أوزغور أوزال: إلى دمشق خذوني معكم!

2024.07.14 | 05:42 دمشق

44
+A
حجم الخط
-A

ما إن أعلن برهان الدين بولوت، أحد كبار المسؤولين في "حزب الشعب الجمهوري" التركي المعارض، عن تلقيه ردا إيجابيا من قبل النظام في دمشق يفتح الطريق أمام زيارة رئيس الحزب أوزغور أوزال للقاء بشار الأسد، حتى جاء النفي السريع من قبل الأخير على لسان مصدر رفيع يقول إنه لم يتم التواصل مع أي حزب تركي بشأن زيارة دمشق ولقاء الأسد.

أعلن أكثر من قيادي وحزبي سياسي تركي معارض عن رغبته في التوجه إلى دمشق للقاء الأسد وتفعيل الحوار باتجاه الحلحلة في الملف السوري، ابتداء من "حزب الشعب الجمهوري" مع كمال كليتشدار أوغلو، وحزب "إيي" مع ميرال أكشنار، وحزب "وطن" مع دوغو برينشاك، ثم حزب "ظفر" مع أوميت أوزداغ، وفي النهاية حزب الرفاه من جديد مع فاتح أربكان. الرسالة الأهم بالنسبة لدمشق وسط كل هذه الاقتراحات جاءت من رئيس حزب الشعب الجديد أوزغور أوزال، الذي أعلن عن رغبته في القيام بزيارة من هذا النوع ولقاء الأسد لنقل الحوار بين أنقرة والنظام في دمشق إلى مرحلة انفتاحية جديدة.

كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام، وخلال حواره مع الإعلاميين في واشنطن، عن دعوته للأسد لعقد لقاء في تركيا أو في دولة ثالثة، وأنه كلف وزير خارجيته بمتابعة هذا الملف مع المعنيين هناك. "نريد أن نبدأ مسارًا جديدًا ينهي الغبن والزعل". ما الذي يمكن أن يفعله أردوغان أكثر من ذلك من أجل إعادة بناء جسور التواصل مع بشار الأسد؟

هناك إجماع في صفوف المراقبين والمتابعين لسياسة تركيا تجاه سوريا على أن التحول في مواقفها حيال الملف سببه المتغيرات الإقليمية، والانسداد الحاصل في سياسة أنقرة بخصوص سوريا، وتغيير العديد من العواصم العربية لمواقفها حيال النظام في دمشق، وتمسك واشنطن بمجموعات "قسد" شريكها المحلي، ومحاولة إيران لعب أوراق محلية على خط شرقي سوريا وشمالي العراق لعرقلة التقارب التركي العراقي، وفرض نفسها على أي انفتاح تركي على النظام في دمشق.

هناك إجماع في صفوف المراقبين والمتابعين لسياسة تركيا تجاه سوريا على أن التحول في مواقفها حيال الملف سببه المتغيرات الإقليمية.

وهناك أيضًا أكثر من احتمال حول من يقف خلف عرقلة زيارة أوزغور أوزال إلى دمشق للقاء بشار الأسد:

الأسد نفسه، الذي قرر التريث لمعرفة نتائج الرسائل الانفتاحية المتبادلة بين أنقرة ودمشق وموسكو حول اقتراب موعد القمة التركية السورية برعاية روسية.

ربما الضغوطات الروسية التي تعرضت لها دمشق باتجاه إرجاء موعد الزيارة وسط الأجواء الإيجابية التي تقودها موسكو على خط أردوغان – الأسد.

احتمال آخر وهو وجود طلب تركي غير مباشر بهذا الاتجاه تجنبًا لتجيير هذه الخطوة إلى اختراق سياسي لحزب الشعب الجمهوري في سياسته الخارجية وفي الملف السوري وسط التوازنات السياسية والحزبية الحساسة في تركيا.

يبدو أن النظام في دمشق يريد التريث قبل الرد على طلب "حزب الشعب الجمهوري" بانتظار وضوح الرؤية حول ما سيجري بينه وبين قيادات العدالة والتنمية. يريد إحالة طلب أوزال إلى الخارجية في دمشق لتخفيض مستوى اللقاء، تحت ذريعة أن دمشق لا تفاوض سوى القوى الرسمية في السلطة، لكن أوزغور أوزال متمسك بلقاء الأسد مباشرة ولن يقبل بأقل من ذلك. هدفه هو إثبات وجوده في الملفات الخارجية التركية وعلى رأسها الملف السوري الأهم بالنسبة لأنقرة اليوم سياسيًا وأمنيًا.

عرقلة زيارة أوزال أو تأخير موعدها سببه المواقف السياسية الجديدة الصادرة عن القيادات التركية في الحكم حول الملف السوري. لكن قمة تركية - تركية جديدة بين أردوغان وأوزال لبحث الملف السوري قبل توجه الأخير إلى دمشق تعني أن أردوغان على علم بكافة التفاصيل، وأنه هو الآخر أشعل الضوء الأخضر أمام تحرك رئيس حزب الشعب المعارض. عكس ذلك يعني أن الأسد يلعب ورقة أوزال بمفرده، وأنه لن يفرط بهذه الورقة خصوصًا بعد صعود الأخير شعبيًا في الانتخابات المحلية التركية التي جرت في أواخر آذار الماضي، وكذلك بسبب التباعد في المواقف بين بشار الأسد وبين حزب أردوغان الذي ما زال يرى أن الحل في سوريا يمر عبر المرحلة الانتقالية ومشاركة القوى السياسية المعارضة فيها في إطار قرارات مجلس الأمن وأهمها 2254.

هل يعني كل هذا الحراك والتطورات أن الأسد سيعرض الرسائل الانفتاحية التي وجهها الرئيس التركي نحوه للخطر ويستقبل زعيم "حزب الشعب الجمهوري" المعارض في دمشق، قاطعًا الطريق على فرصة الحوار قبل أن ينطلق؟ طهران قد تنصحه بذلك حتمًا، لكن موسكو قد تقول كلامًا مغايرًا وهي التي ستوجد أمام الطاولة الثلاثية كوسيط وضامن.

يبدو أن النظام في دمشق يريد التريث قبل الرد على طلب "حزب الشعب الجمهوري" بانتظار وضوح الرؤية حول ما سيجري بينه وبين قيادات العدالة والتنمية.

فرض الناخب التركي في مطلع نيسان الماضي، وبعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية التي سهلت لحزب الشعب الجمهوري المعارض تسجيل اختراق شعبي وحزبي في مواجهة حزب العدالة الحاكم، معادلة سياسية داخلية جديدة يريد تحويلها إلى فرصة خارجية في التعامل مع الملفات الإقليمية التي تعني تركيا. عندها برزت مواقف وتصريحات أوزغور أوزال حول ضرورة تسريع عملية مراجعة أنقرة لسياستها حيال سوريا، مبديًا استعداده للتوجه إلى دمشق والدخول على خط الوساطة بين أردوغان والأسد.

يعلن أوزال أنه سيزور دمشق قبل نهاية الشهر الحالي، وتكشف مصادر سورية مقربة من النظام أن لا معلومات رسمية حول استعداد العاصمة السورية لزيارة من هذا النوع. لماذا يستقبل الأسد زعيم المعارضة السورية بعد هذه الساعة وهو يتابع رسائل أردوغان اليومية التي يوجهها له بشكل مباشر؟ ولماذا يقطع الغصن الذي سيجلس فوقه وهو يحاور أنقرة بوساطة روسية ويسهل للمعارضة التركية تسجيل تقدم سياسي داخلي وهو يستعد لمحاورة أردوغان أمام الطاولة الثلاثية؟ هل يسهل بشار الأسد مهمة أوزال باتجاه التقريب بينه وبين أردوغان أم هو سيحاول لعب هذه الورقة لانتزاع تنازلات ومكاسب سياسية خلال الجلوس أمام طاولة الحوار مع الرئيس التركي، مراهنا على سيناريو التغيير في تركيا ووصول المعارضة إلى الحكم وإبقاء قنوات الحوار مفتوحة معها؟

هل هناك مبالغة فكرية إذا ما أعدنا ترتيب وتقريب تصريحات الرئيس التركي للإعلام الغربي من بعضها البعض وهو يستعد لقمة دول حلف شمال الأطلسي في واشنطن، "من يعتقد أنه بإمكانه إقامة دولة إرهابية في منطقتنا، يعيش حلمًا بعيد المنال لن يتحقق أبدًا.. من الأفضل التعامل مع المشكلات في المنطقة والعالم على أساس المبادئ بدلاً من المصالح الذاتية القصيرة المدى"، وقارنا ما قاله حول تطورات المشهد في الحرب الروسية الأوكرانية بأن "الحل لا يكمن في مزيد من سفك الدماء والمعاناة، بل في السلام الدائم الذي يتحقق من خلال الحوار والدبلوماسية"، بسياسة تركيا السورية الجديدة ورسائل أنقرة الانفتاحية؟ الرئيس التركي يسهل هنا الإجابة على السؤال بقوله "غايتنا الأساسية أن تكون الأراضي السورية خالية تمامًا من الإرهاب، وأن تصبح سوريا دولة مزدهرة يحكمها السوريون". أردوغان محق ربما فيما يقول، لكنه يعرف أيضًا أن هناك جملة من التساؤلات التي تنتظر الردود عليها حول علاقة أنقرة بالعديد من الشركاء والحلفاء في التعامل مع الملف السوري. أنقرة أيضًا وضعها صعب في سوريا، تريد إنهاء أزمتها في سوريا لكن الأزمة السورية لن تفارقها بمثل هذه السهولة.