أين سيقف بشار الأسد في حال نشوب حرب واسعة في المنطقة؟

2024.08.01 | 05:34 دمشق

355555555
+A
حجم الخط
-A

في اللقاء الأخير الذي جمع رئيس النظام السوري "بشار الأسد" بالرئيس الروسي "بوتين"، قال الأخير: "لسوء الحظ تميل الأمور إلى التفاقم في المنطقة، وهذا ينطبق على سوريا بشكل مباشر".

فهل كان بوتين يريد من "استدعاء" بشار الأسد إلى موسكو إبلاغه بالموقف الذي يجب أن تتخذه سوريا فيما لو توسعت الحرب المشتعلة في غزة والضفة، وفي الجنوب اللبناني؟ قبل شهرين تقريباً استُدعي بشار الأسد أيضاً إلى إيران، وفي اللقاء مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية "علي خامنئي"، أكد الأخير أن "سوريا دولة مقاومة"، وأن المقاومة "هويتها" وعليها المحافظة على هذه الهوية. في طهران وفي موسكو، استمع بشار الأسد إلى توجيهات حليفيه اللذين لا يترددان في كل مناسبة في تذكيره بأنه لم يكن ليبقى رئيساً لسوريا لولا تدخلهما لحمايته وإنقاذ نظامه، ورغم أن كلا الحليفين يريد من تذكيره هذا هدفاً مختلفاً، إلا أنه من المؤكد أنه ليس بإمكان بشار الأسد أن يعارض هذه الأهداف مهما تباينت أو تناقضت، فهو لا يزال بحاجة ماسة لحماية كلا الحليفين. بعد أن بدأت القوات الإسرائيلية حربها المفتوحة على غزة عقب عملية (7 أكتوبر) التي قامت بها حماس، اتبع النظام السوري استراتيجية واضحة اقتصرت على التنديد، والتباكي على الأوضاع الإنسانية السيئة التي يعيشها سكان غزة، وترديد المعزوفة التي لم تتوقف منذ ما يزيد على نصف قرن حول المؤامرة والصمود وغير ذلك. وذهب البعض لتفسير الموقف السوري الرسمي مما يجري في "غزة" بأن سببه الأهم هو العلاقة غير الجيدة بين النظام السوري وبين "حماس".

ورغم أن هذا التفسير يتعمّد تجاهل الأسباب الحقيقية، إلا أن النظام دفن رأسه في الرمال، وأدار ظهره لما يحدث في غزة والضفة. ما تلطى النظام السوري خلفه لتفسير موقفه من الحرب على "غزة" لن يكون مقبولاً فيما لو اشتعلت حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله، فهو على علاقة وثيقة للغاية بحزب الله وميليشياته، وحزب الله يتنقل ويعيش في سوريا بسهولة ويسر أفضل من سهولة تنقله وعيشه في لبنان. وهو قادر على أن يتجاوز في تفاصيل كثيرة من تحركاته اليومية على الأرض السورية القوانين والأنظمة والحكومة والجيش وكل ما يتعلق بسيادة الدولة السورية على أراضيها، فكيف سيتعامل إذاً مع حرب ستكون الأرض السورية جزءاً منها فيما لو اشتعلت؟ ما بين روسيا التي لم تذهب باتجاه موقف شديد الوضوح أو فاعل في الحرب على غزة، وما بين طهران التي تعتبر هذه الحرب جزءاً من صراعها على تحديد النفوذ في المنطقة، سيكون النظام السوري أمام خيارين متباينين في غاية الصعوبة. فالروس يحاولون إبعاده عن الانخراط في النار المندلعة في المنطقة، بينما يريد الإيرانيون انخراطه الكامل فيها وتوحيد "ساحات المقاومة" فيما لو اشتعلت حرب "حزب الله /إسرائيل".

الاحتمال الأكثر ترجيحاً في حالة توسع الحرب أن يُدفع الوضع في سوريا إلى حالة جديدة تشبه إلى حد كبير الوضع في لبنان.

بالتأكيد سيكون لطبيعة وحجم الرد الإسرائيلي على "حزب الله" والذي تعتبره "إسرائيل" رداً على قصفه لملعب كرة قدم في بلدة "مجدل شمس" في الجولان السوري المحتل وسقوط اثني عشر طفلاً سورياً، دورٌ أساسي في تحديد شكل المواجهة القادمة. وبالتالي فإن موقف النظام السوري سيكون مشابهاً لموقفه من غزة فيما لو انتهى الرد الإسرائيلي دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة، أي سيكون موقفاً سياسياً مندداً فقط، واجتراراً ممجوجاً للثوابت المكرورة والمعروفة. لكن لو اتسعت المواجهة وانزلقت الأطراف إلى حرب واسعة فإن النظام السوري سيكون عاجزاً عن البقاء في المساحة الرمادية، حتى لو أراد بشار الأسد ذلك. يرى البعض أن حرص الحليفين الروسي والإيراني على بقاء بشار الأسد في موقعه قد يمنحه بعض القدرة على المناورة، فالطرفان لا يمكنهما التخلي عنه أو استبداله. وبالتالي فإن مساحة ما من القرار لا يزال يمتلكها، وهي تكفيه لكي يقرر الموقف الأفضل لمصالحه ولاستمراره في حكم سوريا. ولا يؤثر في ذلك أن تكون المعارك بين إيران وأذرعها من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى على الأرض السورية وفي المدن السورية، فهما – إيران وإسرائيل – يتصارعان منذ سنوات فوق الجغرافيا السورية ويتصرف بشار الأسد ونظامه كأن الأمر لا يعنيه.

لكن الاحتمال الأكثر ترجيحاً في حالة توسع الحرب أن يُدفع الوضع في سوريا إلى حالة جديدة تشبه إلى حد كبير الوضع في لبنان. لن تلتزم إيران وحزب الله بأي قرار صادر عن النظام السوري قد يشكل لهما أي إعاقة في المواجهة بينهما وبين إسرائيل فيما لو اشتعلت المواجهة الشاملة. ويساعدهما في ذلك كثافة وجودهما العسكري في الجغرافيا السورية. أضف إلى ذلك تبعية قطع عسكرية مهمة في الجيش السوري لهما. كل هذا سيجعل أي قرار صادر عن بشار الأسد بعدم الانخراط في الحرب مرهوناً بما تراه إيران وحزب الله ومن يتبع لهما، سواء من الجيش السوري أو من ميليشيات أخرى.

عندما تغيب الشرعية بمعناها الحقيقي عن السلطة، وتصبح قوى الأمر الواقع المتعددة هي صاحبة القرار، ولا تستطيع أي من هذه القوى إزاحة القوى الأخرى أي الإمساك بالقرار كله، يصبح من الطبيعي أن يتم تقاسم السلطة.

وقد تجد إيران في الصيغة اللبنانية، حيث قرار الحرب خارج عن يد الدولة اللبنانية، حلاً مناسباً، فلا يتحمل بشار الأسد مسؤولية قرار المشاركة في الحرب، ولا يتحمل مسؤولية عدم المشاركة فيها أيضاً. أما ما يتعلق بمصلحة سوريا، وسيادتها ومصير شعبها في هذا الحل، فهو أمر لن يشغل بال إيران بالتأكيد، ولن يشغل بال بشار الأسد أيضاً، فما هو أساسي في نظر بشار ومن معه هو الاستمرار في حكم سوريا فقط. قد يبدو هذا السيناريو غير واقعي في ظل مجمل الظروف التي تعيشها المنطقة اليوم، لكن ما وصلت إليه سوريا من ضعف في كافة المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، في ظل ارتهان قرارها لأطراف متعددة متضاربة المصالح، وفي ظل انعدام الدولة ومؤسساتها، كل هذا لا يتيح خيارات متعددة. فعندما تغيب الشرعية بمعناها الحقيقي عن السلطة، وتصبح قوى الأمر الواقع المتعددة هي صاحبة القرار، ولا تستطيع أي من هذه القوى إزاحة القوى الأخرى أي الإمساك بالقرار كله، يصبح من الطبيعي أن يتم تقاسم السلطة. ما يمنع إعلان تقاسم القرار والسلطة في سوريا هو اتفاق مصالح الأطراف على الإبقاء على واجهة واحدة. لكن في حال وصول هذه المصالح إلى التعارض العميق، لن يكون هناك احتمالات كثيرة فإما العنف وإما التقسيم.