منذ انتصار نظام ولاية الفقيه في إيران سنة 1979، لم يمر يومٌ من دون أن يفتعل النظام الإيراني أو يخوض حرباً مباشرة أو عبر وكلائه المنتشرين في محيطه الإقليمي القريب وحتى البعيد.
يبدو الأمر وكأنه منذ انتصار الثورة الإسلامية بزعامة المرشد الإيراني الخميني وتوليه السلطة، اتبعت طهران سلوكاً سياسياً يماثل ما كان عليه سلوك الاتحاد السوفييتي في الحكم قبل مرحلة البيرسترويكا، التي أدت فيما بعد إلى تفكك الاتحاد السوفييتي وانقسامه إلى مجموعة من الجمهوريات.
إيران، ومنذ تولي رجال الدين السلطة في البلاد بعد الإطاحة بالنظام الملكي، تتبع النهج ذاته الذي اتبعه الاتحاد السوفييتي سابقاً، من خلال دعم مجموعة من الميليشيات المسلحة، معظمها شيعي.
فقد اعتمد الاتحاد السوفييتي على دعم الأنظمة الدكتاتورية في العالم والأحزاب الشيوعية في مختلف الدول، كجزء من سياسته الرامية إلى مجابهة الرأسمالية وهزيمة الإمبريالية. وقدم في سبيل ذلك الأموال بسخاء لتلك الجهات الرسمية وغير الرسمية، في حين أهمل وضعه الاقتصادي الداخلي وركّز فقط على التسليح واستكشاف الفضاء، رغم الأزمات الاقتصادية العميقة التي كانت تعاني منها مؤسسات الدولة. وبدلاً من محاولة إيجاد الحلول لتلك الأزمات الداخلية ومحاصرتها، بقي لدى حكام الاتحاد السوفييتي عقيدة واضحة المعالم، وهي هزيمة الرأسمالية والإمبريالية العالمية وانتشار الشيوعية.
في سياق مشابه، فإن إيران، ومنذ تولي رجال الدين السلطة في البلاد بعد الإطاحة بالنظام الملكي، تتبع النهج ذاته الذي اتبعه الاتحاد السوفييتي سابقاً، من خلال دعم مجموعة من الميليشيات المسلحة، معظمها شيعي، -باستثناء حركة حماس الفلسطينية- والتي تعتمد في دعمها على بُعد طائفي واضح. قدمت لتلك الميليشيات المال بسخاء، مما تسبب بزعزعة الاستقرار في الدول التي نجحت إيران في خلق ميليشيات تخدم أجندتها فيها، وأسهم في تشكيل حالة من "الدولة الفاشلة"، ومصادرة القرار السيادي لمؤسسات تلك الدول، وجعله بيد تلك الميليشيات، كما هو الحال في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.
راهناً، ما تزال طهران تسير في الاتجاه نفسه الذي سلكه الاتحاد السوفييتي قبيل انهياره؛ لذا، إن لم يتدارك مسؤولو النظام الحالي الوضعَ، فقد تخسر طهران إمكاناتها المخصصة للتسليح ودعم الميليشيات في الدول المجاورة، كما خصص السوفييت أموالهم في سباق التسلح مع أميركا ودعم الأحزاب الموالية في العالم.
لقد أوصل هذا الوضع إيران إلى مفترق طرق مصيري، وفي حال استمرارها على النهج نفسه، ستجد طهران نفسها يوماً قريباً تواجه سيناريو شبيهاً بتجربة الاتحاد السوفييتي، أي سيناريو التقسيم.
فقد وصلت الشعوب الإيرانية إلى حافة المجاعة رغم ضخامة الاقتصاد الذي لم يُستثمر بشكل صحيح، إضافةً إلى القمع المتواصل واستمرار حالات الإعدام التي تزداد يوماً بعد يوم.
نظام الحكم الحالي في إيران لا يتماشى مع منطق العصر وصيرورة التاريخ، فهو جزء من الماضي السحيق ولا يمكنه الاستمرار بإدارة الدولة بهذا النمط من الحكم.
من الواضح أن الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان قد أدرك هذا السيناريو عندما تحدث أمام جمعٍ من الإيرانيين في نيويورك نهاية سبتمبر الماضي، قائلاً: "إن استمر الوضع هكذا، فلن تجدوا دولة اسمها إيران، بل ستكون هناك حكومات لكردستان وأذربيجان والأهواز (عربستان)".
أما السيناريو الآخر الذي قد يسهم في إنقاذ الدولة الإيرانية من التفكك، ويجنبها المصير الذي واجهه الاتحاد السوفييتي، فهو أن تتخلى إيران بشكل كامل عن تلك الميليشيات وفق جدول زمني محدد وقصير المدى، وأن تلتفت بعدئذ إلى وضعها الداخلي، وتحل مشكلاتها مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، بما فيها قضية البرنامج النووي، على قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية بشكل فعلي لا إعلامي. ثم تنصرف إيران إلى شؤون شعوبها وتجري إصلاحات عميقة في شكل الدولة ونظام الحكم وطريقة إدارة الأزمات، خاصةً أن نظام الحكم الحالي في إيران لا يتماشى مع منطق العصر وصيرورة التاريخ، فهو جزء من الماضي السحيق ولا يمكنه الاستمرار بإدارة الدولة بهذا النمط من الحكم.