الأسد في حضرة خامنئي.. إعادة ضبط إيراني

2024.06.07 | 06:37 دمشق

65444444444444
+A
حجم الخط
-A

يقول متخصصون في الشأن الإيراني، إن تصريحات وخطابات مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي،  تعد مؤشراً على اتجاه السياسة الإيرانية في المدى القريب والمتوسط.

وانطلاقاً من هذا التوصيف، تأتي أهمية تصريحات خامنئي و"تغريداته" التي خصّ بها رأس النظام السوري، بشار الأسد، خلال استقباله له، في طهران، قبل نحو أسبوع، بوصفها مؤشراً على اتجاه السياسة الإيرانية حيال الملف السوري، في الفترة المقبلة.

وقد يكون أبرز ما ميّز هذه التصريحات و"التغريدات"، تلك العلنية التي تقصّد النظام الإيراني تحقيقها، عبر إعلامه الرسمي، وعبر موقع "إكس" أيضاً. وفي حين تجاهلَ إعلام النظام تماماً تلك العبارات التي نُقلت عن خامنئي، بما تحتويه من توجيهات، كان الإعلام الإيراني ينقل عبارة ثقيلة الوطأة، على "مقام" رأس النظام، يقول فيها الأسد لـ خامنئي: "إن العلاقات الإيرانية السورية استراتيجية وتتقدم وتسير بتوجيهات فخامتكم وسيادتكم".

تلك العلنية، وهذا "الامتثال" المنقول عن الأسد وفق الإعلام الإيراني، يُمثّل رسائل لأطراف عربية – خليجية، وغربية، بأن النظام الإيراني يملك قدرة إعادة ضبط الأسد كي يتحرك وفق منظور المصلحة الإيرانية، وبما لا يتناقض معها. إذ كان يمكن لـ خامنئي أن يعظَ الأسد بضرورة الحفاظ على "هوية" سوريا "المقاومة"، وأن يحذّره من الإنصات للـ "الوعود" التي يقدّمها الغرب وحلفاؤه، والهادفة لإخراج سوريا "من معادلات المنطقة"، وذلك في حديث خاص غير معلن، بين الرجلين.

وعلى النقيض من تصريحات وزير خارجية النظام، فيصل مقداد، خلال استقباله القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، في دمشق، مؤخراً، حينما نفى صحة "كل ما يشاع عن توتر أو خلاف" بين النظام وطهران، تشكّل تصريحات و"تغريدات" خامنئي في أثناء استقبال الأسد، مؤشراً لا يقبل الجدل، بأن التوتر والخلاف بين الطرفين طفا إلى السطح، وبات يستلزم ضبطاً من الجانب الإيراني وفق رؤية طهران.

إيران لا تمانع أساساً انفتاح العرب على الأسد، بل تشجعه. لكن شريطة ألا ينعكس تراجعاً لنفوذها عليه.

من مؤشرات هذا التوتر، ذاك الهجوم الذي شنته صحف إيرانية، على النظام السوري، من جراء موافقته على البيان الختامي للقمة العربية في البحرين، والذي تضمن إدانةً لاحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث. وهو ما جاء بعد أسابيع من تصريحات صادمة وغير مسبوقة للناشط الموالي، بشار برهوم، وصف فيها إيران بأنها العدو الأول للسوريين، محمّلاً إياها مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في سوريا، قبل أن يتم إخفاء صوته تماماً، مما يؤكد أن الضوء الأخضر الذي منحه إياه النظام سابقاً، للحديث بهذه النبرة المرتفعة عن إيران، قد اختفى، في مؤشرٍ آخر على استخدام الإيرانيين لنفوذهم، بغية إعادة ضبط حليفهم السوري.

تصريحات خامنئي، جاءت بعيد مبادرة سعودية جديدة للتجاوب مع النظام السوري، إثر لقاء ولي العهد السعودي مع الأسد، على هامش قمة البحرين، والذي تلاه تعيين سفير سعودي بدمشق، وفتح المجال أمام الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين. كما ويأتي بعد استقبال العاصمة السورية لرئيس المخابرات الإيطالية، على خلفية مساعي دول في شرقي وجنوبي أوروبا، لاختبار مسار تفاهم ما مع الأسد، للحد من هجرة السوريين غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي.

كما وتأتي بعيد امتناع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن توقيع مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، في رسالة حسن نيّة من جانب الإدارة الأميركية باتجاه النظام السوري، من دون أن ننسى ما كشف عنه الأسد، قبل نحو شهر ونيف، عن وجود لقاءات بين النظام والأميركيين، تجري بين الحين والآخر، من دون الوصول إلى شيء –حتى الآن-.

لكن، كل ما سبق، لا يمكن أن يزعج الإيرانيين إلى حدّ الخروج بتصريحات علنية تكشف عن هذا الانزعاج، لو لم تكن طهران قد استشعرت أن مساعي رأس النظام السوري للتجاوب النسبي مع الانفتاح العربي وبعض الأوروبي عليه، قد تضرّ بمصالحها، وقد تخرج خارج الإطار الذي تقبل به.

مع الإشارة إلى أن إيران لا تمانع أساساً انفتاح العرب على الأسد، بل تشجعه. لكن شريطة ألا ينعكس تراجعاً لنفوذها عليه.

لكن كيف يمكن قراءة تلك التصريحات و"التغريدات" لـ خامنئي، بوصفها مؤشراً لسياسة إيران تجاه سوريا، في الفترة المقبلة؟ يقول الدكتور باتريك كلاوسون، مستشار الأبحاث ومدير "برنامج (فيتيربي) على إيران والسياسة الأميركية" في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "طوال الأشهر الأخيرة، أظهرت خطابات خامنئي المتكررة، والتي تُعَدّ أفضل مؤشرٍ على اتجاه السياسة الإيرانية، درجةً كبيرةً من الرضا، وليس القلق بشأن العقوبات أو التضخم أو غيرها من المشكلات. فهو يعتبر أنه يجب مواصلة الضغط على الغرب وإسرائيل في الوقت الحالي لأنهما معزولان وخاسران".

لجأ خامنئي إلى رسائل علنية مُحرِجَة للأسد، هذه المرة. تؤشر هذه الخطوة إلى جدّية النظام الإيراني، في ضمان يده العليا على "حليفه السوري".

ووفق هذا التحليل، يمكن فهم أحد مصادر الاستياء الرئيسية لدى خامنئي، من جراء محاولات نظام الأسد "النأي بالنفس" بعيداً عن الحرب الدائرة في غزة، وإبداء عدم الرغبة بالانخراط في رد فعل المحور المحسوب على إيران، في المنطقة. مضافاً إليه، ريبة طهران المعلنة حيال تورط أجهزة النظام الأمنية في تسهيل المهمة على إسرائيل خلال عملياتها لاستهداف المستشارين الإيرانيين الناشطين على الأراضي السورية.

وفي حين لجأ خامنئي إلى رسائلَ علنية مُحرِجَة للأسد، هذه المرة. تؤشر هذه الخطوة إلى جدّية النظام الإيراني في ضمان يده العليا على "حليفه السوري"، مما يعني أن على الأسد أن يسير بحذر شديد، وعلى حبال ضيقة للغاية، بين طهران، وبين دول عربية وأخرى غربية، تفتح له أبواب انفراجات سياسية واقتصادية تخدم مصالح نظامه على المدى البعيد.