تتالت العمليات العسكرية الأردنية في الجنوب السوري، خاصة داخل الأماكن السكنية في محافظة السويداء، وباتت تتزايد الفترة الماضية لدرجة أن المقاتلات الأردنية لم تعد تكتفي باختراق المجال الجوي، بل باتت تنفذ عمليات عسكرية برية ضمن الأراضي السورية دون أي رد سوري أو حتى تصريح إعلامي.
فهل انتقل الأردن من الموقع الذي يحمي حدوده من مهربي المخدرات والكبتاغون، إلى إمكانية تغيير قواعد الاشتباك داخل الأرض السورية وخرق اتفاقية عمان 2017؟
والأهم من هذا السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل تكون هذه العمليات الأردنية كفيلة بحماية حدودها من مهربي المخدرات، خاصة أن قتل أو أسر عدد منهم لا يوقف تهريبها ما دام المصنّع والمروج قائماً ومستمراً باستمرار النظام السوري وتعامله الأمني الموثق مع الميليشيات الإيرانية، وإمكانية الاستعاضة عن تاجر معروف بآخر غيره مستمرة؟
عمليات الأردن المتكررة في الداخل السوري ليست جديدة، فقد اعتدنا طوال السنوات السابقة على استباحة مجالنا الجوي من شتى صنوف الطيران الدولي، وإسرائيل لم تتوقف عن ضرب مواقع تمركز الميليشيات الإيرانية أو نقاط إمدادها، لدرجة أن مطار دمشق لا يكاد يتم الانتهاء من إصلاحه حتى يعود للخروج من الخدمة بحكم ضربة جوية إسرائيلية.
كل هذا والجمهورية العربية السورية، الجمهورية التي تعتد بنصرها على "المؤامرة الكونية"، وعلى ما يزيد على 130 دولة، بحسب ادعائها، تحتفظ بحق الرد على العدوان الإسرائيلي بالزمان والمكان المناسبين، ويبدو أنه ما دامت معادلة سيادة الجمهورية هي بقاء النظام السوري الحالي بالسلطة فهذا الوقت بحكم الغيب! لدرجة أنها مع عمليات الأردن العسكرية اليوم تبتعد عن التصريح الإعلامي، حتى بات مقتل المدنيين في السويداء المترافق مع كل غارة جوية أردنية وكأنه حدث عادي!
من المعروف جيداً حينها، أن اتفاق عمان أفضى إلى تفكيك الجبهة الجنوبية وإخراج معظم قوات المعارضة السورية من الجنوب السوري، مع بقاء القوات التي وافقت على المصالحة مع النظام بواسطة وترويج روسي، مع تعهد موسكو بتنفيذ فوري لإبعاد المقاتلين غير السوريين، في إشارة إلى "حزب الله" وميليشيات إيران..
بالعودة قليلًا إلى الوراء، وهذا القليل استنزاف سوري طال بعمر السنين وعدم حله جذرياً، فقد بادرت روسيا بعدة اتفاقيات جيوعسكرية بدءاً من العام 2017 تحت عنوان "خفض التصعيد"، بحيث تتمكن من تحييد الجبهات والعمليات العسكرية من محاور متعددة إلى مواقع منفردة، تمكنت خلالها من ترسيم خطوط التماس واستبعاد غالبية قوى المعارضة العسكرية السورية، سواء في الشمال السوري باتفاقات أستانة بدءاً من 2017 وما تبعه من ترتيبات ثلاثية مع إيران وتركيا، أو الجنوب السوري باتفاق عمان الثلاثي مع الأردن وواشنطن، أواخر عام 2017.
ومن المعروف جيداً حينها، أنّ اتفاق عمان أفضى إلى تفكيك الجبهة الجنوبية وإخراج معظم قوات المعارضة السورية من الجنوب السوري، مع بقاء القوات التي وافقت على المصالحة مع النظام بواسطة وترويج روسي، مع تعهد موسكو بتنفيذ فوري لإبعاد المقاتلين غير السوريين، في إشارة إلى "حزب الله" وميليشيات إيران من "منطقة آمنة" بعمق وسطي قدره 5 كيلومترات بين قوات النظام وفصائل المعارضة، إضافة إلى نشر نقاط روسية للرقابة والتفتيش، مقابل تعهد واشنطن وعمان بالعمل فوراً مع فصائل المعارضة ضد القوى المتطرفة في خطوط التماس، والتي بدأت أواسط عام 2018 جنوب غربي سوريا/ هذا إضافة إلى اعتبار السويداء منطقة خارج إطار العمليات العسكرية البرية أو الجوية.
في الأعوام الأخيرة ومع تزايد تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية إلى دول الخليج العربي، وتزايد التقارير التي تفيد بترويجها من قبل النظام السوري بنفسه بالتعاون مع حزب الله وتجنيده العديد من أبناء المنطقة والمعروفين بالاسم، وتهريبها لدول الجوار عبر الحدود السورية الأردنية، تتالت التحذيرات والمطالبات الأردنية بضرورة ضبط الحدود من جانب النظام السوري والضامن الروسي تنفيذًا لاتفاق عمان السابق، ومع هذا لم يلتزم النظام السوري بضبط الحدود وإيقاف تهريب المخدرات أو إيقاف المهربين خاصة في السويداء، وعلى عكس هذا توالت تصريحات النظام بضرورة رفع الحصار وعقوبات قيصر عنه لتأمين استقراره المالي والسياسي، وإشارة ذلك الواضحة هي رفع العقوبات مقابل إيقاف تهريب المخدرات، بديله المالي الوحيد.
منتصف العام الفائت، انتقل الأردن إلى سياسة خطوة مقابل خطوة مع النظام السوري، والتي تم ترجمتها بالتواصل الأمني السوري الأردني الذي أفضى إلى إمكانية ضبط الحدود ومنع وإيقاف عمليات تجارة المخدرات مقابل عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية. إذ توجد عدة مؤشرات عن أن النظام السوري وافق على المبادرة الأردنية في ذلك بالاستغناء عن بعض مهربي المخدرات وكشف الغطاء عنهم أمام القوات الأردنية، مقابل إعادة ترويج حضوره العربي في الجامعة العربية.
ومن هنا يبدأ التساؤل الشائك: هل مبادرة خطوة مقابل خطوة التي روجت لها الأردن هي مجرد مبادرة أمنية من طرف النظام السوري بتقديم معلومات استخبارية مقابل خطوة سياسية من الأردن والعمق العربي؟
الأمر الذي يفسر استهداف بعض مروجي المخدرات بعمليات عسكرية دقيقة كما حدث العام الفائت في البادية السورية باستهداف منزل المدعو "الرمثان" وقتها، وكما يحدث في الآونة الأخيرة باستهداف عدة مواقع للمهربين، منها ما كان دقيقاً ومنها ما أخطأ موقعه، كما حدث في منطقة صلخد الجنوبية، حين أخطأت غارة جوية منزل المدعو "ناصر السعدي" لتصيب منزلًا لمدني يبعد عن منزله بضعة مئات من الأمتار وذلك ضمن المدينة نفسها، ما أثار رعب السكان المدنيين واستنكار المجتمع المحلي من هذه العمليات التي تمثل اعتداء على أمن الناس وحياتها، في حين يمكن للنظام السوري اعتقال هؤلاء المعروفين والتخلص منهم.
المجتمع المحلي في السويداء، ومنذ منتصف 2022، تمكنت قواه المحلية والشعبية من مواجهة أبرز معاقل تهريب المخدرات المتخذة من السويداء كقاعدة لتهريب وترويج المخدرات، وذلك بعد تيقنها التام من أن النظام وأجهزته هم الداعمون لهم.
يبدو أن مبادرة خطوة مقابل خطوة الأردنية تقف أمام وضع مستعصٍ، فقد يُدرك الأردن والعمق العربي أنه لا طائل من استمرار العمليات العسكرية في العمق السوري ما دامت المعلومات المقدمة له ليست دقيقة من جهة، وما دامت الأجهزة الأمنية وحزب الله قادرين كل يوم على تجنيد مهربين جدد، ما يعني استمرارها..
وتابعت هذه القوى المحلية بملاحقة المروجين في داخل السويداء، إلى درجة أنه في أشهر الانتفاضة الحالية التي تعيشها السويداء، تسيير دوريات محلية لملاحقة المروجين الداخليين وتعمل على إيقاف أعمالهم، لكن هذه القوى الشعبية ليس بإمكانها حفظ الحدود مع الأردن، التي بقيت مفتوحة للتهريب، وذلك باستئجار مهربين جدد وتجنيدهم لذلك وتزويدهم بكل الطرق اللوجستية والبطاقات الأمنية والحماية العامة من قبل النظام وأجهزته الأمنية.
يبدو أن مبادرة خطوة مقابل خطوة الأردنية تقف أمام وضع مستعصٍ، فقد يُدرك الأردن والعمق العربي أنه لا طائل من استمرار العمليات العسكرية في العمق السوري ما دامت المعلومات المقدمة له ليست دقيقة من جهة، وما دامت الأجهزة الأمنية وحزب الله قادرين كل يوم على تجنيد مهربين جدد، ما يعني استمرارها!
وبالضرورة هل يصل الأردن والعمق العربي إلى الانتقال لخطوة مختلفة عنوانها خطوة الحل السوري والتغيير السياسي الجذري؟ الخطوة التي تعني استعادة سيادة الأمن والأمان في سوريا، وانعكاسها على كامل المنطقة العربية، ووقف تهريب المخدرات وتمدد الميليشيات الطائفية وقوى التطرف الإرهابية.
السويداء بمظاهراتها اليومية المتتالية تطالب بالتغيير السياسي السوري كحل لكل أزماتنا وضمان استقرار المنطقة برمتها، وما على المبادرة العربية وجامعتها إلا أخذ ذلك بجدية والانتقال من خطوة تغيير قواعد الاشتباك إلى خطوة تغيير قواعد الحل السوري كحل جذري على خطوات.