بشار الأسد حرر الدراما وركب الاقتصاد

2024.08.23 | 06:33 دمشق

آخر تحديث: 23.08.2024 | 06:33 دمشق

4555555555555
+A
حجم الخط
-A

تغيّر وجه الدراما السورية بشكل لافت منذ وصول بشار الأسد إلى كرسي الرئاسة، أو قبل ذلك بقليل عندما دخل في مرحلة الإعداد للحكم.

قدّم النظام تسهيلات للعاملين في الدراما، وقرّب بعض النجوم من أفراد الأسرة الحاكمة، أو غض الطرف عن نصوص كانت تعتبر في السابق حساسة للنظام. وظهرت بعض شركات الإنتاج التي تنتمي عضوياً إلى السلطة أو تقيم علاقات صداقة مع المسؤولين.

لم تكن تلك التسهيلات لمجرد تقديم مادة "تنفيسية" للجمهور كما أشيع على مدار الوقت. ربما كان هذا أحد الأسباب الهامشية، أو مجرد عارض جانبي، فالنظام الذي ينتج ويصدر المخدرات بكميات هائلة، ويستهلك نسبة كبيرة منها داخلياً، لا يلقي بالاً لحال المواطن وهمومه. ولكن هذه الهموم يمكن استثمارها؛ باستخدام كاميرا حديثة، وبوجود مخرج متحمس، ومجموعة ممثلين طموحين، يمكن أن تتشكل مادة جذابة للمحطات الفضائية، ما أمّن منذ بداية الألفينات، مورداً مالياً مهماً للنظام، الذي يتفق عدد من المحللين على أنه ومنذ أواخر عهد الأب قد دخل في معضلة اقتصادية ستأخذ شكلاً متصاعداً مع الوقت.

حاول الأسد بالفعل فتح نافذة عريضة مع الولايات المتحدة، أثمرت عن زيارة تاريخية قام بها الرئيس بيل كلينتون إلى دمشق عام 1994. لكن الأسد لم يستطع في الحقيقة أن يكون رجل سلام بحسب المفهوم الأميركي.

في زمن الحرب الباردة، وفّر الاتحاد السوفيتي لبعض أنظمة المنطقة دعماً سياسياً وعسكرياً، إلى جانب الدعم المالي. ثم أدى انهيار المعسكر الشرقي إلى تضرر أنظمة عربية شعرت بأزمة تحيط بها. هرش بعض زعمائها رؤوسهم كناية عن الحيرة، واتخذ آخرون قرارات غير محسوبة، حيث دخل صدام حسين الكويت في تحرك لم ينقصه التهور وفيه الكثير من عثرات الحساب، ودفع ثمنه غالياً. أما حافظ الأسد، وبحسب الضابط المنشق عن "كي جي بي"، بافيل سترويلوف، في كتابه "ما وراء عاصفة الصحراء"، فقد استمع إلى غورباتشوف، الذي نصحه بأن يتجه نحو أميركا!

حاول الأسد بالفعل فتح نافذة عريضة مع الولايات المتحدة، أثمرت عن زيارة تاريخية قام بها الرئيس بيل كلينتون إلى دمشق عام 1994. لكن الأسد لم يستطع في الحقيقة أن يكون رجل سلام بحسب المفهوم الأميركي، وفهم أن "صداقة" الولايات المتحدة لن تكون في صالحه على المستوى الداخلي، وهو قد وضع في أولوياته توريث الحكم لابنه من بعده، وهذا دونه عقبات ومفاجآت قد تأتي من أقرب الناس إليه. كما لم يكن التقرب من الأميركيين ليحقق مكاسبَ توازي ما كان يحصل عليه من الاتحاد السوفيتي.

مهّد حافظ الأسد الطريق لابنه في وقت مبكر وبخطوات متأنية ومحسوبة وبأقل قدر من الضجة، عبر التخلص ممن أظهر أي إشارة اعتراض، وتأكد من ولاء مَن تبقى، فأطلق يد الوريث ليعيث في السلطة، كما سن مجموعة من القوانين الاقتصادية الجديدة، مترافقة مع شعارات فضفاضة كـ"مكافحة الفساد". وحمل تعيين شخص يدعى محمد مصطفى ميرو في منصب رئيس الوزراء في سياق التمهيد للوريث القادم، أملاً بتغيير حقيقي في حياة المواطنين، ما لبث أن عزله بشار لاحقاً تحت بند مكافحة الفساد ذاته.

كانت الدراما السورية يرتفع سقفها ويزداد تألقها ويتسع سوقها، وبدا تحرير الإنتاج الدرامي مفيداً في بيع المسلسلات التلفزيونية للقنوات العربية التي ملأت ساعات بثها بهموم المواطن السوري.

يحتاج نظام من هذا النوع للتمويل المستمر، وأصحاب الأعمال لم يُتركوا ليعملوا بحرية، فهذا يناقض مبدأ الدولة الشمولية. وسكان الأرياف تزايدت هجرتهم نحو المدن المزدحمة، ما دفع هذا النظام لاتخاذ خطوات جديدة، فسمح بعودة من كان يعتبرهم خصوماً، خرجوا في بداية الثمانينيات ثم عادوا من الخليج، وبعضهم رجال دين، ليسدوا ثغرة اجتماعية ومالية أخذت تتوسع في المدن والأرياف. وأطلق قانون للاستثمار، ثم تعديلات عليه، فنتجت في عهد الأسد الابن تمظهرات اقتصادية جديدة، استطاع المواطن أن يشاهدها بعينه دون أن يتمكن من التقاط خيراتها. أُطلق عليها اسم "لبرلة الاقتصاد"، هذا الشكل المشوّه لم يعتمد قانون العرض والطلب، بل التوجيه والتحكم في السوق. وسماه الباحث جمال باروت ليبرالية الحبايب والقرايب، وتم اعتماده حتى يستطيع المتنفذون الكبار حجز حصتهم من الدولارات، تفادياً لصراعات جدية بدأت تنشأ بينهم، ولتجنب الانهيار الكامل.

يترهل النظام، أي نظام، حين يستمر لفترة طويلة في الحكم، مستخدماً أفكاره التسلطية ذاتها. فالمسؤولون فيه تزداد نفقاتهم وتكبر مصالحهم، وتنشأ بينهم نزاعات تتقوى مع الزمن. واستبدال بعضهم قد ينفع في بعض المواقع، لكنه قد يؤدي إلى انتقامات خطيرة في مواضع أخرى. يضاف إلى ذلك في حالة سوريا اللطمة التي تلقاها الوريث في لبنان بعد تصادمات عديدة انتهت باغتيال رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، تلا ذلك "انتحار" الضابط الكبير غازي كنعان، وانشقاق السياسي العتيق عبد الحليم خدام. وبموازاة ذلك كانت الدراما السورية يرتفع سقفها ويزداد تألقها ويتسع سوقها، وبدا تحرير الإنتاج الدرامي مفيداً في بيع المسلسلات التلفزيونية للقنوات العربية التي ملأت ساعات بثها بهموم المواطن السوري.