المهاجرون في تركيا.. ما بين تطبيق القانون والتعامل الإنساني

2023.07.16 | 05:58 دمشق

المهاجرون في تركيا.. ما بين تطبيق القانون والتعامل الإنساني
+A
حجم الخط
-A

تشهد تركيا منذ أسابيع حملة مشدّدة لملاحقة المهاجرين غير الشرعيين، سواء ممن دخلوا تركيا بطرق غير رسمية، أو دخلوها ولكنهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية بحوزتهم لسبب ما، أو يملكون أوراقاً ثبوتية لكنهم يقيمون خارج الولاية التي حصلوا  فيها على هوية الحماية المؤقتة من السوريين.

لمحة سريعة

تعتبر هذه الحملة استكمالاً لحملة متواصلة منذ أواخر 2019، حينما بدأت وزارة الداخلية التركية بمحاولة تنظيم إقامة المهاجرين والسوريين خاصة ضمن الولايات التركية، أتبعتها بقرارات فرضت إغلاقاً على المدن الكبرى التي تستضيف عدداً كبيراً من السوريين، مثل إسطنبول وغازي عنتاب وكهرمان مرعش وغيرها.

ثم أتبعتها بقرارات تمنع إقامة السوريين والأجانب عامة في أحياء ومناطق بمدينة إسطنبول، ضمن معيار يأخذ بعين الاعتبار نسبة كثافة الأجانب/ السوريين في تلك الأحياء والمناطق.

في خضم ذلك، بدأت قوات الأمن التركية بشكل متزايد ويكاد يكون غير مسبوق مؤخراً، بملاحقة المخالفين لأيٍّ مما ذُكر أعلاه، سواء من الأجانب أو السوريين أو المهاجرين عامة من جنسيات أخرى بمن فيهم الأفغان.

ما بين تطبيق القانون والتعامل الإنساني

انطلاقاً من هذه اللمحة السريعة عن الحملة الأخيرة، لا بد من القول إن أي دولة من حقها تنظيم وجود المقيمين الأجانب على أراضيها، وهذا ما نشهده في شتى الدول، إلا أن التعامل مع الأجانب المهاجرين من دول تشهد نزاعات وصراعات يقتضي أخذ المعايير الإنسانية خلال تطبيق القوانين المتعلقة بالهجرة.

على الرغم من أن تركيا من الأطراف الموقعة على اتفاقية اللجوء في جنيف 1951، إلا أنها اشترطت قيداً جغرافياً يخص قبولها اللاجئين من دول أوروبا دون غيرهم من أي دولة خارج الاتحاد الأوروبي، وهذا ما عقّد ولا يزال إشكالية عدم التعامل مع السوريين ومن في حكمهم على أنهم "لاجئون" من قبل تركيا.

هذه الحالة رغم أنها "قانونية" ووفق ما وقعت عليه تركيا، إلا أنه يتضارب إنسانياً مع أمر واقع لا يمكن غض النظر عنه، وهو -ونحن هنا نتحدث عن السوريين خاصة- أن الوضع في سوريا لا يمكن اعتباره آمناً بشهادة وتدليل منظمات أممية.

العودة إلى سوريا "غير آمنة"

في تشرين الأول/أكتوبر أكد تقرير للجنة التحقيق الأممية الخاصة بسوريا أن "الصراع في سوريا لم ينته وأن عودة اللاجئين إلى ديارهم غير آمنة". 

وفي أيلول/سبتمبر 2022 أكدت منظمات أممية كبيرة مثل "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" أن سوريا "غير آمنة للعودة".

كما أن هناك منظمات تركية تعني بحقوق الإنسان تشاطر تلك المنظمات رأيها بخصوص إعادة السوريين إلى سوريا.

بالطبع نحن لا نتحدث هنا عن ترحيل جماعي تعسفي، بل لا يزال الأمر عند حالات فردية نشاهدها عبر مواقع التواصل، تستوجب متابعة من الناشطين الحقوقيين والمعنيين بالأمر من ممثلي المعارضة السورية السياسية التي لم ألحظ لها تعليقاً على الأمر.

في المقابل، مما بات واقعياً هو أن تركيا تتعامل مع مسألة إرسال المخالفين إلى شمال سوريا على أنها ترسلهم إلى منطقة آمنة تحظى بنفوذ تركي تمكن من "تطهير" المنطقة من تنظيمات إرهابية مثل داعش وتنظيمات أخرى تتبع حزب العمال الكردستاني "بي كي كي".

وبناء على ذلك، ترى أنقرة أن إرسال السوريين إلى هناك لا يشكل أزمة إنسانية، وهو ما يمكن فهمه من تصريح للرئيس رجب طيب أردوغان خلال حملة الانتخابات الأخيرة في أيار/مايو، وكان يشدد في ذلك الوقت على أن التعامل يجب أن يكون إنسانياً ولا يمكنه تقديم وعود بترحيل جماعي على غرار المعارضة التركية آنذاك، لكنه أشار إلى ترحيل المخالفين من تركيا.

وما بين النظرة القانونية التركية للأمر وما بين المأساة التي لا يزال يمر بها السوريون، يجب أن يكون هناك توازن إنساني، وتوجيه أفراد الأمن والشرطة إلى عدم التسرّع بإجراءات الترحيل، ومن باب أولى عدم الإجبار على الترحيل خارج نطاق القانون.

لجم العنصرية والعنصريين

من زاوية أخرى، يجدر حين تطبيق القوانين المتعلقة بالهجرة غير النظامية، هو تحقيق توازن يضمن عدم استغلال ذلك من قبل العنصريين الذين يحرضون على الكراهية على أساس العرق أو اللون أو حتى الدين.

يجب وضع آلية لردع الخطاب العنصري سواء من قبل الأحزاب السياسية، أو عبر الأفراد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الخطاب العنصري سام وهو إن كان اليوم مقتصراً على السوريين أو العرب، فإن أصحابه لن يكتفوا بذلك غداً وسيبدؤون بممارسته ضد أي أحد يختلف عنهم.

على سبيل المثال، ما أبرزه الخطاب العنصري ضد اللاجئين والسوريين خاصة خلال الحملة الانتخابية للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، من قبل رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو؛ إنما هو نابع عن حالة التراكم غير المردوع، وشحن كراهية الناس من خلال التلاعب بعواطفهم وتحريضهم ضد فئة من الناس دون محاسبة قانونية رادعة.

ولذلك وإلى جانب تعزيز الحس الإنساني بين الناس و"الجيران"، يجب تطبيق سياسة رادعة للجم الخطاب العنصري ليس ضد السوريين فقط، بل ضد أي خطاب عنصري يستهدف اختلاف الناس في عرقهم ولونهم ومذهبهم. 

احتياطات لا بد منها

أخيراً، وبناء على ما لاحظته عن قرب في عدة أمثلة من قبل بعض الأشخاص، ينبغي أخذ احتياطات لا بد منها لتفادي أي مساءلة قانونية أو موقف بغنى عنه.

على سبيل المثال، يجب حمل بطاقة الحماية المؤقتة باستمرار في العمل والشارع، وتجنّب الإقامة في مناطق/ولايات/أحياء تدخل تحت الحظر الذي أعلنته الداخلية التركية سابقاً، والاستفسار من قبل الخبراء القانونيين عن أي حالة بعينها لتفادي الوقوع في أي خطأ.