هل ينافس التطبيع التركي مع نظام الأسد إيران ويزعجها؟

2023.01.13 | 06:00 دمشق

هل ينافس التطبيع التركي مع نظام الأسد إيران ويزعجها؟
+A
حجم الخط
-A

تتطور الأحداث على الساحة السورية وتسير في طرق وعرة ومعقدة ومتشابكة يصبح التنبؤ بخطواتها المقبلة صعبا، ولا سيما مع كثرة اللاعبين وتضارب المصالح والأهداف، ولعل من بين التطورات التي تشكل هاجس خوف وقلق لدى الشريحة الأكبر من السوريين وخاصة في تركيا والشمال السوري يبقى ملف التطبيع الأخير الذي حملته أنقرة وسعت به تجاه نظام الأسد.

ولعل تركيا لم تكن المهرول الأول إلى دمشق، إذ استفتح عهد التطبيع عمر البشير الرئيس السوداني في زيارة انتهت بثورة في السودان أطاحت بالبشير وأنهت حكمه، ثم حمل لواء التطبيع الأردن الذي فتح أقنية التواصل على جميع الأصعدة الرسمية والدبلوماسية بين البلدين، وصولا إلى اتصال هاتفي بين الملك عبد الله الثاني ورئيس النظام بشار الأسد مستفتحا عهدا جديدا تحت شعار إعادة اللاجئين والتخفيف من عبئهم على بلد منهك بالأصل، ففشل الأردن بإعادة أي لاجئ وأضاف إليه عبء التهريب والمخدرات.

تطبيع أنقرة مع النظام يرتبط بملفات محلية وإقليمية وداخلية بمنتهى الأهمية ولعل أبرزها المعارضة السورية التي تعتبر تركيا ضامنها الأول

ولم يقف ملف التطبيع هنا حيث واصلت الإمارات والبحرين وعدد من الدول الأخرى، لكن لم تتمكن حتى الآن من تحقيق أي تقدم في ملف إعادة إنتاج الأسد أو إعادته على أقل احتمال إلى الحاضنة العربية وإلى مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، ثم انتهى المطاف إلى أنقرة، وتلك خطوات يمكن أن لا تكون متشابهة مع بقية الدول، فالدور الذي تلعبه تركيا في الملف السوري يختلف تماما عن بقية اللاعبين، وتطبيع أنقرة مع النظام يرتبط بملفات محلية وإقليمية وداخلية بمنتهى الأهمية ولعل أبرزها المعارضة السورية التي تعتبر تركيا ضامنها الأول، ثم اللاجئون السوريون الذين يرتبط مصير أكثر من 8 ملايين منهم بالموقف التركي موزعين بين مناطق سيطرة تركيا في الشمال السوري وفي الأراضي التركية.

وفي معرض الحديث عن تواصلات ولقاءات تجمع النظام والجانب التركي لمرات برعاية روسية تظهر إيران في موقف المرتاب، مصعّدة من تحركاتها في الساحة السورية في سلسلة من اللقاءات والاتصالات بين مسؤولين إيرانيين ومسؤولين في نظام الأسد، انتهاء بإعلان الخارجية الإيرانية عن زيارة سيجريها رئيسُ البلاد إبراهيم رئيسي إلى سوريا وتركيا، وسط معلومات تتحدث عن تخوفٍ إيراني من تنازلات يمكن أن تقدمها دمشق لأنقرة تضرّ بمصالح طهران في المنطقة.

وعلى الرغمِ من أن المقاربةَ التركيةَ ما زالت غير مكتملة التفاصيل باستثناء ما يُقرأ بين سطور البيانات الرسمية، ولو وضعنا المصالح التركية جانبا فثمّةَ سلسلةٌ واسعةٌ من المضارِ لا بدَّ من الوقوف عليها، مردها وجود جهات كثيرة لها مصالح حيوية واستراتيجية في سوريا، ومتضررة من أيِّ توافقٍ يجمع أنقرة ودمشق على طاولة واحدة.

ولعل الحيز الذي ستشغله أنقرة في مناطقِ الأسد لا بدّ أن يكون على حساب جهاتٍ أخرى تتحرك في المضمارِ ذاته، وفي حالِ كانت روسيا خارجَ إطارِ التدافعِ مع القوى العاملةِ على الأرض السورية انطلاقاً من اقتصارِ مصالحها على سيطرةٍ سياسيةٍ وهيمنةٍ عسكرية، يبقى المنافس الوحيد للوجود التركي هو مشروع إيراني تغلغل إلى درجة لم يعد بالمقدور تجاهله أو السكوت عنه سياسيا وعسكريا واقتصاديا ودينيا، في جميع المناطق والمحافظات السورية وخاصة في مناطق ما زالت تعتبر بعدا استراتيجيا وثقافيا وتاريخيا لأنقرة.

ضبابيةُ المشهد في سوريا لا تعمي الأنظار عن مسارات واضحة لا يمكن تغييرها تتسابقُ فيها الدول الفاعلةُ للحيازةِ على أكبرِ الغنائمِ من تركةِ نظام أُعدم سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً

وقد يكون إصرار تركيا على مواصلة التقارب مع النظام أخرج إيران أيضا عن صمتِها، ودفعها للتحرك الاستباقي قبل أن تجد نفسها في مواجهة تركيا بعد أن تجنبت أية مواجهة مباشرة معها منذ تدخلها في سوريا عام 2011، وربما ذلك ما يفسر التحركات الإيرانية المكثفة إلى دمشق في سياق إعادةِ توطيد السياسةِ الإيرانية، وقطعِ الطريقِ أمام أي تنازلات يمكن أن يقدمها نظام الأسد، وخاصةً بعد أن تأكدت نيّة أنقرة وانتقلت إلى فرضيات سُرِّبَت وتم الحديثُ عنها في إشغال مناطق واسعة قد لا يُغني أحدٌ فيها غنى أنقرة لدرجةٍ يسيل لها لعاب الأسد وتغريه عن أقرب الحلفاء.

ضبابيةُ المشهد في سوريا لا تعمي الأنظار عن مسارات واضحة لا يمكن تغييرها تتسابقُ فيها الدول الفاعلةُ للحيازةِ على أكبرِ الغنائمِ من تركةِ نظام أُعدم سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً، ويبدو أن استمرارَه في السلطةِ لن يكونَ في إطار إعادةِ الإنتاجِ بقدرِ ما يكونُ في إطارِ الحصولِ على مكاسب وامتيازات لكلِّ لاعبٍ، وربما الوصول إلى مرحلة تقاسم الحصص وترتيب مناطق النفوذ لمرحلة مقبلة تكون فيها الخطوة الأولى للحل النهائي، وعند الحديثِ عن طهران وأنقرة لا بدَّ من استحضارِ التاريخِ مرة أخرى ليظهرَ أن المنطقةَ لا يمكنُ أنْ تتسعَ لإيران وتركيا إنما لإحداهما فقط.