إن لم تكن الانتخابات الرئاسية مهزلة، فهي تهريج وصناعة رديئة، لا تعدو أكثر من محاولة النظام إقناع الروس والإيرانيين، بقدرته على تحويل شعب منهك وجائع وناقم إلى بشر يرقصون ويهزجون على إيقاع الدبكة، ويطلقون الرصاص في الفضاء كتعبير عن الفرح، ويهتفون بما لا يجوز الهتاف به. بعض الذين يحبون الرئيس ذهب العشق بهم إلى المساس بالذات الإلهية، وبالوحدة الوطنية.
الاحتفالات يرعاها رأس النظام، ومسؤولون أقحاح، ورجال أعمال، وحفنة مارقة من المشايخ، وجنود شبحية؛ تنحو إلى إغاظة الأوروبيين والأميركان، الذين وصفوا الانتخابات بأنها غير حرة ولا نزيهة. بيد أن مشهديات الانتخاب التي فبركها النظام تطرح على هذه الدول سؤالًا: هل تعتقدون أن هؤلاء البشر يستحقون ديمقراطية، أو هل يفهمونها؟ ما يبرر تقديس البوط العسكري الذي يتحكم بالتصويت، فلماذا الديمقراطية؟
المؤلم أن الناس مجبرون على ممارسة حقهم الانتخابي قسرًا، لتسلط عليهم الأضواء وتتصيدهم الكاميرات وتصور دخولهم إلى المراكز وخروجهم منها، وفي الداخل ليس غير الإذعان. ما يعطي الانطباع بعملية إذلال انتخابية، لا شاهد عليها إلا بوتين والملالي، فيا للشفافية!! العالم يعرف طبيعة النظام، لم تكن الانتخابات محرقة للسوريين، ولن تسيء إليهم، فالضمائر مصونة، وإن كانت مُعيبة بحقهم، شكلت إهانة لهم واستهانة بهم.
الخلاف في بلدان اللجوء حول الانتخابات، كان عن عدم تبصر، صوت له البعض، مع أنهم غير راضين، الرعب يسكنهم، ويتوقون للعودة إلى البلد بأمان. أما الموالون في الخارج فلا يستحقون إلا الاحتقار، ولا مبرر لخنوعهم وانحطاطهم، سوى أنهم عملاء.
أما سوريا التي تهمنا، فلابد من وقفة، لا علاقة لها بالانتخابات، بل مع فلسطين، والمواقف الأوروبية والأميركية، التي لم تكن لتأخذ مداها في الضغط على الحكومة الإسرائيلية، لولا الرأي العام.
الجدير بالذكر، أن لدى الحكومات الأوروبية سياسة معلنة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي حل الدولتين، لكنهم حتى الآن لم يعترفوا بفلسطين كدولة. كذلك عدم تخليهم عن عملية السلام، وفي الوقت نفسه لا يرغبون في الشروع فيها، مع أنه يجب منحها الأولوية، بالنظر إلى شعب محاصر، يخضع لمعاملة عنصرية وقمع مستمرين، مضى عليها نحو ثلاثة أرباع القرن، بموجب سياسة إسرائيلية تمارس بإصرار ودأب السطو على مزيد من الأراضي كل عام، يقوم بها مستوطنون مدعومون من حكوماتهم، في عملية قضم للأراضي الفلسطينية، بموجب قانون إسرائيلي يشكل تغطية لبناء مستوطنات يتعارض وجودها مع القانون الدولي. في الوقت الذي لا يوجد من يفعل شيئًا لردع إسرائيل عن الإخلاء القسري وهدم منازل الفلسطينيين. ما يحيلنا إلى سياسة تطهير عرقي، ينفي حقيقة وجود دولة فلسطين.
ما يدعو للتساؤل، إذا كان الأوروبيون يدعمون سياسة الدفاع عن حقوق الإنسان، فماذا عن الانتهاكات الإنسانية؟ فمثلًا، أليس من العبث تمويلهم للمحكمة الجنائية الدولية، بينما يعارضون التحقيق في جرائم الحرب في فلسطين؟ أليس في الامتناع عنها إرسال رسالة إلى الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، تطمئنهم إلى أنه لن تكون هناك عواقب على جرائمهم؟
أحدثت حرب غزة فرقًا ملحوظًا، بدخول الرأي العام إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما شكله من ضغط على الحكومات الأوروبية، والإدارة الأميركية، اضطرهم إلى التدخل السريع، أسرع من قبل. ما أحدث متغيرات أهمها أن للرأي العام كلمته، وأن الاستمرار في العمل على إيصال القضية الفلسطينية إلى الشارع عامل مؤثر، وخطوة مهمة على طريق الدولة الفلسطينية.
بالمقارنة، ليس ما يريب من فرط ما هو واضح، في التطابق بين النظام السوري والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، الأمر ببساطة هو أن المجرمين يتشابهون، ويتعلمون من بعضهم بعضًا. إسرائيل مفضوحة بتجاوزاتها القانونية والأخلاقية، لكن المجتمع الدولي لا يعاقبها، هناك من يحميها. النظام السوري مفضوح أيضا بتجاوزاته، المجتمع الدولي لا يستطيع معاقبته، هناك من يحميه.
إذا كان هناك من خطوة حان أوانها في العمل على القضية السورية، فألا ننتظر شيئا من العالم، لن يتحرك من أجلنا، ولا هو في صدد إيجاد حل لها. لكن بالنظر إلى الكتلة الوازنة من السوريين في الخارج وما يتمتعون به من حرية، لا بد من القول إنهم مرشحون لإحداث نقلة بالعمل على إيجاد لوبي سوري فعال حقيقي، ومخاطبة الرأي العام، وفي الوقت نفسه الضغط لإلغاء المنصات كافة، والعمل على هيئة سياسية جامعة تضم كل أطراف المعارضة، هذا إذا كانت ثمة قناعة بسورية واحدة وموحدة.