحو مستقبل أفضل. -
توجيه خطاب سياسي واضح
ينبغي للمعارضة التركيز على خطاب سياسي يسلط الضوء على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع التأكيد على أن الأسد لم يتغير في سياسته أو ممارساته، بل يسعى إلى تحسين صورته أمام المجتمع الدولي من دون أي تغيير فعلي. -
استقطاب الدعم الدولي
يجب على المعارضة إعادة بناء علاقاتها مع الدول الغربية والعربية، والسعي إلى الحصول على دعم سياسي ومالي. ويمكن استخدام التحولات الجديدة لتعزيز موقفها كممثل حقيقي للشعب السوري. -
تنفيذ استراتيجية إعلامية فعالة
يتعين على المعارضة استخدام الإعلام بشكل فعال لنقل صوت السوريين المعارضين، وتسليط الضوء على انتهاكات النظام المستمرة، وتقديم صورة واقعية للأوضاع في البلاد، بحيث توضح للعالم أن التحولات السياسية لا تعني تغييرًا حقيقيًا. -
تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة
يجب أن تعمل المعارضة على دعم الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها، من خلال زيادة تقديم الخدمات الأساسية وتعزيز الأمن والحوكمة وتمكين سلطة القانون. هذا سيعزز من شرعيتها ويظهر قدرتها على الحكم النموذجي والفعّال. -
التفاعل مع المجتمع المدني
يجب دعم المجتمع المدني والمبادرات المحلية والتواصل المستمر معهم، مما يساعد في بناء الثقة بين الشارع ومؤسسات المعارضة ويعزز الشعور بالانتماء إلى عملية التغيير والمشاركة فيها. -
إعداد خطة بديلة
على المعارضة أن تكون مستعدة لجميع السيناريوهات، بما في ذلك تصعيد النظام لمحاولاته الإجرامية ضد المناطق المحررة، ويجب أن يشمل التحضير العمل العسكري والعمليات السرية إذا لزم الأمر، ضمن إطار القانون الدولي وحقوق الإنسان.
في النهاية، التحدي كبير، لكن الفرصة موجودة، وعلى المعارضة أن تكون مستعدة لمواجهة أي مكاسب محتملة قد يحققها نظام الأسد في عملية إعادة التموضع، وأن تعمل على تعزيز استراتيجياتها لمواجهة التحديات الجديدة.