تقدمت الحكومة البريطانية في آخر مشروع لقانون الهجرة بفكرة جريئة، وهي أنه لا بد من التضحية بحق التقدم بطلب لجوء في المملكة المتحدة لوقف حالات عبور المانش بالقوارب. وفي هذا الرأي ما يوحي بأن إنهاء هذا الحق القانوني الذي سُنّ قبل سبعين عاماً لابد وأن يمنع المهاجرين من القيام بعمليات العبور الخطرة تلك. غير أن التجربة تكشف لنا بأن مقاربة الحكومة ستدفع بعدد أكبر من الناس لوضع ثقتهم بمهربي البشر، وأموالهم في جيوب هؤلاء "المجرمين"، من دون أن يفرض النظام على شواطئ المملكة المتحدة، ولهذا هنالك طريقة أفضل لحل هذا الموضوع.
لم يكن الحق بتقديم طلب لجوء يتم تلقائياً خلال أي وقت من الأوقات، ولن يصبح كذلك اليوم، ولكن في عام 1951، وبسبب فظائع المحرقة والحرب العالمية الثانية، أسهمت المملكة المتحدة بدخول اتفاقية اللاجئين حيز التنفيذ، إذ تقوم هذه الاتفاقية الدولية التي أصبحت نافذة في مختلف بقاع العالم عام 1968، على مبدأ صريح ومباشر، وهو أنه بمجرد أن تقدم شخص ما بطلب لجوء، بصرف النظر عن الطريقة التي وصل بها، تصبح الدولة ملزمة قانونياً بالنظر في ملفه بشكل منصف، لذا لا يجوز التخلي عن هذا المبدأ تحت ضغط التهديد الذي نشهده اليوم.
أغلب المهاجرين يبقون في دول الجوار
هنالك 110 ملايين نازح مسجلين على مستوى العالم، بيد أن وزيرة الداخلية البريطانية أعلنت بأنهم سيأتون إلى بلدها، على الرغم من أن نحو 60% منهم نازحون داخل حدود بلدهم، كما هي الحال في سوريا أو أفغانستان. كما أن 70% ممن عبروا الحدود وصاروا بحاجة لحماية دولية يقيمون في دول الجوار، إذ استقبلت تركيا 3.6 ملايين لاجئ، أما كولومبيا فلديها 2.5 مليون لاجئ، في حين استضافت تشاد التي تقوم اللجنة الدولية للإنقاذ فيها بدعم الفارين من النزاع في السودان، أكثر من 60 ألفاً خلال بضعة أسابيع. ثم إن هذه الدول ذات دخل ضعيف أو متوسط، أي أنها ليست دولاً غنية كالمملكة المتحدة، ومع ذلك تستقبل 76% من مجمل عدد اللاجئين في العالم.
وهذا الدليل لا يؤيد ما ذهبت إليه الحكومة حول عمليات الردع، إذ رفضت وزارة الداخلية البريطانية نشر البحث الذي أجرته بنفسها حول طالبي اللجوء الذين قدموا إلى المملكة المتحدة. كما أن قانون الجنسية والحدود الأخير لن يؤثر كثيراً بالنسبة لردع المهاجرين وتقليص أعدادهم، فالأعداد التي سربت خلال الشهر الماضي تظهر بأن وزارة الداخلية توقعت استمرار وصول طالبي اللجوء على الرغم من سن قانون الهجرة غير الشرعية، وهذا ما سيتسبب باعتقال ما يربو على ثلاثة آلاف شخص وترحيلهم بصورة شهرية.
إلا أن وقع ذلك ليس بمفاجئ، إذ تظهر التجربة في الولايات المتحدة بأنه عند عدم توفر طرق لتقديم طلبات لجوء ولإعادة توطين اللاجئين أو غير ذلك من الطرق الآمنة، فإن اليائسين من الناس سيلجؤون إلى المهربين عندئذ، وخير دليل على ذلك قوارب الموت التي غرقت في البحر المتوسط، ولذلك ينبغي على الحكومة البريطانية أن تتعلم الدرس وأن تولي الحلول الذكية اهتمامها بما أنها أشد تأثيراً وأرخص كلفة.
الحل الأول: الحد من فترات الانتظار قبل البت بطلب اللجوء
بداية، لا بد من التخلص من طلبات اللجوء المتراكمة ومعالجتها بسرعة وإنصاف، فقد وصل عدد طلبات اللجوء التي لم تتم معالجتها في المملكة المتحدة إلى نحو 173 ألفاً، أي بزيادة تقدر بضعفين عن العدد الذي كان خلال العامين المنصرمين. وهذا يعني بأن مقدمي الطلبات أصبحوا ينتظرون لفترات أطول، فقد انتظر ثلثا مقدمي طلبات اللجوء في شهر كانون الأول من العام الماضي لأكثر من ستة أشهر (مقارنة بنسبة 44% خلال عام 2017).
هذا ويمكن للاستثمارات والابتكارات والإدارة الجيدة أن تغير الوضع تماماً، فالجهود التي بذلتها فرنسا مؤخراً لتحسين الموارد المخصصة لمكتب حماية اللاجئين لديها أدت إلى انخفاض بنسبة 40% في فترات الانتظار بالنسبة لقرار اللجوء الأولي، لأن هذا القرار سواء بالرفض أو القبول يجب أن يصدر خلال فترة مناسبة.
الحل الثاني: دمج المهاجرين
ثانياً: لا بد من دمج الهاربين من النزاعات والاضطهاد بدلاً من اعتقالهم، إذ يظهر من خلال تجربة اللجنة الدولية للإنقاذ في الولايات المتحدة بأن 99% من طالبي اللجوء يحضرون جلسات الاستماع التي تعقدها محكمة الهجرة في حال حصولهم على دعم جيد، كما أن الاعتقال مكلف جداً، ونظراً للتأخر في معالجة طلبات اللجوء وتراكمها، فقد وصلت كلفة تأمين سكن مؤقت إلى ستة ملايين جنيه إسترليني باليوم الواحد. لذا، في حال إجازة قانون الهجرة وتحوله لقانون رسمياً، فإن عدد المحتجزين سيتجاوز 190 ألفاً بحسب تقديرات مجلس اللاجئين، إلى جانب رد طلبات لجوئهم، وهذا لا بد أن تترتب عليه تكاليف تتراوح ما بين 8.7 إلى 9.6 مليارات جنيه إسترليني، وذلك فقط خلال السنوات الثلاث الأولى من دخوله حيز التطبيق.
الحل الثالث: زيادة الممرات الآمنة
ثالثاً: يجب قطع الطريق على أعمال مهربي البشر وتجارتهم وذلك عبر زيادة الطرق والممرات الآمنة والقدرة على الوصول إلى المعلومات المتعلقة بها، وذلك لأن المعلومات الدقيقة تجرد المهربين من أسلحتهم وقوتهم بما أن تجارتهم تنشط وتزدهر بفضل المعلومات الخاطئة. وفي ذلك ما ينقذ أرواح الناس أيضاً خلال مرورهم بمرحلة النزوح، ويساعد طالبي اللجوء على فهم حقوقهم واتخاذ خيارات صحيحة مبنية على معلومات واضحة في خضم الأزمة الإنسانية. فلقد وصلت المنصة الرقمية للمعلومات، Signpost التابعة للجنة الدولية للإنقاذ إلى أكثر من 36 مليون نازح في 18 دولة. كما أن في دعم أماكن إعادة التوطين مفتاحاً للحل، إذ بداية يمكن للمملكة المتحدة أن تستقبل عشرة آلاف لاجئ بموجب خطة إعادة التوطين، أي بمعدل 15 لاجئاً لكل دائرة انتخابية.
الحل الرابع: العودة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي
رابعاً: ضرورة التعاون مع بقية الدول الأوروبية، بعدما أصبح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني عدم موافقة الشعب البريطاني على تقاسم مسؤولية طالبي اللجوء بشكل عادل مع بقية دول الاتحاد، ولكن بصرف النظر عن موقفنا من خروج بريطانيا من تلك الكتلة، لابد من التعاون مع الدول المطلة على بحر المانش، وينبغي لهذا التعاون أن يتجاوز حدود إرسال دوريات مشتركة والإجراءات الأمنية التي تتم بالتعاون مع فرنسا وتدفع المملكة المتحدة كلفتها.
يعتبر أسبوع اللاجئ فرصة للاحتفاء بمساهمة اللاجئين في الدول المضيفة، كما أنه فرصة لتغليب الحقائق على الأكاذيب والأوهام، لأن معظم اللاجئين وطالبي اللجوء لن يأتوا إلى بريطانيا، أما بالنسبة لمن وصلوا إليها فإن قدومهم سيعالج بطريقة منظمة، وبذلك يجب على النواب في البرلمان القيام بعملهم خلال الشهر المقبل، والذي يتمثل بالوقوف ضد مشروع قانون يعتبر وصمة عار على جبين من روجوا له وأيدوه، وخذلاناً للمملكة المتحدة وتخلياً عن مبادئها.
المصدر: The Times