واشنطن وطهران.. جروح من مخالب نتنياهو

2024.08.09 | 07:01 دمشق

نتنياهو
+A
حجم الخط
-A

ثلاثة أحداث شهدها الأسبوع الحالي في المنطقة لها دلالتها الإقليمية وتؤشر لحجم الخطر المحدق بالشرق الأوسط، الأولى زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لطهران ومحاولته تقديم صيغ تخفيفية لمنع تصاعد الحرب، والثانية زيارة أمين المجلس القومي الروسي سيرغي شويغو إلى إيران ولقائه بالقيادات السياسية والعسكرية الإيرانية، أما الثالثة فتجلت بزيارة قائد المنطقة الوسطى الأميركي مايكل كوريلا إلى تل أبيب في ذروة التوتر الإسرائيلي – الإيراني على وقع اغتيالات وعمليات خاطفة.
بالمقابل فإن الأطراف التي عملت على خط الوساطة منذ اليوم لضربة مجدل شمس وما تبعها من اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر، باتت تقول إنه ليس من السهل على إيران وحزب الله إيجاد صيغ مناسبة للرد على الاغتيالات من دون تفجير حرب نزاع إقليمي مفتوح.
وثمة من يعتقد أن محور إيران وحلفائها (باستثناء بشار الأسد) لن يقبل هذه المرة باعتماد رد شكلي قد يوحي بضعف أو خوف كما فعل في أبريل الفائت. لكنه أيضاً سيتجنب تنفيذ الذهاب لرد نوعي في طبيعته وحجمه وأهدافه، ما يوقف أي خطة لنتنياهو بالاستثمار وتوسيع قائمة أهدافه في اتجاهات مختلفة، فيغرق الإقليم في مستنقع الحرب الشاملة التي ستجد القوى الدولية نفسها متورطة في أتونها.
وبات لدى كل الأطراف المعنية بالنزاع الحاصل في الشرق الأوسط قناعة راسخة أن نتنياهو سيعمل على استغلال حالة التخبط والإرباك لدى إدارة جو بايدن ليفرض عليها خيارات ميدانية وسياسية، وكل أدائه منذ عودته من زيارة واشنطن يتركز على ضرب أي تفاهم مفاجئ قد يتحقق بين واشنطن وطهران، أو ما يؤدي لفرض اتفاق وقف إطلاق نار.
ولا يخفي دبلوماسيون غربيون في المنطقة أن الرجل يسعى لمحاصرة أي تفاهم يدفع واشنطن إلى مزيد من التورط العسكري والسياسي إلى جانب تل أبيب، بحجة أن أمنها القومي في خطر، وهذا ما حاول تمريره بخطاب الكونجرس.

ثمة من يعتقد أن محور إيران وحلفاءها (باستثناء بشار الأسد) لن يقبل هذه المرة باعتماد رد شكلي 

وتبدو اليوم إدارة جو بايدن تعمل في اتجاهين منفصلين ومتناقضين. فهي من جهة تكثف مباحثاتها مع الإيرانيين لمنع تصاعد الأزمة في محاولة لإبرام اتفاق سياسي جديد. ومن جهة أخرى هي تعلن التزامها الثابت والمتزايد بدعم إسرائيل وضمان أمنها ووجودها بعد التهديد الكياني لها بعد 7 أكتوبر.
ويظهر هذا التناقض بين ما هو سياسي مع إيران وحربي مع إسرائيل، ويبدو أن واشنطن تحرص على استمرار خطوط التواصل مع طهران، على مستوى النووي والأمن في مسقط، فيما تستنفر المدمرات البحرية للتدخل إلى جانب إسرائيل في حال تعرضت لضربات المحور وميليشياته.
وبدا أن التكثيف الحاصل للقاءات بين واشنطن وطهران يهدف إلى إقناع النظام الإيراني بحصر مستوى الرد على اغتيال هنية وشكر بعمليات مضبوطة، ولا يُطلَق العنان لمواجهات عسكرية مفتوحة في كل الاتجاهات لأن تل أبيب ستكون محشورة في زاوية ميدانية صعبة.
لكن الأهم أن الجانب الإيراني يتلاقى لأسباب مصلحية وميدانية وعسكرية مع رغبة إدارة بايدن بعدم تصاعد التوترات الإقليمية، ويريدون التجاوب معها وتجنيب المنطقة مغامرة غير محسوبة. لكنهم في الوقت نفسه، لا يريدون تمرير ضربات إسرائيل من دون رد مهما بدا ركيكاً، والإيرانيون ومعهم حزب الله وباقي الميليشيات سيباشرون ضرباتهم المقررة بعد درس كل الانعكاسات المحتملة واستجلاب عروض مختلفة.
لكن الأزمة وجوهرها يكمن في أن الإدارة ستواصل تحشيد المدمرات والبوارج وحاملات الطائرات إلى إسرائيل، لمجرد أنها تعرضت لتهديدات إيرانية. وقد تشارك في أي قتال إلى جانب الكيان، في الدفاع أو الهجوم وذلك لحظة البدء بأي ضربات موجعة وحازمة، ما يجعل واشنطن جزءاً أساسياً من أطراف المعركة الحاصلة. وفي السابق، سعى بنيامين نتنياهو لدفع الأميركيين إلى إشعال حرب مباشرة ضد إيران فلم يستجيبوا، سواء خلال ولاية بايدن أو خلال ولاية ترامب وهو أصلاً لم يتأمل ذلك في حقبة أوباما.

لكن اليوم يسعى بايدن وإدارته على المستويات السياسية والأمنية لوقف اندفاعة نتنياهو وتعطيل أي مغامرة يراد منها خلط الأوراق على مستوى الشرق الأوسط والدول المحيطة. ومن المثير أنه يلقى تفهُّماً لدى خصوم واشنطن الإيرانيين، فيما الحليف نتنياهو هو الذي يدفع الأميركيين إلى الفخ الكبير المنصوب لهم.
وعليه وأمام كل هذا الخلط الحاصل في المنطقة، فلا يكفي اعتقاد أن المنطقة تعيش على صفيح من رماد، وخاصة أن الخيارات واردة في ظل ما هو موجود من خروقات تجسسية، وليس أوان التكهن بما تحمله الساعات المقبلة من تطورات حاسمة.
والأكيد أن الوسطاء من قطر إلى سلطنة عمان وصولاً لبعض القادة الأوروبيين ينصحون الطرفين، ولا سيما إيران ومحورها، بأن من وصل في اغتيالاته إلى المواقع الرفيعة على المستويين العسكري والسياسي قد يتجاوز كل الخطوط الحمراء في أي لحظة، وعندها لن يكون هناك أي معنى لصدق الأوصاف الممنوحة لنتنياهو وتكون المنطقة على أبواب حرب شاملة "لا تبقي ولا تذر يخشاها الجميع دون سقف موضوع.