تماماً مثل كل انتصاراته، كان على بشار الأسد أن يرسل سهيل الحسن مع كتيبة البراميل المتفجرة إلى الملعب لكي يضمن انتصار منتخب كرة القدم "السوري"، أو فريق "البراميل" -كما يطلق عليه السوريون- على الفريق اللبناني، أو أن يستعين بلاعبين من إيران، أو يطلب من المنتخب الروسي أن يلعب المباراة بدلاً عن فريقه..
الأسد وطعم الخسارة
قد يظن البعض أن وقع الخبر يمكن أن يهز الأسد أو يزعجه، فهزيمة منتخب البراميل أمام نظيره "الفينيقي" أمر مذل على مستوى السمعة الرياضية لسوريا، ولكن الأسد لا يشعر حتماً بالإهانة أو حتى بالامتعاض، وفي هذا السياق علينا ألا ننسى أن كل ما يخص سوريا لا يهم الأسد في شيء، وهل ثمة إذلال أكبر مما يحدث في سوريا يومياً من تقاسم لأراضيها وخيراتها وثرواتها، فيما الأسد لا يزال يضحك، وحينما خسر الأسد أكثر من سبعين في المئة من الأراضي السورية لم يتوقف عن الضحك أيضاً، وحتى عندما يقتل كثير من جنوده وعناصره يستمر بالضحك وكأنه يشاهد فيلماً كوميدياً، كان الأسد يضحك حتى بعد مقتل خلية الأزمة بمن فيهم صهره، وبعد كل قصف إسرائيلي للأراضي السورية يظهر الأسد ليضحك، لا شيء يجعل الأسد قلقاً إلا إذا تهدد مربعه الأمني وقصره، فما بالك بخسارة مباراة في كرة القدم.
فصل ماذا عن ماذا؟
يطرح كثير من السوريين -ومنهم معارضون وثوار وخصوم للأسد- فكرة فصل الرياضة عن السياسة، وأن علينا كسوريين في كل الأحوال أن نشجع فريقنا لأن الرياضة لا علاقة لها بالسياسة، هنا سنكون أمام خللين منهجيين وسؤالين ملحين يفرضان نفسهما، الأول: هل ثمة رياضة في سوريا فعلاً لنفصلها عن السياسة؟ هل ثمة فريق حقيقي لكرة القدم أم أن ثمة فريقاً شكلياً تتحكم فيه الوساطات والمحسوبيات، مافيا رياضية إن -توخينا الدقة- يهمها تحقيق المكاسب الشخصية ولا همَّ وطنياً أو حتى رياضياً لها، مافيا لا تهمها سمعة سوريا الرياضية، أفلا يدرك هؤلاء الداعمون لفكرة فصل الرياضة عن السياسة أن الرياضيين أنفسهم، والمنتخب نفسه لا تعنيهم سمعة سوريا الرياضية بعد أن تفسخت سمعتها السياسية والأخلاقية وباتت بحاجة لألف عطار لمحاولة إصلاح ما أفسده الأسد؟
السؤال الثاني، وهو الأكثر أهمية: هل ثمة سياسة في سوريا أصلاً؟ هل ما تفعله العصابة الحاكمة في دمشق هو سياسة؟ هل ثمة فعل سياسي واحد في كل تصرفات النظام وأفعاله وردود أفعاله؟
العسكرتاريا المافيوية..
منذ اغتصاب حافظ الأسد للسلطة في سوريا، انتهى دور السياسة فعلياً وبدأ دور العسكرتاريا، ولكن حتى الحكم العسكري يستند غالباً إلى ظهير سياسي لم يفتقده حافظ الأسد بالمطلق، بيد أنه لعب وفق سياسة العنف، سياسة القوة وليس قوة السياسة، لكن خطيئة التوريث، -وهي مقصودة بالطبع- كانت الكرت الأحمر الذي لوح به الحَكَم في وجه الشعب السوري ليخرجه خارج الملعب، كانت صافرة الحكم تلك ممزوجة بالرعب والقسوة، حيث أخرجت ما تبقى من اللاعبين الوطنيين خارج الملعب، وأعطت الكرة للوريث ليقذفها أنى شاء، بل حولت الملعب كله إلى كرة أخذ الوريث يلهو بها دون أن يحقق هدفاً واحداً لصالح البلد، وحين احتج الجمهور، حوّلها الوريث إلى كرة من لهب، إلى كرة من نار يلقي بها على من تبقّى من اللاعبين وعلى مقاعد المتفرجين، وعلى حشيش الملعب فيحول اللعبة إلى مباراة دموية أحرقت ليس الأخضر واليابس فحسب، بل أيضاً كل ما ليس بحاجة للحرق، وهذه هي فقط طبيعة الأهداف التي أدخلها الأسد الابن في مرمى سوريا ثم لم يتردد في الحديث عن انتصار كبير..
هل ثمة رياضة في سوريا فعلاً لنفصلها عن السياسة؟ هل ثمة فريق حقيقي لكرة القدم أم أن ثمة فريقاً شكلياً تتحكم فيه الوساطات والمحسوبيات
سياسة السرقة والقتل..
كل ما فعله الوريث منذ لحظة تسلّمه السلطة وحتى الآن هما أمران: السرقة والقتل، فعلان لا صلة لهما بالسياسة، ولا حتى بالرياضة، فمنذ لحظة تنصيبه سرق الوريث الملعب واللاعبين والكرة والحكام والجمهور، سرق سوريا بلا تكتيك وبلا خطة وبلا سرية، سرقها بالعلن وبقوة السلاح، وبقوة القبضة الأمنية الفجة والمباشرة والوقحة، وحولها لعيادة دموية يفقأ بها عيون مراجعيه، لم يكن لبشار الأسد أي صلة بالسياسة باستثناء كونه ابن الرئيس غير الشرعي أصلاً، واستمر يسرق ما فيها من خيرات إلى أن قرر أصحاب الدار اعتراض السارق ومحاولة إيقافه عند حده، وهنا لوّح الجراح بمبضعه في وجه أصحاب المكان الأصليين، في وجه الشعب برمته، وبدأت المجزرة التي لم تنته حتى الآن والتي لا تبدو لها من نهاية..
بعد أحد عشر عاماً من السرقة والنهب، اقترب الوريث اليوم من إكمال أحد عشر عاماً أخرى من القتل والجريمة، وفي كلا الحالين لا يحتاج الأمر للسياسة وإنما فقط للعنف والبلطجة..
لم ينتصر الأسد في يوم ما إلاّ على الضعفاء، لم يدخل معركة إلا إذا كان متفوقاً بالعدة والعتاد وكل شروط الحرب غير المتكافئة، إلا إذا ضمن نتيجة المعركة سلفاً على الخصم الضعيف، ودائماً كان الأسد يفضّلها حرباً بالصواريخ ضد العزّل، أما أن تنهال الصواريخ على سوريا من قبل عدو حقيقي، فذلك أمر لا يعنيه، لقد كان الغدر الوسيلة الوحيدة لدى الأسد، ورغم خبرته الطويلة بالغدر إلا أنه كرسه فقط للغدر بالسوريين لا بإسرائيل، ومع ذلك كله لم يحقق انتصاراً حقيقياً حتى على الضعفاء إلا من خلال الداعم.
الرياضة والليرة اللبنانية..
لم يكن لفريق لبنان لكرة القدم أن يحلم يوماً بالفوز بمباراة مع فريق آخر، أياً كان مستواه، المسألة لا تتعلق بضعف الرياضة بل بالضعف العام والإنهاك الذي وصل إليه لبنان من خلال سياسييه التابعين فعلياً للأسد، إن مستوى الرياضة في لبنان اليوم لا يقل تراجعاً عن مستوى الليرة اللبنانية، ومع ذلك كله استطاع منتخبها أن يهزم الفريق السوري، الأمر يشبه هزيمة المنتخب الوطني أمام إحدى الفرق المحلية..
لقد كانت فرصة سانحة أمام فريق النظام أو فريق البراميل لإحراز انتصار في أحد الميادين غير ذات الأهمية كميدان كرة القدم من خلال استغلال ضعف الفريق اللبناني وهشاشته ومستواه المتدني، إلا أنه لم يفلح في ذلك وأهدر الفرصة الوحيدة التي كان يمكن من خلالها أن ينتصر على فريق ما، فعلى من سينتصر فريق البراميل إن كان قد هزم أمام قرنائه اللبنانيين؟
غضب سهيل الحسن..
ربما كان ذلك مصدر الغضب الكبير الذي انتاب سهيل الحسن لأنه يصنف المنتخب اللبناني من أعداء العالم، وهو بالتأكيد غاضب ليس من الخسارة وإنما من حرمانه من فرصة إلقاء بعض البراميل على اللاعبين اللبنانيين لينصر فريق الممانعة على فريق الممانعة الآخر، صحيح أن كلا الفريقين ممانع ولكن اللبنانيين لا يجيدون استعمال البراميل وبالتالي لا حق لهم في الفوز بالمباراة.
لا رياضة في سوريا إذن ولا سياسة، فلماذا يطالب البعض بالفصل بين أمرين غير موجودين أصلاً، لأنك إن أردت أن تفصل شيئاً عن شيء آخر فلا بد من وجود الشيء والشيء الآخر، وهذه بدهية لا تغيب حتى عن سهيل الحسن..