ربما تتشابه الحروب في طرق القصف ومعاناة الضحايا، لكن تشابه الوسائل والتكتيكات إنما يدل على أن الفاعل هو واحد بذاته، وأنه يتوقع أن يكون رد الفعل الدولي بنفس الطريقة.
نشرت روسيا قواتها لحصار المدن الأوكرانية المختلفة بما فيها العاصمة كييف، قوبلت روسيا بمقاومة عنيفة منعتها من دخول أي من المدن الرئيسية وزاد عدد القتلى من قواتها بشكل كبير المصادر الأوكرانية تتحدث عن 15 ألف قتيل روسي في حين تشير روسيا إلى مقتل 1532 فقط أما المصادر الأميركية فتتحدّث عن 6 آلاف قتيل مهما يكن الرقم الصحيح الذي لن نعرفه حتما فإنه يدل على العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا خلال فترة قصيرة تعادل الشهر تقريبا منذ بداية الحرب في أوكرانيا مع تأكيد سقوط سبعة من جنرالات الجيش الروسي من ذوي الرتب العالية التي تظهر حجم الفشل الكبير في تواصل المعلومات بين القطع الروسية المختلفة.
بنفس الوقت العقوبات الاقتصادية بدأت تظهر مفعولا واضحا في الاقتصاد الروسي الذي انكمش بشكل مذهل من بين الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم إلى اقتصاد دولة متوسطة النمو، فضلا عن عقبات في المستقبل فيما يتعلق بتصدير الغاز والنفط الروسيين وفيما يتعلق بسداد روسيا لديونها وهو ما من شأنه تخفيض الائتمان للديون الروسية إلى مرتبة أدنى مما يزيد من الفوائد التي على روسيا دفعها في المستقبل، وانخفاض الروبل الروسي إلى أدنى مستوى له إذ خسر 60 في المئة من قيمته، كل هذه المؤشرات تدفع إلى أن الاقتصاد الروسي سيمرّ في انهيار قريب تكون عوائده ظاهرة على الشعب الروسي بشكل عام وليس كما أقنعهم بوتين بأن هذه عملية عسكرية محدودة ومؤقتة كما فعلوا في سوريا حيث حقق الجيش الروسي النصر وأعاد تثبيت الأسد الذي تهاجمه القوات الغربية الغازية لسوريا.
لكن كل هذه العوامل السياسية والاقتصادية لن تدفع الرئيس بوتين لتغيير رأيه، فهو يريد السيطرة كاملة على أوكرانيا من دون شروط من قبل الحكومة الأوكرانية، وهو ما يعني زيادة العذاب للشعب الأوكراني الذي وجد نفسه في أتون حرب كاملة لا يفهم لها سبباً، وهنا وكمتابع ليوميات الحرب على أوكرانيا نلحظ نفس التكتيكات التي استخدمتها روسيا في أوكرانيا واستخدمتها سابقا في سوريا.
لكن كل هذه العوامل السياسية والاقتصادية لن تدفع الرئيس بوتين لتغيير رأيه، فهو يريد السيطرة كاملة على أوكرانيا من دون شروط من قبل الحكومة الأوكرانية
مثلاً عدم التمييز في القصف بين المناطق المدنية والعسكرية وهو ما من شأنه أن يزيد المعاناة الهائلة على المدنيين الذي يرغبون في وقف القصف بأي شكل من الأشكال وهو ما من شأنه أن يضغط سياسيا على الحكومة الأوكرانية والرئيس الأوكراني من أجل القبول بالشروط الروسية على إجحافها.
ثانيا حصار المدن ومنع دخول المساعدات الإنسانية بحيث تصبح المفاوضات حول طريقة إدخال المساعدات الإنسانية بدل رفض الحصار من أصله، وهو ما من شأنه أيضا أن يدفع المدنيين للهرَب وهنا تعلن روسيا ما تسمّيه ممرات آمنة وكأن وظيفتها هي حماية السكان وتأمينهم بدل التفكير في مسؤوليتها عن هذه الحرب ودورها في تشريد السكان وحصارهم وتجويعهم.
ثالثا اتهام الطرف الآخر بالتحضير لاستخدام الأسلحة الكيماوية من أجل أن تقوم روسيا باستخدامها مستقبلا والقول بأن استخباراتها حذرت من ذلك، حتى ولو لم تستخدمها روسيا فإنها نجحت في تركيز الطرف الآخر على هذا النوع من الأسلحة وكأنها استطاعت تحويل التركيز من استخدام كل أنواع الذخائر والقنابل والصواريخ وهي بالعموم الأكثر استخداما وهي التي قتلت الآلاف من المدنيين كل يوم وما زالت إلى اليوم ، لكن روسيا حاولت تحويل التركيز والفعل السياسي والعسكري ضدها إلى حين استخدام السلاح الكيماوي في الحرب على أوكرانيا وحتى ذلك الوقت تستمر روسيا في استخدام كل أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية.
رابعا استخدام المعلومات الكاذبة على مستوى كل من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ثم وسائل الإعلام الخاصة بها التي تموّلها والتي تلعب دورا في نشر المعلومات الكاذبة والملفقة عن سوريا وعن أوكرانيا بشكل يومي تقريبا.
خامسا السماح للمترزقة من فاغنز إلى المرتزقة من الشبيحة بارتكاب أبشع المجازر بحجة تخويف السكان المدنيين وإرعابهم وإجبارهم على الخروج من بلدهم كي يشكلوا ضغطا على القيادة السياسية وعلى دول الجوار الأوروبي.
إنها تكتيكات روسية استخدمتها روسيا بنجاح في سوريا وها هي تعيدها في أوكرانيا، بالنسبة لبوتين هي فعالة لأنه لا يكترث لحجم الدمار البشري بأي حال من الأحوال، وربما ستكون فعالة أيضا في أوكرانيا إذا ما استمرت أو على الأقل سمح الغرب لهذه الحرب أن تستمر على المدى الطويل.