100 يورو أبرز أسباب الطلاق لدى شريحة كبيرة من اللاجئين السوريين

2024.07.13 | 06:38 دمشق

64555555555
+A
حجم الخط
-A

يعدّ الطلاق أحد أبرز الظواهر التي باتت تتسم بها حالة العائلات السورية في أوروبا، وتكمن خلف شيوعه وتحوله لظاهرة لافتة لها أسباب كثيرة أحد أبرزها الخلافات المادية، وطريقة إدارة راتب المساعدة الاجتماعية لدى الجيل الأول من الأزواج اللاجئين.

يحدثني صديق يعمل في مجال اللجوء وعلى التصاق يومي بشؤون العائلة السورية اللاجئة أنه في المدينة التي يعمل فيها يكاد لا يمر يوم إلا وتمر معه حالة طلاق، والسبب الرئيسي هو عدم التوصل إلى حلول مرضية للطرفين نتيجة عنادهما وتمسك كل منهما برأيه.

ويتابع الصديق أن الطرفين كليهما يتحملان المسؤولية، فالرجل لا يريد أن يتخلى عن "سلطته التاريخية في إدارة المال" والمرأة تريد أن تكون متساوية معه في إدارة الشأن المالي، بعد أن سمح لها القانون بذلك وذهبت بلا رجعة أيام القمع الاجتماعي ونظرية "العيب".

راتب المساعدة الاجتماعية التي يحصل عليها اللاجئون في السنوات الأولى من وجودهم في البلدان الجديدة راتب ضعيف جداً إذ لا يتجاوز ما يتبقى منه الخمسمئة يورو بعد أن يتم سداد الالتزامات الثابتة من ماء وكهرباء وغاز وتأمين صحي وأجرة البيت إذ يكاد لا يؤمن الحاجات اليومية للعائلة، إلا أنه على الرغم من ضعفه فإنه أكبر مفجر للخلافات المالية بين الزوجين، حيث يضاف إلى الأسباب الأخرى للخلاف بينهما، خاصة أن تلك المساعدة لن يبقى منها أكثر من مئة يورو يمكن أن توضع جانباً أو تخصص لمساعدة الأهل.

ويتبدى الخلاف أولاً في حالة الوعي الجديدة لدى المرأة في الجانب المالي حيث توضح لها الجهات الحكومية المانحة للمساعدة أن إدارة المساعدة حق للطرفين، وفيما اعتاد الرجل على أن يكون المسؤول المالي غالباً، يظهر عدم خبرة المرأة في إدارة هذا الملف، الذي يكاد لا يسد أساسيات الحياة اليومية.

لا تنتهج المنظمات المعنية منهج التدرج أو التوعية للطرفية، بل تنتهج المنهج القانوني في ذلك، ولا تتردد في تشجيع الزوجة على الطلاق في حال كان الرجل لا يشاورها مالياً، غير مدركين السياقات التاريخية لإدارة هذا الملف المالي الشائك، وبالنسبة للأوربيين فإن عدم وجود تشاور مالي واتفاق من الأسباب الموجبة للطلاق، ولعل الجانب الأهم في ذلك هو فكرة الطلاق في حد ذاتها خاصة أن المجتمع الهولندي مثلاً يعد الثالث عالمياً في أكبر نسبة طلاق في العالم حيث تزيد على الثمانين في المئة، لأن فكرة العائلة ليست فكرة مقدسة مطلقاً، بل الاتفاق بين طرفي الزواج هو الأهم، فإن لم يجدا طريقاً للاتفاق فإن الطلاق أهون الحلول وليس أبغض الحلال في مجتمع تشكل القيم الفردانية جوهر وجوده.

في كل تفصيل مما ورد أعلاه يجلس شيطان صغير يشجع على الخلاف ويؤلب الوضع، ولا يفكر بمصير الأطفال وانكسار النموذج وما سيعانيه الأحفاد لاحقاً، في مجتمع جديد الطلاق قدر الجميع، ولو بعد حين!

وفقاً لمشتغلين في الشأن العائلي لملف اللجوء فإن عدة ظواهر بدأت تتضح في المجتمع السوري في هولندا، منها الفروق بالخلافات بين الشريحة المتعلمة والشريحة غير المتعلمة والشريحة المتزوجة منذ عدة سنوات والشريحة المتزوجة حديثاً، إضافة إلى تاريخ كل عائلة وما تركم فيها من خلافات سابقة، وما المدينة التي عاشت فيها كل عائلة، والوضع المالي لكل عائلة وانتمائها الطبقي السابق، وهل عاشت تجربة اللجوء في الدول المجاورة أم لا، وكذلك ما نمط الحياة الذي عاشته.

الخلاف حول إدارة تلك الـ خمسمئة يورو لو كانت القلوب صافية ليست سبباً كافياً للطلاق، ذلك أن المواد الأساسية اللازمة للبيت تستهلك معظم ذلك المبلغ ولا يبقى منه إلا نحو مئة يورو قد تكون هي المفجرة للخلاف، حيث ستولد أسئلة كثيرة:

 هل سيتم توفيرها للشهر القادم؟ ولنوائب الزمان؟ هل سيتم تقاسمها وإرسالها إلى الأهل في الداخل السوري؟ هل سيتم توفيرها من أجل العطلة الصيفية؟ هل ستصرفها العائلة في الذهاب إلى مطعم؟

في كل تفصيل مما ورد أعلاه يجلس شيطان صغير يشجع على الخلاف ويؤلب الوضع، ولا يفكر بمصير الأطفال وانكسار النموذج وما سيعانيه الأحفاد لاحقاً، في مجتمع جديد الطلاق قدر الجميع، ولو بعد حين!

فترة النقاهة التي تمر بها العائلة بعد فقدان الوطن والانتهاء من إجراءات اللجوء القانونية بعد مرحلة اللجوء تحمل معها الكثير من الأمراض الأخرى، وبدل أن تكون مرحلة تعاف واستعادة الأحوال النفسية تصبح مرحلة ولادة أمراض جديدة اجتماعية ونفسية وصراعاتية بين أعمدة العائلة.

على الجانب الآخر هناك عدة عوائل سورية وضعت اتفاقات مالية واضحة بالتراضي حول إدارة شؤون العائلة مادياً في مرحلة المساعدة الاجتماعية أو لاحقاً حين يعمل الزوجان معاً ويغدو لكل منهما دخله الخاص.

وهناك شريحة كبيرة بقيت المرأة فيها محافظة على دورها التاريخي ولم تستمع لمنظمات التوعية الهولندية، وحين يتكرم الزوج بمنحها خمسين يورو لترسلها لأهلها تكن ممتنة له، بل هناك أنماط من العوائل لا تتعامل المرأة مع الهولنديين مطلقاً، ويتحدث الزوج باسم الزوجة دائماً، وثمة عدة حالات يسودها الوئام والتفاهم حتى اللحظة وهي التي بقيت أسيرة لما كانت عليه الأحوال قبل اللجوء.

قبل المئة يورو وبعدها؛ ثمة بنية اجتماعية اسمها العائلة تعيش اليوم في مجتمع لا ينظر إليها بصفتها بنية ثابتة لا تقبل الانكسار أو التشظي، أو بوصفها قيمة بحد ذاتها لأنه يؤمن أن البشر لديهم قدرات للبقاء معاً كشركاء ومتى ما غدت تلك الأسباب الموجبة للقاء ضعيفة، فلماذا يبقيان معاً؟ إضافة إلى أن معظم الأدوار التقليدية التي كانت تقوم بها العائلة حلت محلها البلدية والمنظمات الممولة من قبلها، ودورها دور وظيفي محض وليس حالة رمزية في عالم الأنا والفردانية!

سألني صديق زار أوروبا مؤخراً لائماً: وجدت أن الحديث عن الجانب المالي لدى الأطفال والكبار والصغار هو الأبرز فما السبب؟ هل تحولتم إلى أشخاص ماديين؟ غيرتكم أوروبا؟

لا شك أن الجانب المالي اليوم بات هاجساً رئيسياً أكبر من أوقات ماضية نتيجة تغير عادات الاستهلاك وكثرة الحاجات المادية للفرد وللعائلة وشيوع قيم الاستهلاك وكثرة الترندات التي تتطلب مالاً.

أول وهلة تفاجأت، وانتبهت إلى أنني أنا الآخر صرت جزءاً من هذا الحديث من حيث أدري أو لا أدري، وفي الحوار معه قلت له: لا شك إن الجانب المالي اليوم بات هاجساً رئيسياً أكبر من أوقات ماضية نتيجة تغير عادات الاستهلاك وكثرة الحاجات المادية للفرد وللعائلة وشيوع قيم الاستهلاك وكثرة الترندات التي تتطلب مالاً، إضافة إلى أن فقدان الأمان المجتمعي ومفهوم السمعة والحوامل الجغرافية وحوامل الماكينة والشهادات العلمية واسم العائلة الذي كان المجتمع السوري يؤمن جزءاً منه، على الرغم من كل سلبياته، جعل عامل الأمان المالي يبرز أكثر وأكثر في ظل ثقافة لم يعد ينفع معها "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" لأن الغيب الأوروبي محسوب جيداً بحيث تكاد تكون بلا غيب، على الرغم من أن عدم الإيمان بهذا الغيب تكسره حوادث واقعية مثلما حدث في كورونا ما بعدها وكذلك الحرب في أوكرانيا وما أدت إليه من مشكلات مالية وارتفاع أسعار واهتزازات ثقة في المسار الاقتصادي العالمي.

قلت لصديقي: الثقافة المالية في أوروبا للأطفال لها دور كبير في شيوع القيم المالية، غالباً ما يتم الحديث مع الأطفال وتربيتهم في المدارس الهولندية مثلاً وتنبيههم إلى أجرة ساعة كل وظيفة ومدى حاجة سوق العمل لها، ولا يتم الحديث عن المكانة المجتمعية للوظيفة كما يحدث في سوريا مثلاً ومعظم دول المشرق عامة، لأن الوظائف هنا في هولندا يجب أن يتم النظر إليها من وجهة حقوق الإنسان وأنها كلها محترمة، ومكانتك بالمجتمع لا تحددها الوظيفة بل ما تقدمه للمجتمع من خدمات أو أعمال تطوعية، إن أقررنا أنه يوجد شيء هنا "اسمه مكانة اجتماعية" فالكل لديه بيت وسيارة ويركب البسكليت، والكل متساو أمام القانون، ولا أحد يبحث عن المكانة الاجتماعية لأنه ليس لها قيمة كبيرة، بل القيمة لما تحصله من أموال ومدى ما يوفر لك من حاجات استهلاكية وفرصة للسفر أو الحصول على مزيد من الرفاهية قبل أن تأتي مصلحة الضرائب وتقتصها منك!

لا يميل كثير من السوريين إلى فكرة "كبرها بتكبر وهونها بتهون" لا مجال لدى كثيرين اليوم للاستماع إلى فكرة "هونها بتهون" بل إلى "كبرها بتكبر"! ومن المعلوم أن سيطرة تلك الفكرة على الشخص تنم عن حالة من الصعوبات النفسية التي يمر بها، فالأمر أبعد من حقوق وواجبات، فالتفاهم لو كانت الأحوال طبيعية كان سهل المنال.

تكشف تلك "المئة يورو" وكيفية إدارتها أن القصة في جانب كبير منها "ليست قصة المئة يورو بل قصة قلوب مليانة" لأسباب أخرى. وفي جانب كبير منها ضغوطات اللجوء والعقد الأخير وما يمر على السوريين يومياً والشعور بالانكسار الوطني على الرغم من كل النجاحات التي يحققها كثيرون في الغربة.