إعادة تشكيل الإقليم على الطريقة الإيرانية

2024.08.16 | 06:18 دمشق

5499999999999999
+A
حجم الخط
-A

يقول خبرٌ صحفيٌّ إن وزارة الداخلية الباكستانية أفصحت قبل أيام، وفي مؤتمر صحفي كبير، عن خيبتها من اختفاء تتبع خمسين ألف زائر للمراسم الكربلائية في العراق وإيران، من دون وجود أي أثر لهم.

أثارت هذه التصريحات ردود فعل كثيرة داخل الحكومة العراقية والباكستانية ولدى مفوضية اللاجئين، حيث إن هذه الأعداد الضخمة من المواطنين الباكستانيين الذين ذهبوا لزيارة المراقد الدينية في العراق، فُقِدوا خلال موسم عاشوراء في عام 2022، وأُعلن عن فقدانهم هذا العام، أي بعد سنتين من دخولهم الأراضي العراقية! ما يثير مروحة واسعة من الأسئلة، ويفجر زوبعة من الجدل حول عجز الحكومة العراقية عن إحصاء الزوار الذين يدخلون أراضيها، أو إن كانت الحكومة تتغاضى عن تسجيل وفود معينة بالتواطؤ مع مخططات أخرى إقليمية تهدف إلى إعادة توزيع أو تشكيل التوازن الديمغرافي في المنطقة. في حقل الأسئلة المُثارة، يبرز سؤال جوهري حول سبب إثارة قضيتهم الآن وليس في سنة فقدان أثرهم!

ومن دون الغوص العميق في التحليل، فإن المشتبه الأكبر في هذه الأفعال هي الاستخبارات الخاصة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي كان لديها سوابق خطيرة في هذا الخصوص، منها تسهيل دخول مليوني حاج إيراني قبل تسع سنوات إلى العراق من دون تسجيل أوراق دخولهم أو خروجهم.

من المعروف أن دولتي باكستان وأفغانستان لديهما أقليات غير قليلة من الطائفة الإثني عشرية (ومن عدة طوائف شيعية)، وهذه الأقليات غير المستقرة في تلك الدول تعاني من صعوبات في المعيشة والعمل مثلها مثل بقية المواطنين هناك، ما أدى، قبل 40 عاماً، إلى انتقال مئات آلاف الأفغان الهَزَارة من أراضي بلادهم في أفغانستان إلى مخيمات اللجوء الخاصة بهم في إيران في ظروف لجوء سيئة للغاية، إذ يعيشون في مخيمات على الجانب الغربي من الحدود بين الدولتين. كان السبب الرئيسي لنزوحهم الحرب المستمرة في بلادهم بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان الذي انطلق في عام 1979.

تتحدث تقارير أممية عن استقدام المقاتلين من أفغانستان وباكستان مع عائلاتهم إلى سوريا.

هؤلاء أيضاً كانوا وقوداً استخدمته الاستخبارات الإيرانية وقوات الباسدران في تجييشها المستمر للصراع الطائفي في الشرق الأوسط، وكان لهم دور كبير في حروب أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان، وعلى وجه الخصوص سوريا التي استُقدمت إليها في سنوات الجمر عشرات الميليشيات الطائفية للقتال فوق أراضيها، لكنها لم تغادرها حتى يومنا هذا، ما يثير أسئلة كثيرة حول مناطق وجودهم في سوريا، لا سيما في المدن والقرى الفارغة التي غادرها أهلها إبان الفترة السيئة من القصف والقتل الطائفي.

تتحدث تقارير أممية عن استقدام المقاتلين من أفغانستان وباكستان مع عائلاتهم إلى سوريا، وتتحدث تقارير المعارضة السورية والعربية عن حملات تجنيس طالت الكثير منهم مع علمنا أن قوات معينة قد استهدفت بشكل مباشر وواضح دوائر النفوس المحلية في عدد كبير من المدن والقرى والبلدات السورية، مثل حمص والقصير والزبداني ومضايا ودير الزور وعموم المنطقة الشرقية، مع تحضير حكومة النظام السوري الحالية لتغيير قانون الانتخابات ليجعل من سوريا دائرة انتخابية واحدة، حيث لا خصوصية لأي منطقة أو مكان، ما يلغي الاعتراف بالخانات في دوائر النفوس المحلية.

لا تبدو حملات العنف التي شُنت على المدنيين بريئة من تهم التهجير المتعمد، سواء في إدلب والجزيرة السورية وغوطة دمشق، أو في غزة وغرب العراق، أو في أفغانستان.

وسط كل هذه الفوضى، يأتي خبر اختفاء خمسين ألف باكستاني في العراق منذ عامين، ومع علمنا أن الحدود بين العراق وسوريا تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية، فإن معرفة مكان وجود هؤلاء لا يشكل بالنسبة للمتابعين والمحللين والمعنيين عملاً شاقاً.

إن تتبع تاريخ الحروب يؤكد أن الفقراء كانوا على الدوام وقوداً للمعارك المجانية، لا سيما في عصرنا حيث صارت الحروب بالوكالة سمة العصر من موسكو التي كانت تقود قوات فاغنر، إلى إيران وميليشياتها في الشرق، إلى شركات أميركا الأمنية مثل بلاك ووتر.

مما تقدم، لا تبدو حملات العنف التي شُنت على المدنيين بريئة من تهم التهجير المتعمد، سواء في إدلب والجزيرة السورية وغوطة دمشق، أو في غزة وغرب العراق، أو في أفغانستان.

كل هذه السيمفونية المجنونة يقودها مايسترو واحد متسربل بجلباب أسود لا يضمر للمنطقة سوى الشر المستطير.