شهدت العاصمة السورية دمشق تطورات سياسية مفصلية في الآونة الأخيرة بعد سقوط النظام السوري، كما عاد القرار الأممي 2254 المتعلق بالانتقال السياسي في سوريا إلى الواجهة بعد تصريحات هيئة التفاوض السورية، وحذّر السياسي والباحث أسامة أبو زيد من أن عدم إشراك الأطراف السورية في الحكم الحالي سيفتح الباب أمام التدخلات الدولية.
تحدث أبو زيد في لقاء مع تلفزيون سوريا عن التحديات الحالية، رؤية الحل السياسي، وضرورة ضمان مشاركة أوسع للقوى المحلية في المرحلة الانتقالية المقبلة.
اجتماع العقبة والقرار الأممي 2254
تناول أسامة أبو زيد الاجتماع الأخير في العقبة، والذي أكد مجددا على القرار الأممي 2254، قائلاً: "الاجتماع الأخير يؤكد أن هناك محاولات دولية وإقليمية للتدخل في الواقع السوري بعد إسقاط النظام عسكريا، الدول تحاول استغلال ثغرات معينة، كمسألة المشاركة، لإعادة فلول النظام".
وأوضح أن القوى الثورية اليوم مطالبة بإشراك جميع الأطراف السورية لضمان منع التدخلات الخارجية، مشيرا إلى أن إسقاط النظام جاء نتيجة "عملية تراكمية" سياسية وعسكرية، وليس حدثا منفردا.
فصل مؤسسات الدولة عن النظام
أبو زيد شدد على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة دون إبقاء النظام السياسي المستبد: "هناك فرق كبير بين الحفاظ على مؤسسات الدولة عبر الكفاءات النزيهة وعدم التفاوض على شراكة سياسية مع النظام الذي انهار.. القوى المحلية بحاجة إلى إدارة مشتركة تضم الكفاءات السورية التي لم تتلطخ أيديها بالدماء".
وأضاف أن المرحلة المقبلة تتطلب مشاركة أوسع من النخب السورية، قائلاً: "نحن لا نتحدث عن إدارة مدينة واحدة بل عن سوريا كاملة بمؤسساتها وخدماتها، ويجب إشراك الكفاءات الوطنية لسد العجز الكبير في الكوادر".
وحول آليات بناء حياة سياسية صحية، أكد أبو زيد أن المرحلة الحالية ليست "مثالية" لكنها انتقالية، قائلا: "في الثورات، المرحلة الانتقالية تحتاج إلى هيئة جامعة تضم مختلف القوى، وليس فقط من أسقط النظام. النظام السابق كان يمنع الحياة السياسية، ولم تكن هناك أحزاب إلا تحت جناحه، واليوم المطلوب إعادة بناء التعددية السياسية الحقيقية".
وأوضح أن القوى المحلية بمختلف المناطق يجب أن تشارك "السويداء، درعا، حلب، وكل المحافظات السورية، يجب أن تكون جزءا من هذه المرحلة الانتقالية، هذا التعدد يقطع الطريق على أي محاولة للتدخل الإقليمي أو الدولي"، وفقا لتعبيره.
من جانب آخر، تطرق أبو زيد إلى خطر الفوضى المحتمل، خاصة أن النظام المنهار حاول ترك دمشق في حالة معقدة، قائلاً:
"نحن نعلم أن النظام كان سيترك دمشق بوابة للفوضى، يحرق الأرشيف، ويُحطم المؤسسات انتقاما من السوريين، لهذا، يجب أن يكون هناك إدارة انتقالية واضحة وفاعلة لتجنب الفوضى، خاصة أن البلاد بحاجة ماسة إلى الكوادر لتشغيل المؤسسات".
واستشهد أبو زيد بوزارة الخارجية كمثال على الحاجة للكوادر قائلاً: "تخيل مثلا أن مندوب النظام السابق، الذي كان يتهم المعارضة بالإرهاب، يمثل سوريا في مجلس الأمن، نحن بحاجة إلى كفاءات جديدة تدار بشكل وطني ومسؤول".
وفيما يخص هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في القرار 2254، أكد أبو زيد رفضه لأي محاصصة مع النظام: "البعض يفسر هيئة الحكم الانتقالي على أنها نصف معارضة ونصف نظام، هذا مرفوض.. هيئة الحكم الانتقالي يجب أن تكون من الثوار، لكنها في الوقت ذاته متنوعة لتمثل الشعب السوري وتؤسس لإعلان دستوري حقيقي يضمن الانتقال السياسي".
"الدستور لا يُفرض من طرف واحد والمشاركة الواسعة هي الحل"
أكد القيادي المعارض أسامة أبو زيد أن المرحلة الانتقالية في سوريا تتطلب مشاركة حقيقية لجميع السوريين بمختلف أطيافهم، محذرا من استفراد جهة واحدة بوضع مسودة دستور البلاد، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية وفرض معادلات لا يقبلها السوريون.
وفي تصريحات أدلى بها، أوضح أبو زيد أن: "وضع مسودة دستور يجب أن يكون خطوة تشاركية لا تفرض من طرف واحد، غرفة إدارة العمليات العسكرية، التي نجحت في تحقيق تقدم عسكري بارز، لا يمكن أن تقرر وحدها من هي اللجنة التي ستضع الدستور. ماذا عن المواطنين الآخرين؟ الطوائف والأعراق المختلفة في سوريا يجب أن تكون جزءا من هذا الحوار، لا نريد أن نصل إلى استفتاء يقودنا إلى مسألة (نعم أو لا) تتعلق بشخص واحد، لأن ذلك لا يبنى عليه مستقبل دولة".
وشدد أبو زيد على أن هذه المخاوف "مشروعة ومحقة"، مضيفا: "إذا أردنا منع المجتمع الدولي من التدخل وتحويل هذه المخاوف إلى مدخل لاستغلال الوضع وفرض معادلات لا يقبلها السوريون، فعلينا معالجتها داخليا، هناك حاجة حقيقية اليوم لأن تشعر المحافظات المختلفة، بشرائحها المتعددة، بأنها جزء من هذا الحوار، قد لا تكون جزءا من القرار النهائي، لكن مشاركتها بالحوار ضرورة لا بد منها".
طروحات مستبقة ومخاوف من ضعف المشاركة
وأشار أبو زيد إلى أن بعض الطروحات الحالية تستبق بها المرحلة الانتقالية، مثل الحديث عن الخدمة الإلزامية، إصدار عملات جديدة، ورفع الرواتب، مؤكدا أنها قد تبدو مشجعة بالنسبة للسوريين، لكنها تبقى محل قلق إن لم يشرك فيها طيف واسع من السوريين: "السوريون يعرفون ما تعنيه الخدمة الإلزامية، ويعرفون أيضا أهمية القرارات الاقتصادية المتعلقة بالعملة والرواتب.. قد تكون هذه القرارات صحيحة من حيث المبدأ، لكنها تظل ضعيفة إن لم تُبنَ على مشاركة واسعة وحقيقية، أي ضعف في التوافق الداخلي قد يُستغل من قِبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية لإشعال ثورة مضادة، وهذا ما نخشى تكراره".
دور المعارضة في الداخل والخارج
وفيما يتعلق بدور المعارضة السورية، سواء كانت في الداخل أو الخارج، انتقد أبو زيد استمرار بعض المؤسسات المعارضة، خاصة هيئة التفاوض السورية، في التركيز على التفاوض مع النظام: "أعتقد أن هيئة التفاوض هي جهاز تقني أنشئ لغرض التفاوض حول تنفيذ القرارين 2254 و2118، المرتبط بالسلاح الكيميائي وببيان جنيف 1. لكن اليوم، لم يعد هناك حاجة للتفاوض مع النظام. هل سنفاوض على دمشق؟ نحن موجودون في دمشق. هل نفاوض على المطارات؟ لا حاجة لذلك."
وأضاف: "التصريحات الأخيرة لهيئة التفاوض حول ضرورة تطبيق القرار 2254 فُسّرت بأنها محاولة لضمان دور لهم في السلطة، وهذا أمر مرفوض. الهيئة كانت مؤهلة للتفاوض عندما كان النظام موجودًا. الآن بعد انهيار النظام وسقوطه بالطريقة التي شهدناها، دورها قد انتهى".
اللجنة الدستورية: رفض البناء على ما سبق
وحول إمكانية الاستفادة من مسار اللجنة الدستورية السابقة، رفض أبو زيد الفكرة جملةً وتفصيلًا، قائلاً: "اللجنة الدستورية كانت تضم جزءا من المعارضة وجزءا من النظام، ولم تصل إلى شيء يُذكر. النظام السوري استغلها سياسيا لا تقنيا، وفرض سيطرته على جدول الأعمال والمناقشات. اليوم، لا أرى أي ضرورة للبناء على ما تم إنجازه في اللجنة الدستورية، لأننا تجاوزنا تلك المرحلة، الثورة السورية انتصرت على الرغم من المجتمع الدولي، وليس بفضله".
وأكد أن السوريين اليوم بحاجة إلى طيّ صفحة الماضي بالكامل وعدم ربط دستور المستقبل برؤية النظام المستبد: "بشار الأسد كان حاضرا في اللجنة الدستورية بشكل غير مباشر عبر وفده، وفرض أجندته، لماذا يجب أن تكون وجهات نظره موجودة في دستور سوريا المستقبل؟ نحن اليوم لا نحتاج إلى مناقشة دستور مبني على معايير النظام السابق".
إعادة الإعمار والعلاقات الدولية
وفيما يتعلق بمستقبل العلاقات الدولية وسوريا ما بعد الأسد، أقرّ أبو زيد بأهمية الرعاية الدولية لبناء الدولة، لكنه حذر من تقديم أي تنازلات تمس حقوق السوريين، قائلا: "الثورة السورية اليوم هي الدولة، نحن لا نقول إننا سندير ظهرنا للمجتمع الدولي، لكننا لن نقبل بتقديم أي تنازلات على حساب حقوق السوريين التي سحقها بشار الأسد ونظامه طوال السنوات الماضية. المرحلة القادمة تتطلب دوران عجلة إعادة الإعمار بما يحقق رؤية سورية وطنية خالصة".
وختم أبو زيد حديثه بالتأكيد على أن سقوط النظام كان "الهدف المنشود"، وأن الثورة لن تسمح بإعادة إنتاج النظام بوجوه جديدة أو استغلال لحظة الانتصار لتحقيق مكاسب لا تخدم الشعب السوري.