ليس مصادفة أن يسبق عمار بكداش الجميع، ويسارع إلى تأييد ترشيح بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة "دعما لاستمرار الصمود الوطني السوري المشرف في مواجهة العدوان الاستعماري". وفق ما ورد في بيان الحزب الشيوعي، والذي لم تتغير مفرداته منذ خمسة عقود، حينما حصل التحالف بين آل الأسد وآل بكداش، وأصبح مع الوقت ما يشبه وحدة المصير بين العائلتين اللتين تتقاطعان في كثير من النقاط. وكما ورث بشار الأسد سوريا من والده، فإن عمار ورث الحزب الشيوعي من والدته وصال فرحة التي ورثته بدورها عن والده خالد بكداش الذي توفي عام 1995، بعد أن جلس على رأس قيادة الحزب ستة عقود متتالية، تراجع خلالها الشيوعي السوري من تنظيم جماهيري كبير على مستوى سوريا والإقليم إلى دكان عائلي متواضع.
كما أصبحت سوريا تسمى بسوريا الأسد، صار الشيوعي السوري يعرف بحزب بكداش، وتحول إلى حزب عائلي
تسلم عمار قيادة الحزب عام 2010 قبل وفاة والدته وصال بعامين، في وقت كان يشغل العديد من المناصب: رئيس تحرير الصحيفة المركزية للحزب "صوت الشعب"- عضو المكتب السياسي للحزب- مسؤول الإعلام والعلاقات الخارجية والمال -عضو مجلس الشعب - أمين سر ممثل الحزب في القيادة المركزية في الجبهة الوطنية التقدمية (أمه) - سفير الحزب إلى معظم المؤتمرات والندوات- مقرر توزيع المكاسب على الأعضاء في المحافظات من عضو مجلس شعب إلى وزير إلى أعضاء في المكاتب التنفيذية في المحافظات أو المنظمات الشعبية أو النقابات- رئيس لجنة القوانين المالية في مجلس الشعب الذي حصل على عضويته عام 2007 وهو عضو للدورة الرابعة. ومن الطرائف أنه في عام 1995 وبعد أن تجاوز سن الأربعين أصبح مشرفا على الشبيبة الشيوعية في سوريا.
وكما أصبحت سوريا تسمى بسوريا الأسد، صار الشيوعي السوري يعرف بحزب بكداش، وتحول إلى حزب عائلي. وفي ظل عبادة الفرد التي كرستها الستالينية مكث بكداش الأب في القيادة ستة عقود (1937-1995). وفي آخر أيام حياته (93 عاما) كان يأتي إلى الاجتماع وهو على كرسي طبي متحرك، ولم يترك المنصب حتى وفاته، وخلفته زوجته، والتي بقيت حتى 2010. وحين تنازلت عن قيادة الحزب لنجلها عمار كانت لم تعد قادرة على الكلام.
وعندما انطلقت الثورة السورية انحاز الحزب كليا إلى الحل الأمني بتركيزه على "مؤامرة استعمارية"، وترك كل العناصر الأخرى المسببة للاحتجاجات وطريقة تعاطي السلطات معها. وكان بذلك يحاول أن يحدد مكانه السليم من الحراك السلمي. ولم تختلف البكداشية عن نظام بشار الأسد، في وصف الثورة الشعبية بـ "الإرهاب" و"المؤامرة" الهادفة إلى إسقاط نهج النظام "المناهض لمشاريع الهيمنة الإمبريالية والصهيونية"، حيث "تستعمل القوى الإمبريالية والأنظمة الرجعية الموالية لها كل السبل من أجل تحقيق هذا الهدف الاستعماري الخطير، الشرق الأوسط الكبير الجديد، أي مشروع صهيون الكبرى، من خلال السيطرة الإمبريالية والصهيونية الكاملة على جميع شعوب ودول المنطقة"، كما يقول أحد بيانات الحزب.
المرة الوحيدة التي تصرف فيها بحس سليم هي عندما أصدر بيانا ثم تراجع عنه بسرعة
لم يتخذ الحزب الشيوعي منذ تأسيسه مواقف تجاه التطورات والأحداث المحلية والخارجية من منطلق وطني سوري، وعلى أساس حسابات سورية بحتة. والمرة الوحيدة التي تصرف فيها بحس سليم هي عندما أصدر بيانا ثم تراجع عنه بسرعة، وذلك قبل صدور قرار تقسيم فلسطين بعشرة أيام. وكتبت صحيفة "صوت الشعب" الناطقة باسم الحزب افتتاحية "لا لقرار التقسيم". وبعد أن صوت الاتحاد السوفييتي لصالح القرار في مجلس الأمن قلبت الصحيفة خطها وصارت تكتب تأييدا للقرار. وحصلت بلبلة في صفوف الحزب الشيوعي السوري حسمها أمينه العام خالد بكداش بتبني القرار والدفاع عنه لأن "السوفييت لا يخطئون" حسب إحدى مقولاته الشهيرة. وانعكس ذلك على توزيع "صوت الشعب" من 10 آلاف نسخة للعدد اليومي، و18 ألف نسخة لعدد آخر الأسبوع، إلى وقف الصحيفة، ثمّ حظر الحزب ذاته في لبنان.