الأسد بلا تأثير لوجستي في حرب محتملة بين حزب الله وإسرائيل

2024.07.01 | 06:11 دمشق

حزب الله
+A
حجم الخط
-A

في الأيام الأخيرة، اهتمت بعض الأقلام التحليلية بتقديم إجابة لتساؤل فرضه ارتفاع احتمالية اندلاع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل. ما الموقف المرتقب لنظام بشار الأسد من هكذا حرب؟ وانحصرت معظم الإجابات في اتجاه واحد مفاده أن الأسد سيواصل سياسة النأي بالنفس التي اعتمدها بعيد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة. لكن تلك التحليلات لم تقدّم تشريحاً واقعياً لقدرة الأسد على التأثير في هكذا حدث، تحديداً، من الجانب اللوجستي.

من أبرز الكتابات بهذا الخصوص، تحليلان نشرتهما مجلة "المجلة" السعودية. الأول للباحث في مركز "تشاتام هاوس" بلندن، حايد حايد، بعنوان: "هل سيدعم الأسد (حزب الله) في حرب شاملة مع إسرائيل؟". وقد فصّل الباحث سؤاله الأساسي في سؤالين فرعيين: "هل سيقدم الأسد ثانية لـ(الحزب) دعماً عسكرياً ولوجستياً كالذي قدمه له في الصراع مع إسرائيل في حرب يوليو/تموز 2006؟". و"هل يمكن أن يصل هذا الدعم إلى حد فتح جبهة داعمة؟ أم إنه سيحافظ على موقف أكثر حيادية، كالذي رأيناه في حرب غزة؟". ويجيب الباحث بالقول: "إذا تُرك القرار للأسد،.. فمن المحتمل أن يتحاشى أي دور له في الخطوط الأمامية، وسيركز بدلاً من ذلك على تسهيل الدعم العسكري الإيراني لـ(الحزب)".

التحليل الثاني الذي نشرته "المجلة"، كان لرئيس تحريرها، إبراهيم حميدي، بعنوان: "الأسد و"حزب الله"... 2024 ليست 2006"، يخلص فيه حميدي إلى أن "كل المؤشرات ترجح بأن يكون موقف دمشق امتداداً لموقفها من الهجوم على غزة، ومختلفاً عن موقفها من حرب لبنان قبل 18 سنة. لكنها ستتعرض إلى ضغوط إيرانية أكثر، لكي تتدخل وتسهّل وصول السلاح إلى (الحزب)".

يستند التحليلان إلى فرضية مفادها، قدرة نظام الأسد على التحكم في الدعم اللوجستي العابر عبر الأراضي الخاضعة –نظرياً – لسيطرته، وصولاً إلى حزب الله في لبنان. وبالقياس إلى ما حدث خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد كثّفت إسرائيل استهدافاتها للأصول والمواقع الإيرانية في سوريا، ولمطَارَي دمشق وحلب، لكونهما أحد مسارات تمرير الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله. وهو ما قاله مباشرةً، وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في شباط/فبراير الفائت، حينما تحدث عن تسريع تمرير شحنات الأسلحة من إيران إلى حزب الله عبر سوريا، منذ بدء الحرب في غزة، عن طريق البرّ، باستخدام الحدود السورية اللبنانية، التي يسهل اختراقها، وكذلك عن طريق الجو والبحر.

وفي السياق، يمكن الإشارة إلى تقرير نشره مركز الخليج للدراسات الإيرانية، في أيار/مايو الفائت، يستعرض مواقع سيطرة حزب الله في سوريا، البالغ عددها 114. 38 موقعاً منها في محافظة حلب، و60 أخرى في مناطق القلمون والحرمون على الحدود بين سوريا ولبنان.

ويشير التقرير إلى شبكات أنفاق وطرق حصرية للحزب في تلك الجغرافيا المهمة، والتي قاتل الحزب بشراسة –في القصير-بغية السيطرة عليها. وهي سيطرة ما تزال قائمة حتى اليوم. ناهيك عن وجود الحزب في دمشق وريفها، وفي دير الزور والسويداء أيضاً، وكذلك في درعا. ووفق تحليل المركز، فإن انتشار الحزب يشير إلى رغبته في ضمان عدم إقصائه خارج سوريا، في حال حصول أي تفاهم. في إشارة إلى عدم ثقة الحزب بنظام الأسد.

هل يملك نظام الأسد -وتحديداً، رأس النظام، بشار- القدرة على منع تمرير الأسلحة والذخائر عبر الأراضي التي يسيطر عليها – نظرياً- إلى حزب الله، لو أراد؟

وفي أيار/مايو الفائت، أشارت مصادر إعلامية إلى محاولة من جانب "قوة الرضوان" –قوات النخبة في حزب الله- لإعادة التموضع في سوريا، وتحويل جزء من بنيتها التحتية إليها. وقبل ذلك بثلاثة أشهر، أعلن حزب الله عن مقتل أحد قياديه في غارة إسرائيلية بمنطقة القصير السورية. وكلنا نذكر المعلومات المتواترة التي تم تداولها، في الأيام التالية لاندلاع الحرب على غزة في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، حول تحشيد كبير قامت به الميليشيات الإيرانية في سوريا، على طول الشريط في جبهة الجولان المحتل. والمعلومات التي ذكرها، حينذاك، موقع "صوت العاصمة" المحلي، نقلاً عن مصادر أمنية، بأن مجموعات من "قوة الرضوان" التابعة لحزب الله، وصلت خلال 24 ساعة –من بدء حرب غزة- إلى الأراضي السورية، وانتشرت بمحاذاة الشريط الحدودي مع الكيان الإسرائيلي.

وفي آب/أغسطس الفائت، نشر مركز "جسور" للدراسات، تقريراً بحثياً تضمن خرائط ورسوماً تحليلية، لأعداد وأماكن القواعد والنقاط العسكرية الأجنبية في سوريا. ووفق البيانات التي عرضها المركز بالتعاون مع مؤسسة "إنفورماجين لتحليل البيانات"، فهناك 830 قاعدة ونقطة عسكرية أجنبية في سوريا حتى منتصف 2023، القسم الأكبر منها لإيران، بعدد 570 قاعدة ونقطة عسكرية.

العرض المكثّف السابق يدفعنا للتساؤل، هل يملك نظام الأسد -وتحديداً، رأس النظام، بشار- القدرة على منع تمرير الأسلحة والذخائر عبر الأراضي التي يسيطر عليها – نظرياً- إلى حزب الله، لو أراد؟ بالقياس لردّة الفعل الإسرائيلية بعيد بدء حرب غزة، والمتمثّلة بتكثيف الاستهدافات للأصول والمواقع الإيرانية والتابعة لحزب الله في سوريا، نخلص إلى أن تأثير الأسد هامشيّ بهذا الخصوص. إحدى الحيثيات المتعلّقة بهذا الملف، تلك النظرية التي تقول إن النظام سهّل الاستهدافات الإسرائيلية لأصول وموارد إيران في سوريا، بأدوات استخبارية. أو إن إسرائيل تملك نفاذاً قوياً داخل أجهزة النظام الأمنية. وهذه النظرية تبقى غير مثبتة بعد، إذ قد تكون الاختراقات الأمنية الإسرائيلية لا تتم بإرادة الأسد أساساً، بل نتيجة ضعف مناعة أجهزته الأمنية أمام الاختراق الخارجي. كما أن الاختراقات قد تكون أيضاً في الجانب الإيراني نفسه، وحتى داخل منظومة حزب الله الأمنية. وسلسلة التصفيات التي قامت بها إسرائيل لكوادر قيادية في حزب الله على الأراضي اللبنانية، خلال الأشهر الثمانية الماضية، وآخرهم طالب سامي عبد الله، والذي قُتل خلال اجتماع "سرّي" في عمق الجنوب اللبناني، تدُل على ذلك.

خلاصة القول، يبدو الحديث عن دور للأسد في التحكم بحركة الدعم الإيراني لحزب الله، عبر الأراضي السورية، يستند إلى قياسٍ قديم، لقدراته في العام 2006، حينما لعب –بالفعل- دوراً نوعياً في دعم الحزب لوجستياً. لكن المشهد اليوم مختلف تماماً. فالأسد حتى لو أراد أن يلجم الدعم الإيراني عبر الأراضي السورية لحزب الله، فهو لا يملك الموارد الكافية لذلك، وفق مؤشرات ما حدث بعيد اندلاع حرب غزة. وبالاستناد إلى ما يتوافر لدينا من معطيات عن انتشار وتمركز الميليشيات المرتبطة بإيران، على الأراضي السورية.