هل هناك من ينتظر أن تنصفه القرارات الأممية بشأن سوريا؟

2024.07.28 | 05:37 دمشق

آخر تحديث: 28.07.2024 | 05:37 دمشق

مجلس الأمن
+A
حجم الخط
-A

لا مؤشرات حقيقية حتى الآن على قرب التوصل إلى تسوية للأزمة السورية في ظل تعقيدات داخلية وخارجية تحول دون ذلك. تحولت القرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي منذ العام 2012 إلى تسجيل موقف دولي في مواجهة لعبة التوازنات السياسية والأمنية في التعامل مع الملف. من يؤكد ذلك هو المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، بعد مرور 13 عامًا على الثورة في سوريا، حيث قال: "الحل السياسي للملف السوري مازال بعيداً"، رغم أنه في مقدمة المعنيين بتقريبه.

آخر ما بين أيدينا حول تطورات المشهد السياسي في سوريا هو:
-إحاطة غير بيدرسن إلى مجلس الأمن الدولي في تموز 2024، حيث قال: "استمعنا هذا الشهر إلى بيانات جديدة من حكومتي سوريا وتركيا حول إمكانية استئناف الاتصالات الدبلوماسية بينهما، وبيانات من حكومتي روسيا والعراق حول جهودهما لدعم ذلك. وناشد جميع اللاعبين للعمل بطريقة تساهم في إطلاق العنان للجهود المتوقفة منذ فترة طويلة لتنفيذ القرار 2254. ونعتقد أن من المصلحة المشتركة للشعب السوري وللجميع العمل مع الأمم المتحدة من أجل مجموعة أوسع من الإجراءات المنسقة التي تدفعنا نحو نهج جديد وشامل لحل الصراع. إن الجهد الذي يقوده ويملكه السوريون لا يمكن أن ينجح بدون تعاون دبلوماسي دولي بين أصحاب المصلحة الرئيسيين دعماً للعملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة".
-بيان مجلس الأمن القومي التركي قبل أيام، والذي أكد: "أن تطهير الأراضي السورية من الإرهاب الانفصالي سيضمن بالدرجة الأولى مصالح سوريا، وأنه في عملية حل القضايا، سيستمر دعم التوصل إلى توافق اجتماعي حقيقي يشمل جميع الأطراف في سوريا، وأنه لن يُسمح بمحاولات الفتنة والاستفزازات التي تستهدف الصداقة القديمة بين الشعبين التركي والسوري".
-إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن "الرئيس رجب طيب أردوغان أعرب عن الاستعداد لبدء أي نوع من الحوار على أي مستوى مع الجانب السوري، بما في ذلك مستوى الرئاسة، لحل المشكلات القائمة بيننا". وتوجيه رسائل مباشرة لواشنطن بينها: "يجب تطهير سوريا، خاصة مناطق العرب المحتلة من قبل تنظيم بي كي كي، وهناك منشآت نفطية استولى عليها التنظيم، يعني أن هناك منظمة إرهابية اغتصبت موارد الشعب السوري".
-زيارة مفاجئة وسريعة لبشار الأسد إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع محاولة إقناعنا "أن المحادثات لم تتطرق إلى تطورات المفاوضات بين أنقرة ودمشق بل تركزت على "الجانب المرتبط بالصداقة الشخصية التي تجمعهما".
-قرار قسد إلغاء إجراء انتخابات البلديات التي كانت مقررة في شهر آب المقبل في مناطق نفوذها نهائياً، بعدما أرجأت العملية أكثر من مرة "استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية التي طالبت بالتأجيل لضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية، ولتأمين المدة اللازمة لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير الانتخابات". لكنها اليوم تلغيها نهائياً كما يقال نتيجة الضغوطات الغربية وتريث أنقرة اللحظة المناسبة للانقضاض، وقرار واشنطن استبدال ذلك بالمزيد من السلاح النوعي ومنظومة الدفاعات الجوية الحديثة بهدف إسقاط مقاتلات داعش التي استولت عليها قبل سنوات ولم تستخدمها حتى الآن!

لا تحتاج خارطة طريق الحل في سوريا بحسب كثيرين اليوم إلى قرارات أممية جديدة تذكر بالقديمة وتبني على أساسها، بل إلى رغبة دولية حقيقية في فتح الطريق أمام تنفيذ المتفق عليه

-مطلب هيئة التفاوض السورية بالبحث عن "آليات لبقاء ملف سوريا حاضراً في أجندة الأمم المتحدة، وصولاً إلى الحل المستدام"، لأنه "لا يوجد حل سوى بتطبيق القرار الأممي 2254".

أسفرت التفاهمات الدولية تحت سقف مجلس الأمن، خصوصاً بين أميركا وروسيا، عن ولادة 21 قرارًا سياسيًا بالغ الأهمية بشأن الحل في سوريا. لم تُطبق هذه القرارات رغم الكثير من الجهود التي بذلت تحت سقف أكثر من منصة ومبادرة وخطة عمل أشرف الأمين العام للأمم المتحدة عليها. هل الأجواء الإقليمية والدولية القائمة اليوم قادرة على صناعة تفاهمات تُفعل خطط التنفيذ من جديد؟ هل هناك احتمال الالتقاء الأميركي الروسي مرة أخرى بشأن تنفيذ القديم أو تسهيل الخروج بالجديد الذي يمنح التسوية السياسية في سوريا فرصة أخرى؟ قناعة الكثير من العواصم العربية والغربية ما زالت على حالها: الحل في سوريا لا يمكن أن يتم دون الرجوع إلى القرارات الدولية والعمل على تنفيذ بنودها. كما أن قرارات وتوصيات الكثير من القمم العربية ذهبت بهذا الاتجاه أيضًا. لكن هل الأمور ما زالت على حالها اليوم؟

لا تحتاج خارطة طريق الحل في سوريا بحسب كثيرين اليوم إلى قرارات أممية جديدة تذكر بالقديمة وتبني على أساسها، بل إلى رغبة دولية حقيقية في فتح الطريق أمام تنفيذ المتفق عليه. العقدة هي في توحيد جهود المجتمع الدولي والدفع باتجاه العملية السياسية وفقاً لأهم قرارات مجلس الأمن 2254، الذي يتطرق إلى أكثر من مادة باتجاه المرحلة الانتقالية وسبل المعالجة الشاملة للأزمة هناك. الواقع على الأرض يذهب باتجاه آخر وهو صناعة حلول سياسية في إطار تفاهمات خارج المنظمة الدولية.

ما تحاول تركيا فعله هو البحث عن حل أزمتها مع النظام في دمشق عبر الوصول إلى تفاهمات مشتركة برعاية روسية تقود إلى حل سياسي أمني اقتصادي اجتماعي. هل ستفعل ذلك وهي متمسكة بالقرارين الدوليين 2218 و2254، أم ستبحث عن خارطة طريق معدلة تقرب وجهات النظر والمواقف وتقنع العواصم الفاعلة في المشهد السوري بقبولها ودعمها؟ أم أن هناك قناعة جديدة تلخصها مواقف غالبية العواصم العربية اليوم وهي باتجاه "تفعيل الدور الجماعي القيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية"؟ هذا ما تتابعه أنقرة عن قرب منذ عامين تقريباً وهذا ما قد يكون الدافع الأهم في قرار مراجعة سياستها السورية والبحث عن سبل التواصل والحوار مع النظام في دمشق.

منذ البداية كانت موسكو واضحة أنها ستلعب ورقة المفاوضات وجمع القيادات التركية مع قيادات النظام أمام طاولة واحدة لإعداد طبخة جديدة ترضي الطرفين وروسيا طبعاً. حديث البعض حول أولوية تنفيذ القرارات الأممية في سوريا قد يتراجع عند ولادة تفاهمات سياسية وأمنية جديدة بين أنقرة والنظام في دمشق. اتفاقية أضنة المعدلة بين البدائل والخيارات المطروحة. وهي قد تظهر إلى العلن وتقود التسويات وسط صيغة تفاهمات تراعي بعض مواد القرارات الدولية. محاربة مشروع حزب العمال وقسد في شرق الفرات وحل مشكلة اللجوء والوضع القائم في إدلب ومستقبل الجيش الوطني السوري مسائل يمكن حلها عبر إعادة ترتيب فحوى وأولويات القرارات الدولية وأخذ المناسب منها لاعتماده.

الهدف هو الوصول إلى خارطة تفاهمات تتضمن طبخة حلول جديدة مرضية للأطراف ومدعومة من قبل أكثر من لاعب عربي وإقليمي. العقبة الأميركية قد تحل مع وصول ترامب إلى السلطة. عكس ذلك يعني قبول واشنطن الدخول في مواجهة مفتوحة مع العديد من الأطراف لحماية مصالحها ومصالح شريكها المحلي قسد، وهي مسألة لن تكون سهلة في مواجهة السيناريوهات والاحتمالات الجديدة التي قد تظهر إلى العلن بعد أشهر.

تتحمل الأمم المتحدة وجهازها التنفيذي الأهم مجلس الأمن الدولي مسؤولية وصول المشهد في سوريا إلى ما هو عليه اليوم. لكن السؤال يبقى حول من سيوفر الغطاء الإقليمي والدولي لأية تفاهمات تركية مع النظام في سوريا؟ روسيا وإيران أم المجتمع الدولي أم العواصم التي أعادت علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع دمشق؟

هل نجاح الحوار بين أنقرة والنظام في دمشق يعني بالضرورة العثور على مفتاح الحل السياسي الشامل في سوريا؟ لا طبعاً. البحث عن مقايضات على طريق خطوة مقابل خطوة وإعطاء الأولوية لملفات اللجوء والإرهاب ووحدة الأراضي السورية لا يكفي لإقناع الكثير من السوريين أن الحل اقترب. هناك أطراف عديدة عندها ما ستقوله أيضاً في إطار تفاهمات وتوافقات إقليمية ودولية تواكب مسار الحل في سوريا.

مطلب قوى المعارضة السورية بشكل عام هو التمسك بمنصات جنيف وبالقرارات الدولية كبوابة عبور نحو التغيير في سوريا. فهل ستعيد المعارضة المفككة والمبعثرة اليوم تنظيم صفوفها وترتيب أولوياتها، والبحث عن استراتيجيات مغايرة بهدف بناء منظومة علاقات جديدة تساعدها على الوصول إلى الممكن في إطار المحتمل والمطلوب؟

مهمة قوى المعارضة السورية وسط المشهد السياسي والعسكري والاجتماعي في سوريا ستكون أصعب بكثير مما كانت عليه قبل عقد، وسط لعبة الكر والفر المحلي والإقليمي والدولي. كيف ستتصرف في المرحلة المقبلة على ضوء هذه المتغيرات الحاصلة في مواقف العديد من العواصم العربية والإقليمية حيال النظام في دمشق؟