مستقبل التصعيد في البحر الأحمر واحتمالات الرد الإسرائيلي

بينما يراقب العالم أجمع ساحة الخليج العربي في الوقت الحاضر، وسط مخاوف مستمرة من هجوم إسرائيلي وشيك على إيران، يرى بعض المراقبين الدوليين أن أزمة جديدة تلوح في الأفق. ووفقاً لتصريحات صادرة عن موقع الأخبار الإيراني "تسنيم"، وهو موقع شبه حكومي ولكنه مرتبط بالحرس الثوري الإيراني، تفيد التقارير أن البحرية الإيرانية تتجه نحو البحر الأحمر لحماية السفن التجارية الإيرانية التي تبحر في المنطقة المتنازع عليها.

ومن الممكن تفسير نشر سفن بحرية إيرانية إضافية في البحر الأحمر، على الحدود مع مصر والمملكة العربية السعودية والسودان، بل وأيضاً وبذات الأهمية على الحدود مع إسرائيل والأردن، على أنه توسيع للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية.

لم تظهر طهران أي علامات على التراجع، مما يشير إلى التزامها بمواجهة واسعة النطاق مع إسرائيل، وربما تتوقع أن تمنع إدارة بايدن وقوى الاتحاد الأوروبي إسرائيل من الانتقام من الهجوم الصاروخي والطائرات من دون طيار الذي شنته إيران مؤخرًا خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وقد تحدد الساعات المقبلة ردًّا عسكريا إسرائيليًّا محتملًا، حيث من المتوقع أن يناقش مجلس الوزراء الحربي في "الإسرائيلي" الإجراءات المحتملة. وسبق أن حذرت طهران إسرائيل رسميًا من أن أي هجوم مباشر على أهداف إيرانية سيقابل بقوّة ودون أيّ تردد، متوعّدين بمحو الدولة اليهودية.

لم يُظهر الحرس الثوري الإيراني أي علامات على التراجع عن أعماله التصعيدية ضد السفن التي يُنظر إليها على أنها مرتبطة بإسرائيل.

بعض الأوساط تقدّر بأن قرار نشر السفن البحرية الإيرانية في البحر الأحمر، قبل وقف رسميّ للتصعيد، سيُعتبر من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الدول العربية كالمملكة العربية السعودية ومصر تصعيدًا وتوسيعًا للمواجهة.

كما أشارت إيران إلى وجود فرقاطة "جماران" في خليج "عدن". ويتوقع الحرس الثوري الإيراني ردًّا إسرائيليًا واسع النطاق، خاصة بعد الاستيلاء الأخير على سفينة الحاويات MSC Aries، وهي سفينة ترفع العلم البرتغالي، في 13 من نيسان/أبريل الجاري، حيث تدعي طهران ارتباطها بإسرائيل.

لم يُظهر الحرس الثوري الإيراني أي علامات على التراجع عن أعماله التصعيدية ضد السفن التي يُنظر إليها على أنها مرتبطة بإسرائيل. وفي الأيام الأخيرة، زاد الحرس الثوري الإيراني دعمه لحركة الحوثي اليمنية، مما أدى إلى تكثيف الأنشطة في ساحة البحر الأحمر.

يضاف إلى ما سبق، ما تتمتع به إيران من نفوذ على الحوثيين، وتُظهر استعدادًا لتصعيد التوترات في البحر الأحمر. ومما يزيد من التعقيد وجود أحد الأصول الرئيسية، وهي "بهشاد"، التي تعتقد المخابرات الغربية أنها سفينة تجسس يديرها الحرس الثوري الإيراني.

وفي أعقاب أحداث نهاية الأسبوع الماضي، أصبحت "بهشاد" الآن هدفًا رئيسيًا للجيش الإسرائيلي، حيث نظرت التقييمات السابقة لقوات البحرية الأميركية في شباط/فبراير 2024 في اتخاذ إجراء ضد سفينة التجسس التابعة للحرس الثوري الإيراني.

وعلى الرغم من ذلك، امتنعت واشنطن عن اتخاذ إجراء مباشر ضد الأصول الإيرانية. ومع ذلك، فإن هذا الموقف يمكن أن يتغير بشكل كبير، حيث تقدّم السفينة "بهشاد" معلومات استخبارية مباشرة من الحرس الثوري الإيراني إلى الحوثيين.

وقد اكتسبت "بهشاد"، التي تم بناؤها في عام 1999 كسفينة شحن، اهتمامًا أوسع في عام 2021 عندما حلت محل سفينة أخرى، وهي "سافيز"، في البحر الأحمر. وحافظت البحرية الإيرانية على وجودها في البحر الأحمر لسنوات، حيث تشير التقارير إلى وجود سفينتين بحريتين إيرانيتين أخريين، وهما "آيريس ألبرز" و"إيريس بوشهر"، في المنطقة.

وقامت المدمرة من طراز "ألفاند"، وهي جزء من الأسطول الرابع والثلاثين للبحرية الإيرانية، إلى جانب سفينة الدعم بوشهر، بدوريات في خليج "عدن" وشمال المحيط الهندي ومضيق باب المندب منذ عام 2015، وفقًا لما نشرته وسائل الإعلام الإيرانية، وهي تعود الآن إلى البحر الأحمر.

قدرات إيران في البحر الأحمر محدودة، في حين تحتفظ إسرائيل والولايات المتحدة بوجود بحري كبير، مدعومًا بشكل غير مباشر بأصول بحرية أوروبية رئيسية في المنطقة.

بالنسبة لإسرائيل، وربما لمؤيديها الغربيين، فإن شن عملية انتقامية واسعة النطاق في البحر الأحمر يمكن أن يكون خيارًا أكثر جدوى من مهاجمة قلب إيران أو المخاطرة بالتصعيد في الخليج العربي/الفارسي.

إن قدرات إيران في البحر الأحمر محدودة، في حين تحتفظ إسرائيل والولايات المتحدة بوجود بحري كبير، مدعومًا بشكل غير مباشر بأصول بحرية أوروبية رئيسية في المنطقة. بل قد ينظر البعض إلى الأمر على أنه تسوية مقبولة بالنسبة لإيران وإسرائيل على حدّ سواء، حيث إن إزالة الأصول الإيرانية من منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، إلى جانب العمل العسكري ضد الحوثيين، يمكن أن يخفف من قيود الحركة البحرية بمرور الوقت.

وبنظرة فاحصة، يبدو أن الحالة الجديدة لمستوى الردع العسكري لدى إيران تجاه الهجمات التي تشنّها إسرائيل على مراكز نشاطاتها الميليشياتية والعسكرية في المنطقة، ستزداد وتتسع ولكن نيرانها ربما تكون في قلب العالم العربيّ المثخن بالمشكلات والصراعات خاصّة منطقة الهلال الخصيب، ونيرانها تهدّد الأردن.

ويرى البعض أن هذا يصبّ في رغبة كثير من الأطراف الدولية، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، بإشعال مواجهات على حافة الهاوية في منطقة الشرق الأوسط، والضغط على دول الخليج العربيّ ومصر وعموم المنطقة ضمن تسوية دولية لوضع عجلة النظام العالمي الجديد على السكّة.

ويبقى الهدف في هذا الجزء المهم من العالم (الشرق الأوسط) إحلال السلام وفق النظرية الأميركية في المنطقة، بما يضمن مصالح حليفتها إسرائيل. في حين تبدو دول الخليج العربي ومصر والأردن بوجه خاص واعية تمامًا لحجم التحدّي، وتتمسّك بحقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلّة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وفي هذا السياق، يبدو أن التنسيق بين الدول العربية وتركيا جارٍ على قدم وساق، لإقناع حماس بقبول هذا الحلّ، إذ صرّح وزير الخارجيّة التركي حقان فيدان، بعدم اعتراض حماس على التخلي عن سلاحها وتحوّلها إلى حركة سياسية وطنيّة، في حال أقيمت دولة فلسطينية وفق المبادرة العربية للسلام.

ويبدو أن إسرائيل، هي الخاسر الأكبر، بعد أن فشلت حتى الساعة في كسب الحرب الهستيرية التي تشنّها على قطاع "غزّة"، وهي ترى المزاج الدولي يتجه نحو حلّ الدولتين الذي ترفضه وتتحايل عليه منذ عقود.