أوميت أوزداغ وحملات التحريض ضد اللاجئين في تركيا

2022.05.09 | 06:47 دمشق

qayd-alqwt-albhryt-fy-alhrs-althwry-almyd-ly-rda-tnghsyry.jpg
+A
حجم الخط
-A

نتابع في الآونة الأخيرة حملة غير مسبوقة في تركيا تستهدف اللاجئين والسوريين على وجه التحديد، تتولى زمامَها حساباتٌ عبر موقع تويتر، تنشر معلومات مضلّلة ومشاهد جلّها لا تعود لسوريين، بينما تقول الحكومة التركية إن معظم تلك الحسابات مزيّف وآلي (روبوت).

ونحن نتابع ذلك علينا أن نضع بعين الاعتبار أن تركيا تستضيف نحو 5 ملايين لاجئ من شتى الجنسيات معظمهم سوريون، وهو رقم يمكن أن تراه المعارضة التركية المُغرمة بالأسد بمنزلة عملة صعبة تفتح شهيتها لمواصلة استهداف الحكومة وإنقاص رصيدها، بينما يقترب موعد الانتخابات المقبلة في حزيران/يونيو 2023.

الفرق بين ممارسة المعارضة والتحريض

بادئ الأمر نعم كان الوضع عبارة عن استخدامنا نحن السوريين كورقة ضغط على الحكومة في ضوء التنافس السياسي الحاصل، لكن ما يجري اليوم مختلف عن هذا النمط في الحقيقة، وهو يرقى إلى درجة التحريض ضد جمهور أو مجتمع بكامله إلى حد الإفناء.

انتقاد الحكومة من حين لآخر بسبب بعض الجوانب السلبية في تعاملها مع سياسة الهجرة واللاجئين، يعدّ أمراً طبيعياً يحصل في أي بلد ديمقراطي، حتى ولو وصل الأمر للاستشهاد ببعض المعلومات الكاذبة التي يمكن تفنيدها سريعاً مثل دخول السوريين الجامعات مجاناً وما شابه.

لكن الشيء الذي يفوق كل ذلك وخارج نطاق الطبيعة والمعقول، هو تزيين الكراهية وتجميلها، وصبغها بقيم الوطنية والقومية، وتوجيه الشارع وشحنه بالعداء ضد أناس مدنيين يشاركونهم المجتمع ذاته، وفوقها ممارسة ذلك تحت مظلة السياسة ومن شخص يُفترض أنه أكاديمي وبرلمانيّ مثل المدعوّ أوميت أوزداغ مؤسس حزب النصر المعارض.

أوزداغ طُرد من حزب الحركة القومية في السابق ثم عاد إليه لينشق منه مع ميرال أكشنار ويدخل معها في حزب الجيد في 2017، لكنه سرعان ما انقلب على هذا الحزب أيضاً واتجه نحو تأسيس حزبه الخاص في 2021.

من اللافت أن يكون شعار حزب أوميت أوزداغ هو طرد اللاجئين حينما يفوز الحزب بالسلطة، لكن حتى هذا الشعار يُخبرنا كثيرا عن عُقد الأكاديمي المتطرف وحاجته للعب على وتر غير موجود لدى بقية الحزب، حتى يتمكن من تحصين حزبه الجديد وإكسابه أصواتاً كثيرة.

الأمر إذن يتعلق بكسب أصوات؟ نعم، وهو في هذه النقطة لا يختلف عن المتطرف الهولندي خيرت فيلدرز، ولا المتطرفة الفرنسية مارين لوبان، الأول يرى اللاجئين السبب وراء كل المشكلات، والأخيرَان يريان المسلمين سبباً لكل المشكلات، وجميعهم في نهاية المطاف يلعبون على هذا الوتر لكسب أصوات ساخطة من الحكومة وتريد تعليق غضبها على أي شمّاعة. 

يقول أوزداغ في إحدى المقابلات في شباط/فبراير إن حزبه يتمتع بنسبة 3.7% من الأصوات، بيد أن جميع شركات استطلاع الرأي على اختلافها لا تمنحه أكثر من 0.5% كأعلى سقف.

هذه العقدة باعتقادي لها دور كبير في تركيز أوزداغ على ملف واحد هو اللاجئون، وتصويرهم على أنهم محتلون، ناهيك عن عقد و"ألغاز" دفعت وزير الداخلية التركي سليمان صويلو لاتهام أوزداغ بأنه رجل مخابرات.

قراءة مجرّدة للحملة ضد اللاجئين

بعيداً عن أي إسقاطات أو فرض أحكام مسبقة، حاولت وضع نفسي مكان أوزداغ ومن مثله، والنظر إلى مسألة اللاجئين بطريقة مجردة من العواطف، وطرحت السؤال الآتي: هل المسألة فعلاً بهذه الخطورة؟

حينما يتحدث أوزداغ بهذه الطريقة الشعبوية يبدو وكأن الخطر على الأبواب، أو كأن السوريين ذئاب تثير الرعب أو فيروس منتشر يجب الوقاية منه. نعم هناك أحداث فردية وتصرفات سيئة يجب أن يكون السوريون أكثر حساسية لها خاصة فيما يتعلق بثقافة المجتمع التركي، علينا احترام ذلك، لكن الأمر لا يصل بالتأكيد إلى مستوى هذا الخطاب التحريضي المعادي للاجئين والأجانب عموماً.

هذا التوصيف يمكن أن نفهم من خلاله أن اللاجئين بحد ذاتهم ليسوا الدافع الوحيد لخطاب أوزداغ وغيره. بل هناك أسباب أخرى يمكن استعراضها سريعاً كالآتي:

 

  1. القومية التي تصل إلى حد العنصرية، لا سيما إن كانت تعتمد على خلفيات تاريخية خاطئة ترى العرب عبارة عن خونة وأبناء صحراء غير متحضرين، وللأسف هذا التفكير لا يزال موجوداً في شريحة لا بأس بها بين الأتراك.
  2. تحصيل مكاسب سياسية، ويبدو اللاجئون هنا ورقة رابحة لزيادة رصيد الأحزاب لا سيما الصغيرة مثل حزب أوزداغ، خاصة أنها لا تمتلك برامج واضحة بعد؛ ولذا فهي تحتاج إلى أجندة ثريّة يمكن أن تحظى من خلالها بتأييد الشارع.
  3. خلق هوية سياسية، وهذه النقطة تنطبق على أوزداغ أكثر من غيره، فهو يحصر كل مجالات اهتمامه بدائرة اللاجئين فحسب، علماً أنه يعلم حق اليقين أنهم لا يسببون له أي ضرر ولن يتسببوا كذلك بأي ضرر حقيقي يهدد المجتمع على المدى البعيد، لا سيما أننا نتحدث عن دولة مثل تركيا تتمتع بتاريخ طويل وقومية متينة وقوة أمنية حازمة، والأمثلة المشابهة في دول مشابهة لتركيا مثل ألمانيا وفرنسا تخبرنا بهذه الحقيقة. لكن الأمر بالنسبة لأوزداغ هو خلق شعار خاص به ومركز انطلاق لحشد الناس حوله.
  4. أهداف غير شريفة، وكلامي هنا عامّ لا يتهم أحداً ولا يخصّ أحداً، وما أقصده هنا هو أن الممارسات التحريضية بهذا الشكل ربما تهدف بشكل مباشر أو غير مباشر، بحسن نية أو لا؛ إلى إحداث فوضى يمكن أن تصل إلى صراع داخلي بين شريحتين من الناس، لا سيما أننا نتحدث عن فئة مستضعفة مهاجرة من بلدهما كرهاً لا طوعاً.
    ومن ضمن هذه الأهداف التأثير على سمعة تركيا وتصوير الأتراك كلهم على أنهم عنصريون، بشكل يمنع الأجانب من قصد تركيا للسياحة والزيارة، وهو ما عناه وزير الداخلية التركي صويلو في لقائه التلفزيوني مؤخراً، وخص بذلك السياح العرب والقادمين من مناطق الشرق الأوسط.

توقيت هذه الحملة

شخصياً لا أعتبر أن هذه الحملة بريئة، لا سيما أن الوضع أصلاً لا يوحي بخطر مُنذر من قبل اللاجئين، لكن ما يجري يتزامن مع تحضير الحكومة التركية للانتخابات المقبلة وهي انتخابات ستكون مصيرية بالنسبة لأردوغان والعدالة والتنمية، والحديث بكثرة عن هذه الأمور في هذه المرحلة من شأنه ضعضعة جناح الحكومة قبيل الانتخابات، لا سيما أن حليفها هو حزب الحركة القومية.

من جانب آخر، نتابع تطورات السياسة الخارجية التي بدأت منذ العام الماضي، والتغيرات التي طرأت في العلاقات مع بعض الدول، وهو ما تعاملت معه المعارضة على أنه سحب البساط من تحتها وفرّغ مفعول البطاقة التي لا تكف عن استخدامها من حيث أن تركيا خسرت محطيها وجوارها وعلاقاتها مع الدول، ومن اللافت أن تنتقد المعارضة ذاتها اليوم الحكومةَ بسبب تطبيعها العلاقات مع بعض الدول، في تناقض محيّر.

إضافة إلى ما سبق، لا أستبعد شخصياً أن تكون للأسد يدٌ فيما يجري داخل تركيا، فشيطان مخابرات هذا النظام لم يمت بعد، ومن مصلحته أن تشهد تركيا مثل هذه الفوضى فيما يتعلق بالسوريين، في محاولة للضغط عليها لترك الملف السوري والانسحاب من الأراضي السورية والاعتراف به نظاماً شرعياً والتعامل معه بشكل مباشر وأخذ التعهدات منه، إلى غير ذلك من أسباب من المرجح أن تكون من مصلحته.

أخيراً من الممكن أن تكون هذه الحملات سبباً رئيسياً لبحث مئات آلاف السوريين عن بديل خارج تركيا، في ظل إعلان الحكومة التركية عن مشروع ضخم لتوطين مليون سوري في شمال سوريا بشكل "طوعي"، وربما هذه الأجواء المزعجة لكرامة ونفسية أي إنسان تدفع بعددٍ لا بأس بهم للبحث عن مكان آمن داخل بلادهم وإن كان ذلك على مَضض.