في سابقة لم تحصل مطلقاً انتخب هذا الشهر الأديب البيروفي، ماريو فارغاس ليوسا كعضو في الأكاديمية الفرنسية، ليحل محل الفيلسوف الفرنسي الذي توفي في العام 2019، وماريو فارغاس ليوسا الحاصل على جائزة نوبل للآداب، في العام 2010، هو أول حائز على هذه الجائزة يدخل الأكاديمية منذ العام 1933 حينما دخلها فرانسو مورياك، الذي توفي بدوره في العام 1970، والأكاديمية الفرنسية هي صرح ثقافي لغوي أسسها الكاردينال روشيلو في العام 1653 وتحتوي على أربعين كرسياً يشغر منهم حالياً خمسة مقاعد فقط، بينما يحتل تسعة وعشرون رجلاً وست نساء المقاعد المتبقية..
وليوسا الذي لم ينشر أي كتاب باللغة الفرنسية، انتقل للإقامة في باريس في عام 1959، وهو يتحدث الفرنسية بطلاقة، ولكنه لم يكتب باللغة الفرنسية مطلقاً، ولكن أغلب كتبه نشرت في دور نشر مرموقة مثل غاليمار، حتى إن سلسلة (لا بلياد) المرموقة، احتضنت أعماله في سابقة جديدة لم تحصل لمن قبله وهو على قيد الحياة، بحيث بات ليوسا أيضاً أول أجنبي (غير فرنسي) تنشر أعماله في السلسلة الأدبية المرموقة (لا بلياد) التي تعتبر اختياراتها واحدة من نفائس الأدب الفرنسي والعالمي، بحيث لا تضم قوائم كتاب هذه السلسلة إلا كبار كتاب الفرنسية، بطبعات محدودة و فاخرة جداً..
ارتكب مجموعة من الأغلاط التي لا يمكن لمراقبي وساكني الحركة الثقافية الفرنسية والأوروبية تبريرها
لكن ليوسا كذلك قرر أن يثير الجدل مجدداً، فثارت عاصفة من الانتقادات في الوسط الثقافي الفرنسي، حول إيجاد تبريرات تدعم انتخاب ليوسا إلى هذا الكرسي الحساس، والمتعلق بضمير فرنسا الحقيقي، اللغة، والمعنى، الأخلاق والأدب.. مما لا شك فيه بأن ماريو فارغاس ليوسا أديب من طراز رفيع، حاز أرفع الأوسمة والنياط والتكريمات في حياته، انتشر أدبه كما لم يحصل مع أديب سابقاً بشكل لا يمكن للتاريخ أن يغفله ولو بعد قرون، و لكنه رغم ذلك ارتكب مجموعة من الأغلاط التي لا يمكن لمراقبي وساكني الحركة الثقافية الفرنسية والأوروبية تبريرها، لا وعلى العكس بل تكريمه مرتين بدخوله البلياد وهي مسألة خاصة تعني أصحاب السلسلة، أما دخوله الأكاديمية الفرنسية بعد أن دعم المرشح اليميني للانتخابات التشيلية خوسيه كاست، من دون أي مبرر يذكر، وخوسيه كاست هو يميني متدين يمارس حنيناً غريباً لسطة الدكتاتور بينوشيه الذي ارتكب انتهاكات لحقوق الإنسان تكاد تكون الأسوأ في أميركا الجنوبية، من دون أن ننسى دعمه اللامحدود للرئيس الكولومبي إيفان دوكيه المنتخب في عام 2018 الذي ألغى اتفاقيات السلام بين الحكومة وحركة (فارك) القوات المسلحة الكولومبية الثورية، التي أبرمت في العام 2016. بحيث عادت الاغتيالات اليومية المتبادلة للنقابيين وقادة العصابات وناشطي البيئة..
يتحدث البعض عن الميل النفسي لكبار السن وتحولهم لدعم اليمين المتدين، المحافظ الذي من الممكن له (كما يعتقدون) أن يحافظ على ما تبقى من تقاليد كانوا يعيشون فيها، ويتذكرونها بحنين، في مواجهة طوفان التغيير الذي يحمله اليسار المندفع، أو التقدميون من طلاب التغيير، لكن ماريو فارغاس ليوسا البالغ من العمر 85، ليس من ذلك النوع الذي من الممكن أن ينقلب على تاريخه السياسي الثوري الداعم لفيديل كاسترو مثلاً في كوبا، فكيف ينقلب الحال معه ليصبح من أنصار اليمين المتطرف في تشيلي..
ينبغي تطبيق نوع من التحقق من الأعضاء غير الفرنسيين قبل دخولهم الأكاديمية، ففي الاختيار عادة نوع من التوجيه الأدبي
بكل الأحوال دخول ليوسا إلى الأكاديمية الفرنسية هو شرف عظيم يناله صاحب شرف عظيم كذلك فهو الحائز على جائزة نوبل للآداب في 2010، وهو أمر مفيد أيضاً للأكاديمية نفسها، فهي تجدد دمها وعنفوانها عن طريق ضم نجوم من الأدب العالمي، حتى ولو كانوا ينوسون بين اليمين واليسار، فهذا لا يعني أن الأكاديمية ذاتها هي وكر لليسار أو الفوضويين، وهي ليست كذلك برلماناً سياسياً يجب تحقيق توزان بين كتله السياسية، ولكن ينبغي تطبيق نوع من التحقق من الأعضاء غير الفرنسيين قبل دخولهم الأكاديمية، ففي الاختيار عادة نوع من التوجيه الأدبي، تخيلوا مثلاً ضم بيتر هاندكه إلى الأكاديمية، وهو المعروف بولهه الشديد بجزار يوغسلافيا السابقة، سلوبودان ميلوسوفيتش، رغم أنه يحمل أيضاً جائزة نوبل للآداب.