في برنامجها "الذاكرة السورية" تحاول محطة "سوريا" الفضائية قراءة تاريخ سوريا، من خلال إجراء لقاءات حوارية مع شخصيات سورية معارضة شهدت على التغيرات التي عصفت بسوريا بعد الاستقلال.
آخر من التقاهم الإعلامي شعبان عبود هو المحامي والناشط الحقوقي "هيثم المالح" الذي ضلع في معارضة النظام زمناً طويلاً، كلله في الوقوف إلى جانب الحراك الشعبي السوري في مطالبه المحقة "الكرامة والحرية والديمقراطية"، كما دافع المالح عن عديد المعتقلين السوريين ما يسر له أن يكون مرجعية موثوقة وصادقة للنضال السياسي من أجل سوريا حرة مستقلة تنهج الديمقراطية وتحقق العدالة.
بالطبع لا ينتظر الرجل مني ولا من غيري ثناءً لأن نضاله يشهد له ويتحدث عنه، لكنَّ اللقاء الأخير -في بعض من مفاصله- لم يكن الأمثل للمالح، ليس لجهة نبرته النرجسية المبالغ فيها، قال نصاً: "أنا فارس لا يشق له غبار، ولا يمكن أن يجاريني إلا فارس مثلي" حتى خلتني أمام المتنبي، وأردف: "أنا عظمة ناشفة لا يمكن هضمي بسهولة" ولو أنه وضع عمامة لقلت "عاد الحجاج"، وليس لجهة اعتزازه الذي كرره كثيراً بأن كل البعثات الديبلوماسية الغربية لم تكن لتعرف سوريا لولا أنها كانت تضع زيارته في بيته، أو في مكتبه ضمن أولوياتها، ولا لجهة ممارسة الإلغاء والتقليل والإقصاء كلما ذكر اسم أحد المناضلين السياسيين السوريين في سياق الحديث للتخفيف من شأنهم وتقزيم أدوراهم، ولا لجهة الابتسامة المفعمة بالاستكبار والغرور، إنما لجهة سوء وِرْدِ ماء المناضلة المغيبة "رزان زيتونة" التي ربما استنتج شعبان عبود أنه أخطأ في طرح قضيتها المأساوية في الحوار، وربما شعر بذلك الخطأ بعد أن تلقى من المالح أجوبة لم يكن يتوقعها، ولم يتمكن من استدراك الأمر رغم محاولته لفت نظر المالح إلى أن من يتحدث عنها غائبة شأنها شأن عشرات آلاف حالات التغييب القسري التي يعج بها ملف الثورة السورية.
أوغل المالح في التعرض للسلوك الشخصي المبالغ به لرزان -حسب زعمه- لجهة حدة مزاجها وردود أفعالها المتسرعة
كان يمكن للمالح أن يتجنب الذهاب عميقاً في ملف ريحانة الثورة السورية "رزان زيتونة"، لكن أناه دفعته إلى سرد تفاصيل مهنية رأى أنها تدين رزان حين أصرت على حضور جلسة الدفاع عن المعتقل "أكثم نعيسة" والتي رآها المالح جريمة مهنية لكونها تعمل كمحامية في مكتبه ويجب أن تطيع أوامره كصاحب المكتب، ولأنها توقفت عن العمل في مكتبه نتيجة ذلك، مكتبه الذي كان مقر جمعية حقوق الإنسان السورية التي أسسها المالح برفقة محامين وناشطين آخرين والتي أكثر غير مرة من التأكيد على عظمة جهوده من أجل تأسيسها وعلى فضيلة تأمين مقر لها في مكتبه.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أوغل المالح في التعرض للسلوك الشخصي المبالغ به لرزان -حسب زعمه- لجهة حدة مزاجها وردود أفعالها المتسرعة وعدم "احتشام" لباسها الأمر الذي دفع أصدقاء المالح إلى التوسط لديه لقبولها متدربة في مكتبه ظناً منهم -حسب زعمه أيضاً- أنه لن يقبلها بهكذا سلوك لأنه من عائلة محافظة، وذهب بعيداً في ذلك حين عزا احتمال تصفيتها من قبل جيش الإسلام إلى عدم مراعاتها عادات وتقاليد أهالي دوما.
لا يشفع للمالح أنه اعتبر رزان ابنته وأنه ادعى أنه سأل عن مصيرها
ما كان ينبغي أن يكون ذاكرة سوريا في هذا الحوار المنفر وغير الموفق، فكان في الواقع ذاكرة المالح، كان استعراضاً لبطولاته ومساحة لسرده المغرور، ولا يشفع للمالح أنه اعتبر رزان ابنته وأنه ادعى أنه سأل عن مصيرها، الأمر الذي كان يجب أن يتكتم عليه لأنه لم يعثر على حقيقة مبنية على وقائع أو مستندة إلى أدلة، هو المحامي الذي يدرك تماماً أن الخلاصات يجب أن تبنى على حقائق فأتى كلامه مرسلاً لا قيمة له، تجلى ذلك بشكل فاضح حين أنهى مرافعته ضد رزان بأن أحداً ما أحاطه علماً أنها صُفِّيَتْ من دون أن يهتز له جفن، لا تاريخه النضالي الطويل أنقذه من الانسياق وراء نرجسيته ولا مهنيته التي تقتضي الوقوف على الحقائق المبنية على قرائن وأدلة أنقذته من زلاته بحق رزان وسوء وِرْدِهِ قضيتها، ولا هو أخلص لميزان العدل الذي بدا بين يديه بكفة واحدة، ولئن صح قول "أحشفاً وسوءَ كيلة؟" على من أساء كيل تمر فاسد فقد صح قول "أنرجسيةً وسوءَ وِرْدٍ؟" في سردية هيثم المالح.