بعيداً عن مناكفات وسائل التواصل الاجتماعي٬ والرد على الحسابات التي يحلو لها إطلاق الشائعات حول مصير بشار الأسد٬ ربما لجمع المتابعين٬ أو تداول الأوهام٬ وربما لغايات إيجابية كإبقاء روح الحماس مشتعلة أو شحن الهمم بجرعة أمل.
غير ذلك لا يوجد مبرر لظهور الأسد على الإعلام وهو يخاطب هيئة حكومية ما٬ ولا معنى لما سيقوله طالما أنه لن يتحدث بأي مما سينفع السوريين٬ فلن يحكي بالضرورة عن مستقبل وجوده على الكرسي٬ أو وجود القوى الأجنبية في سوريا٬ أو عن مدة استمرار سلطات الأمر الواقع على ما هي عليه٬ وفيما إن كان لديه تصور لسوريا بعد عام أو عامين غير التمسك بما يملكه من أدوات بائسة يعرفها السوريون جيدا٬ ما زال النظام يتاجر فيها منذ قبض الأب على زمام السلطة وحتى الآن٬ لكن يبدو أن الابن ومنذ بدء الانتفاضة ضده يحافظ على ظهور متواتر منتظم ليذكر السوريين بوجوده٬ وفي هذا السياق خرج بشار قبل أيام بخطاب ذي مضامين اقتصادية٬ حرص أن يُدخل فيه مصطلحات كالركود وسعر الصرف والتضخم مع باقة تثاقفية واسعة، قدمها لأعضاء مجلس الشعب بنبرة توجيهية عالية.
تجاوز بشار حديث التذكير وانتقل ليحكي عن الوضع الداخلي٬ والتحديات المعيشية والإدارية٬ بعد أن تقمص شخصية الرئيس الطبيعي الذي يحكم دولة مستقرة لديها بعض المنغصات الاقتصادية والإشكاليات الإدارية.
بدأ الخطاب بوجبة تقريع لطيفة ذكّر فيها أعضاء مجلس الشعب بواجبهم الرقابي والمحاسبي٬ وحثهم على ممارسة هذا الدور٬ سيما وأنهم يتمتعون بحصانة قانونية، ويبدو أنه تذكير جاء متأخرا أكثر من خمسين عاما٬ وهو يدرك أن هذا المجلس كان واحدا من الجهات التي تآمرت لإيصاله إلى سدة الحكم بمخالفة دستورية فاقعة.
تجاوز بشار حديث التذكير وانتقل ليحكي عن الوضع الداخلي٬ والتحديات المعيشية والإدارية٬ بعد أن تقمص شخصية الرئيس الطبيعي الذي يحكم دولة مستقرة لديها بعض المنغصات الاقتصادية والإشكاليات الإدارية٬ فخرج يطمئن الناس أن ما تعاني منه سوريا هو مشكلة عالمية٬ والكثير من الدول الكبرى تعاني كما الدولة التي يرأسها، وشرح بإسهاب كيف أن الدول الغربية بالذات تواجه التضخم وارتفاع الأسعار نتيجة عدم معرفتها العميقة بقوانين السوق٬ وبناءً على ذلك لا يجب أن يشعر السوري بأي امتعاض فهو ليس وحيدا في معترك المعاناة الاقتصادية.
يتحدث الأسد وكأنه رئيس البرازيل أو إسبانيا٬ ويعد بمشاريع صغيرة ستكبر بالهمة والنشاط٬ ويؤكد وجود أمل بحلولٍ يقول إنها ليست مستحيلة٬ لكنه يصر بعناد على أن الأزمة كبيرة وحلها ليس بالمستقبل المنظور.
افتقر حديث الأسد للحماس الذي كان يميز خطابات العشر سنوات الأولى من حكمه٬ عندما كان يتحدث بلهجة متحدية، وصلت به إلى وصف بعض الزعماء العرب بأشباه الرجال.
استهلك رأس النظام أكثر من ثلثي خطابه في معاودة الحديث عن "الأزمة" وطرق حلها وتحدث عن نظريات اقتصادية لا يعرفها أحد٬ ولم ينتبه إليها حتى الخبراء، وهو في هذا الخطاب يشير إليها ويشدد على أخذها بعين الاعتبار، وبالطبع لم يكن للحرب المدمرة التي قادها خلال أكثر من عشر سنوات ذكرٍ في حديثه المستفيض عن الاقتصاد٬ ودور مجلسه التشريعي في تنميته، فالأمور مستقرة في سوريا وما يعاني منه البلد هو مجرد دوار اقتصادي بسيط أوجد له الدواء خلال الخطاب.
ثم انتقل ليحكي عن جبهة التحدي والصمود في غزة٬ بعد أن التزم الصمت عنها شهورا عشرة٬ حاول خلالها أن يقدم نفسه عدوا مسالما أو عاقلا تجاه إسرائيل٬ حتى لا يُدرج ضمن لائحة توسعة الحرب التي ينفذها نتنياهو٬ ولا بد أن متغيرات قد طرأت في الفترة الأخيرة في الكواليس٬ أو تطمينات دفعت به للحديث عن غزة٬ مع ذلك كان حريصا في كلامه٬ فبدل أن يتكلم عن دور سوريا في هذا المشهد٬ راح يحكي عن ماضٍ استطاع أن يكسر أسطورة الغرب٬ التي تتحدث عن نهاية التاريخ٬ مستلهما عنوان كتاب المفكر فوكوياما٬ ليقول للغرب إن تفكك الاتحاد السوفيتي لا يعني النهاية٬ بل هناك انتصارات على الجبهة اللبنانية حدثت عام 2000 و2006 وفي سوريا عام 2011 ربما قصد ببقائه جالسا على الكرسي.
وفي الجزء الأخير انتقل للحديث عن الجانب الملح وهو ما يتعلق باللقاء مع الأتراك.
افتقر حديث الأسد للحماس الذي كان يميز خطابات العشر سنوات الأولى من حكمه٬ عندما كان يتحدث بلهجة متحدية، وصلت به إلى وصف بعض الزعماء العرب بأشباه الرجال، هؤلاء هم ذاتهم الذين يسعون اليوم وبلهجة متحدية للعقوبات٬ لجعله نظاما طبيعيا٬ ليتم التعامل معه وكأن شيئا ما جرى.