إحاطة إلى مجلس الأمن مخيبة وخالية من نقد انتخابات مجلس الشعب من قبل المبعوث الأممي إلى سوريا
في عام 1963 سيطر حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في سوريا، ومنذ ذلك التاريخ لم ينافسه أي حزب آخر، على الرغم من كل الكوارث السياسية والاقتصادية التي أصابت الدولة السورية، والتي يعتبر هو المسؤول الأول سياسياً عنها، وفي عام 1971 وصل حافظ الأسد إلى السلطة، وبقي مرشح حزب البعث الأوحد على مدى ثلاثين عاماً حتى وفاته.
هذا الحزب الذي طالما ادعى أنَّ لديه قواعد شعبية بالملايين، وهذا دليل على امتطاء عائلة الأسد لحزب البعث، وأنه ليس أكثر من حزب غوغائي فاشل، ولقد كان المؤشر الأعظم على مدى هزالة وفراغ هذا الحزب هو عدم وجود أي فرد من أفراده ليحلَّ مكان حافظ الأسد عندما توفي في عام 2000، ولم يكتف حزب البعث بأن رشح ابنه بشار الأسد في عملية توريث للسلطة في دولة جمهورية، بل إن هذا الحزب المهيمن على مجلس الشعب قد قام بتعديل الدستور لأن عمر بشار الأسد كان 34 عاماً فقط، أي أنه لا يصلح لاستلام رئاسة الجمهورية، وذلك وفقاً للمادة 83 من دستور 1973 حيث يشترط أن يكون عمر رئيس الجمهورية أربعين عاماً، فتمَّ تعديل الدستور وتخفيض عمر رئيس الجمهورية ليلائم بشار الأسد، وهذا يؤكد مدى هيمنة عائلة الأسد على حزب البعث، وأنَّه مجرد مطية منحطة تخدم أجندة السلطة الحاكمة مهما كانت معادية للمجتمع والدولة.
حزب البعث فاز في جميع الانتخابات حتى بعد التعديل الشكلي للدستور:
لقد قمعت عائلة الأسد كافة أشكال العمل الحزبي المعارض لها، وتم تشكيل كتلة هلامية من عدة أحزاب، لإعطاء صورة شكلية، أطلق عليها اسم "الجبهة الوطنية التقدمية"، وكان حزب البعث العربي الاشتراكي هو عمودها الفقري والمتحكم الفعلي بها، وقام حافظ الأسد بشرعنة الدكتاتورية والطغيان عبر نصٍّ دستوري، فقد نصَّت المادة الثامنة من دستور 1973 على أن هذا الحزب هو قائد الدولة والمجتمع، وتنبع متلازمة سيطرة عائلة الأسد على مقاليد الحكم في سوريا من اعتبار أن رئيس الجمهورية هو الأمين العام لحزب البعث في سوريا، وهو حافظ ثم بشار الأسد، وقد استمرت هذه المادة، التي تخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية حتى دستور شباط/ 2012، الذي قام بتغييرها نصيَّاً فقط، أما تطبيقها على أرض الواقع فلم يختلف في شيء، فقد بقي حزب البعث مسيطراً، وبقي الأمين العام من عائلة الأسد وليس أي فرد آخر في الحزب، وسيطر حزب البعث على غالبية ثلثي المقاعد في جميع الانتخابات البرلمانية التي حصلت بعد الثورة السورية، في انتخابات 2012، 2016، 2020.
قمعت عائلة الأسد كافة أشكال العمل الحزبي المعارض لها، وتم تشكيل كتلة هلامية من عدة أحزاب، لإعطاء صورة شكلية، أطلق عليها اسم "الجبهة الوطنية التقدمية"
وهذا المجلس كان منذ عقود ولا يزال أحد أدوات السلطة، ومؤسسة خادمة لها يستخدمها كيفما يريد ويصدر من خلالها القوانين التي يرغب بها، وقد عجز هذا المجلس عن إقالة وزير أو تعطيل عمل حكومة، أو محاسبة أحد من عناصر الأمن أو الجيش وبشكل خاص بعد ما تعرض له الشعب السوري من انتهاكات كثيفة بعد آذار/ 2011، وتشرَّد قسرياً قرابة 13 مليون مواطن سوري، واستخدمت الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، وتدهور الاقتصاد السوري وأصبح أكثر من 85 % من السوريين تحت خط الفقر، وبلغ التعذيب والاختفاء القسري الذي مارسته الأجهزة الأمنية مستوى الجرائم ضدَّ الإنسانية بحسب عدد كبير من التقارير الأممية، وعلى الرغم من كل ذلك، ما زال حزب البعث ينجح في انتخابات يفترض أنها تمثل الشَّعب، وما زال مرشحه الوحيد هو بشار وفي حال وفاته فغالباً سوف يرشِّح هذا الحزب الخادم المطيع لعائلة الأسد ابنه حافظ، بل إنه على استعداد لتعديل عمر رئيس الجمهورية في الدستور ليوافق عمر حافظ مهما يكن قد بلغ في حينها.
إحاطة المبعوث الأممي مخيبة للآمال وتشجع النظام على إنهاء العملية السياسية:
يُقدِّم المبعوث الدولي إلى سوريا إحاطات دورية إلى مجلس الأمن الدولي، وضمن إحاطته الأخيرة في 19/ آب/ 2020 عرض أبرز الأحداث والمجريات في سوريا، وتحدث عن أهمية عقد لقاء اللجنة الدستورية المصغرة بتاريخ 24/ آب/ 2020، وذلك بعد توقف دام تسعة أشهر (أي منذ ما قبل جائحة فيروس كورونا المستجد)، وقد انتظرت منه كمواطن وحقوقي سوري تعقيباً ورأياً واضحاً في انتخابات مجلس الشعب التي أجراها النظام السوري في 19/ تموز/ 2020، لكونها واحدة من أهم وأخطر المجريات التي حدثت على الساحة السورية في الفترة الماضية، ولأنها شديدة الصلة بعمل المبعوث الأممي وبمسار العملية السياسية بما فيه اجتماع اللجنة الدستورية القادم.
ولقد دفعت التضحيات الباهظة للسوريين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية مجلس الأمن لإصدار قرارات ترسم مسيرة انتقال سياسي نحو الاستقرار والتغيير في سوريا، وذلك في كل من بيان جنيف 1، الذي تمَّ تضمينه في قرار مجلس الأمن رقم 2118 في أيلول/ 2013، وقرار مجلس الأمن رقم 2254 في كانون الأول/ 2015، وهذه القرارات تنصُّ بشكل واضح على طريقة حلِّ النزاع المسلح الداخلي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من قبل كل من النظام والمعارضة، تضع دستوراً جديداً، ثم بناءً على هذا الدستور يتم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وحتى وإن فشل المجتمع الدولي وكافة مبعوثي الأمم المتحدة في الوصول إلى انتقال سياسي طوال تلك السنوات، فإن هذا لا يبيح للنظام السوري تجاوز قرارات مجلس الأمن الدولي وإجراء انتخابات بصورة انفرادية، إنها انتخابات غير شرعية، تنتهك قرارات مجلس الأمن، والعملية السياسية، وجرت تحت قوة السلاح المتجسدة في سيطرة الأجهزة الأمنية.
ثم، ما هي جدوى مشاركة النظام في العملية السياسية ومحادثات اللجنة الدستورية، حيث أنه قد مضى منفرداً في إجراء انتخابات برلمانية، نجح فيها الحزب الذي تسيطر عليه عائلة الأسد، والأسوأ من ذلك أن هذا النجاح قد قوبل بردة فعل معدومة من مجلس الأمن، ومن المبعوث الدولي؛ مما يعني تشجيعاً للنظام على المضي قدماً وإجراء انتخابات رئاسية تحت سطوة الأجهزة الأمنية الوحشية، وهي انتخابات محسومة النتيجة منذ الآن بفوز بشار الأسد المرشح الأوحد لحزب البعث صاحب الملايين من الكوادر الوهمية، والتي سيعقبها إعلان بشار الأسد إنهاء العملية السياسية وسحب مشاركته بها.
مجلس حرب ربع أعضائه من المتورطين بجرائم حرب وجرائم ضدَّ الإنسانية:
تعقيباً على هذه الانتخابات أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً تحدثت فيه أنه وفقاً لقاعدة البيانات لديها فإن 56 عضواً من أعضاء مجلس الشعب الذين فازوا في الانتخابات مؤخراً متورطون بشكل مباشر في ارتكاب انتهاكات يُشكِّل بعض منها جرائم ضدَّ الإنسانية، أي قرابة ربع أعضاء المجلس، وهذا يؤكد على أن هذا المجلس هو مجلس حرب، وأن النظام السوري لم يَعد يعنيه كثيراً الحصول على غطاء ولو كان شكلياً من بعض أعضاء مجلس الشعب، إنه يقول بأنه سوف يختار وينتقي من يقاتل في سبيله ومعه مهما كلف الثمن.
لا خلاص للسوريين بدون انتقال سياسي والنظام عقبة كبرى:
لقد توسُّعت الانقسامات الشاقولية الحادة التي أصابت المجتمع بعد الحراك الشعبي نحو الديمقراطية، فقد طالب جزء من المجتمع بتغيير النظام السوري وحكم عائلة الأسد، ووقف جزء آخر من المجتمع مع النظام وساهم في ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية، ويستحيل بناء عقد اجتماعي في ظلِّ بقاء عائلة الأسد والأجهزة الأمنية، فهي أعظم مصادر النزاع المجتمعي.
لهذا فقد كان يتوجب على المبعوث الأممي أن يدين بشكل واضح الانتخابات الهزلية التي أجراها النظام، وأن يطالب مجلس الأمن بإصدار قرار يدين تلك الانتخابات أحادية الجانب، ويتضمَّن عبارات تهديد واضحة في حال المضي قدماً والبناء عليها للنجاح في الانتخابات الرئاسية، وهذا ما لم يحصل، وبالتالي فالنظام غاية في السعادة، لقد خرق قرارات مجلس الأمن الخاصة بالعملية السياسية وأنجزَ خطوته التأسيسية نحو الانتخابات الرئاسية، ولم يتعرض لمجرد إشارة إليها أو توبيخ على إقامتها، وكأنه لم يفعل شيئاً يستحق الذكر.