مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لدى (النظام السوري) والصمت المريب من قبله على خلاف العادة، حيث إنه لم يوظف الحدث إلى الآن ويجري احتفالات لتأكيد شرعية مهترئة مزقتها دماء الشهداء، وأنين الثكالى، وحنين اللاجئين إلى وطنهم، وفقر مدقع للباقين في كنفه بلا أدنى حقوق أو رعاية، وأرض محروقة تشكو لخالقها ما حل بها من دمار.
هذا الصمت غير المتوقع إلى الآن على الأقل، يثير تساؤلًا لدى المواطن السوري والمراقب في حال عدم إجراء الانتخابات في موعدها، ما هو الأثر القانوني لهذا الترك المتعمد من قبل السلطة؟ هل يستطيع الرئيس الحالي أن يستمر بشكل دستوري؟ هل دستور سوريا لعام 2012 في نصوصه يساعده في البقاء؟ أم أن بقاءه سيكون (فعليًا) وليس قانونيًا، ويصبح سلطة أمر واقع ومغتصباً لموقع الرئاسة حتى في ميزان دستور وضعه ليكون في خدمته؟ هل يتنكر النص لمُوجده؟
هذه الأسئلة تدفعنا للبحث في المسألة من جذورها، بمعنى البحث عن الأساس الدستوري لحق الترشح لمن يشغل موقع الرئاسة الحالي، فهو قد استولى على السلطة منذ عام 2000 ويكون في هذا العام قد أكمل واحدًا وعشرين عامًا، والدستور السوري لعام 2012 حدد المدة في المادة (88) التي تنص على أن "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم، ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية".
واضعو الدستور قد أحدثوا مادة فيه تسمح له بالترشح من دون احتساب الفترات السابقة
بناءً على النص يكون من يشغل موقع الرئاسة قد تجاوز المدة المسموح بها بسبع سنوات.
لكن واضعي الدستور قد أحدثوا مادة فيه تسمح له بالترشح من دون احتساب الفترات السابقة، فقد نصت المادة (155) على ما يلي: "تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيسًا للجمهورية، وله حق الترشح مجددًا لمنصب رئيس الجمهورية، وتسري عليه أحكام المادة (88) من هذا الدستور بدءًا من الانتخابات الرئاسية المقبلة."
لقد جاءت هذه المادة فاقدة لأهم خاصة من خواص القواعد القانونية وهي قاعدة (العمومية والتجريد) التي يجب أن تتصف بها أي قاعدة قانونية، فما بالكم بقاعدة دستورية يفترض بها أن تتربع على هرم القواعد القانونية؟!
وزيادة في الإيضاح، فإن العمومية تعني أن القاعدة القانونية تنطبق على كل شخص تتوفر فيه الصفات المقررة وتسري على كل واقعة توفرت فيها الشروط المطلوبة، فهي لا تطبق على شخص معين بذاته، ولا تسري على واقعة معينة بذاته.
أما التجريد فيعني أن تكون القاعدة القانونية موجهة في خطابها إلى الأشخاص في صفاتهم، وإلى الوقائع بشروطها، فهي لا توجَّه لشخص معين بذاته ولا تتناول واقعة معينة بذاتها، لهذا فالقاعدة القانونية توضع بطريقة مجردة عن الاعتداد بأي شخص معين بذاته أو بواقعة معينة بذاتها، فالقاعدة القانونية تتصف بالتجريد عند وضعها، وتتمتع بالعمومية عند تطبيقها.
والمادة (155) من الدستور السوري، لم تتصف بالتجريد عند وضعها، فقد وضعت للرئيس الحالي بشخصه، ولم تتصف بالعمومية عند تطبيقها؛ لأن تطبيقها سيكون لمرة واحدة فقط على واقعة بعينها وشخص بذاته.
ولأن خطورة غياب تلك الخاصية عن القاعدة القانونية سيهدم مبدأ سيادة القانون، لأنه ستؤدي إلى إعفاء شخص أو استثناء واقعة من الخضوع للقانون، فنحن أمام خرق لمبدأ سيادة القانون، وغيابها يلغي مبدأ (المساواة أمام القانون)؛ لأن الخلل في تجريد القاعدة القانونية المذكورة عند إنشائها، أو في عمومها عند تطبيقها، سيؤدي حتمًا إلى خلل في مبدأ المساواة أمام القانون.
بالإضافة إلى ذلك فإن نص المادة (155) يتعارض مع غاية المشرِّع الدستوري في المادة (88)؛ لأن غاية المشرِّع الدستوري من تحديد المدة واضحة هي ألَّا يبقى من يشغل هذا الموقع أكثر من أربعة عشر عامًا؛ لأن بقاءه فيه مفسدة واضحة وخلل بيِّن، لذلك تم تحديد المدة.
دور مجلس الشعب في الانتخابات الرئاسية:
أوكل الدستور السوري وفق ما ورد بالفقرة (85) الفقرة (1) إلى رئيس مجلس الشعب مهمة الدعوة إلى "انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن ستين يومًا، ولا تزيد على تسعين يومًا."
وجاء النص صريحًا وواضحًا ولا يحتاج البيان لجهة وقت الإعلان المحدد قبل نهاية ولاية الرئيس المحددة بموجب المادة (88) من الدستور بسبع سنوات ميلادية، ولا نعتقد النص يحتاج كلمةَ (مدة) بين (انتهاء... وولاية) فوجودها لا يضيف شيئًا للمعنى، وغيابها لا يغير من تفسيرها.
لذلك يجب على رئيس مجلس الشعب السوري الدعوة إلى الانتخابات قبل ستين يومًا من انتهاء مدة (شاغل موقع الرئاسة) تحت طائلة مساءلته بجرم إساءة استخدام السلطة في تعطيل مادة دستورية.
كذلك حصر المشرِّع الدستوري مهمة تزكية المرشحين بأعضاء مجلس الشعب، فأوجب حصول المرشح على خمسة وثلاثين صوتًا من أعضاء مجلس الشعب، ويرد الطلب شكلاً عند عدم توافر تلك التزكية.
وفي ختام الانتخابات يعلن رئيس مجلس الشعب النتائج وفق الفقرة الثالثة من المادة 86 من الدستور السوري.
يتَّضح لنا بأن علاقة مجلس الشعب بالانتخابات الرئاسية هي علاقة عضوية لا نستطيع الفصل بينهما، وبمعنى أوضح لا نستطيع القيام بعملية الانتخابات الرئاسية في ظل غياب مجلس الشعب، لذلك جاء نصُّ المادة 87 الفقرة الأولى منسجمًا مع تلك المهام، بقولها: "إذا حُلّ مجلس الشعب خلال الفترة المحددة لانتخاب رئيس جمهورية جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخاب المجلس الجديد وانعقاده، على أن يُنتخَب الرئيس الجديد خلال تسعين يومًا تلي تاريخ انعقـاد هذا المجلـس".
إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه حتى انتخاب الرئيس الجديد
هنا أعطى المشرِّع الدستوري مهلة إضافية لا تزيد على ستة أشهر في حال ترافق حل مجلس الشعب مع الانتخابات الرئاسية.
إن توضيحنا السابق لكل تلك المواد بما تضمنت من مهام، له غاية توضيحية لتفسير الفقرة الثانية من المادة 87 من الدستور السوري التي تنص على ما يلي: "إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه حتى انتخاب الرئيس الجديد."
وقد فسَّرها البعض بأنها تعالج حالة عدم انتخاب الرئيس لأي سبب أو حتى من دون سبب، ويستطيع شاغل موقع الرئاسة الاستناد إليها من أجل الاستمرار في مهامه إلى اللانهاية.
نختلف مع هذا التفسير الواسع للنص وتحميله أكثر ممَّا يحتمل، ونراها مرتبطة بحالة واحدة هي عدم انتخاب مجلس الشعب بعد حله أو تأخير انتخابه لسبب ما، ولا تشمل أي حالة أخرى، والذي يدعونا لهذا التفسير الأسباب التالية:
1-لقد ورد النص في الفقرة الثانية من المادة (87) فهي مرتبطة موضوعيًا بالفقرة الأولى المتعلقة بحل مجلس الشعب، ولو أرادها المشرِّع الدستوري حالة عامة لنصَّ عليها بنص مستقل، فالمادة الدستورية تأتي متكاملة تعالج موضوعًا واحدًا، ويفسر بعضها البعض.
2-فصلها عن التفسير السابق وعن ربطها بالفقرة الأولى، يضعنا أمام تساؤلات لا جواب لها، وهو ما لم يرده المشرِّع الدستوري، إذ لو ابتغى التمديد لكان صريحًا وواضحًا لجهة الأسباب والإجراءات والنص القانوني الناظم لذلك.
3-ولأن مجلس الشعب يوكل له مهمة الإعلان ومهمة الترشيح، فغيابه يعني غياب العملية الانتخابات، من هنا نعتقد بأن الفقرة الثانية متلازمة مع الأولى والمتعلقة بحل المجلس، فإذا لم نتمكن من إيجاده لظروف تتعلق به، كان من أثر غيابه غياب الانتخابات الرئاسية.
لذلك نعتقد بأن الفقرة الثانية ليست مطلقة، بل متعلقة بظرف واحد هو عدم انتخاب مجلس الشعب.
ونتابع في الجزء الثاني مناقشة فيما لو لجأ (شاغل موقع الرئاسة) لإعلان السلطات الاستثنائية، وأثَر ذلك على المركز القانوني لرئيس الجمهورية، وفي حال عدم إجراء الانتخابات في وقتها ما هو حكم الدستور في ذلك؟!