مع أن السوري ما يزال يحتفظ بتجدد الثورة، كما دلت إعادة كتابة الشعارات المناهضة للأسد على الجدران في درعا، أو انطلاق المظاهرات الحاشدة في مناطق بإدلب وريفها كلما سنحت ظروف التعبير الحر عن ذلك، فإن السوري ذاته بات يعلم أن الأفق الذي فتحته ثورته آخذٌ لطريق الانحسار، وأن الشعارات الكبرى التي ضحى من أجلها ودفع أغلى الأثمان ومازال قد تفضي لنقائضها، وذلك بفضل نظام وحشي له وظيفة مناطة به من قبل المجتمع الدولي، وبفضل معارضة ربطت استمرارها بأجندات الممولين والداعمين مالاً وتسليحاً.
لكن ما هي الأهداف والغايات التي حملت الثورة وشعاراتها السياسية؟ لقد قامت الثورة لتبرهن أن قدرية وأبدية طغيان النظام السوري، لا تعني نهاية كفاح السوريين ضمن هياكل اختارها النظام لخمسة عقود، بل أعلن السوريون أن المواجهة المباشرة مع الطاغية تقوم في كل قرية ومدينة وزاوية من زوايا وطنهم الذي اختزله الأسد باسمه، وهو ما تم هدمه وهدم رمزيتة هذا أولاً، أما النقطة الثانية، وهي ترتبط بالأولى ولا تنفصل عنها، من خلال التأكيد على أن خلاص السوريين وعبورهم إلى مستقبل يعبر عن طموحاتهم تكون بمساحة ممارسة الحرية الحقيقية كتعبير عن إرادة ورغبات من خلال المواطنة وصون الكرامة الإنسانية.
معنى ذلك أن ثورة الشعب السوري، لم تكن حركة مطلبية كما صُور في البداية احتجاجا على سلوك وقمع الجهاز الأمني في درعا أو غيرها من المناطق، بقدر ما كانت فعلاً شعبيا وسياسياً له غايات محددة في تحقيق مطلب الحرية والمواطنة والكرامة، كان ملايين السوريين المنتشرين آنذاك في طول البلاد وعرضها وساحاتها يصدحون بهذه المطالب التي فضحت لوحدها نظام الأسد وعرته منذ الشهور الأولى لاندلاع الثورة، تتمثل النقطة الثالثة في فضائح ممارسات النظام الوحشية و المرعبة والنقيضة لإظهار مطلبية الشارع فقط، وتبدى ذلك من حجم الجرائم واتساع رقعتها على عموم جغرافيا السوريين الثائرة.
ثورة الشعب السوري، لم تكن حركة مطلبية كما صُور في البداية احتجاجا على سلوك وقمع الجهاز الأمني في درعا أو غيرها من المناطق، بقدر ما كانت فعلاً شعبيا وسياسياً
ويمكن لمن يقرأ مسار الثورة وتفاصيل أحداثها واختراقاتها، أن يعثر على بعد رابع في هذا المضمار من خلال زج النظام لتنظيماته الإرهابية وعناصره التي تمثلت بـ "داعش والنصرة " وغيرها من التشكيلات المتصلة مع أجهزة أمن النظام التي انشغلت فقط بممارسة جرائم وتصويرها وبثها خدمة لرواية وذريعة الأسد، لمواجهة الثورة والشارع السوري بإجراءات تنتمي لعصور سحيقة، برهن السوري أن باستطاعته مواجهة غطرسة ووحشية النظام في البداية وأن باستطاعته وضع يده على هدف أساسي للثورة، بخلق حالة حقيقية لمواجهة النظام تنبثق عن جسم المعارضة السياسية التي تشكلت في السنوات الأولى من خلال الهيكلين السياسيين، الائتلاف الوطني السوري، و مجلس قوى الثورة، قبل التصدع والاختراق والتشظي لمنصات وأجندات كانت صدى لاختراقات قاتلة.
هذه بشكل مختصر وغير مكتمل الأسباب والغايات، التي صاغت الثورة السورية ومآلاتها، والتي ساهمت مع أسباب أخرى في تأمل النظام لثورة متصاعدة، وترتيب جبهته ووظيفته، ليبرز السؤال التالي : ما الذي تحقق من أهداف وشعارات الثورة؟ والى أين انتهت طموحات السوريين التي دفعوا من أجلها دَمهم وراحتهم؟ الإجابة تستلزم التوقف عند طبيعة النظام الوحشية والدموية، وطبيعة المعارضة المسيطرة التي لم تشكل في أي يوم من أيام الثورة سلطتها ومعارضتها القوية ليكون لها تمثيل وحائط قوي تستند إليه، فعلى الرغم من عادات اللغة التي تمنح الإطار السياسي أو العسكري صفة المعارضة، فإن هذا الإطار لم يشكل قيادة سورية معارضة بالمعنى الشامل، للأسباب الناقصة الذكر أعلاه من توزع الأجندة والتمويل إلى مصلحة العبث بالثورة خدمة للنظام وحلفائه، ولهذا نرى التطاول على اللاجئ السوري في كل بلدان اللجوء، بالإضافة لترتيب جبهة مواجهة الثورة وإسناد الأسد حاجة اقليمية ودولية حفاظاً على وظيفته في ملفات عدة.
سعت الثورة إلى التعبير عن إرادة جماعية سورية، لكن وصلت اختراقات النظام لها من الأسلمة والتطرف، الى الإرهاب، حتى استطالة بائسة من بعض فصائل المعارضة للإرادة الدولية، لكن النظام بقي صورة عن مخفر للوطن وشرطي وجلاد مأجور للشعب السوري، و بقي من طموحات الشعب السوري وثورته أمور كثيرة ليس آخرها خلع النظام، بل خلع وكنس الاحتلالات المتعددة التي استحضرها النظام لمؤازرته بحيث بات عليه في زمن التآمر وتكاثره القتال على أكثر من جبهة لكسر القيود المتكاثرة، لانبثاق معارضة سياسية وطنية، تكون للسوري صورة عن أحلامه وارادته .