كليتشدار أوغلو والمغامرة الصعبة

2023.04.15 | 07:07 دمشق

كليجدار أوغلو والمغامرة الصعبة
+A
حجم الخط
-A

استطاع كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي عن الطاولة السداسية المعارضة في تركيا، تغيير استراتيجيته 180 درجة مقارنة مع الطرق التي كان يتبعها في المنافسات السابقة أمام خصمه الرئيس أردوغان منذ 2010، فهو يفاجئ حزبه قبل الآخرين وأصدقاءه قبل خصومه، ومع ذلك يبدو ثابتاً في موقفه واضعاً أمامه هدفاً محدداً يسير نحوه.

من الانقلاب على أيديولوجية حزبه المعهودة فيما يتعلق بالدين ومظاهره إلى التحالف مع خصوم الأمس واللعب على توسيع "السفرة" كما يصف هو نفسه، وأخيراً قائمة مرشحي الحزب للانتخابات البرلمانية التي ستنعقد في آن واحد مع الانتخابات الرئاسية في 14 أيار/مايو المقبل.

لم تكن قائمة مرشحي حزب الشعب الجمهوري هذه المرة خالصة من الأعضاء المنتسبين للحزب والذين خدموه لسنوات قلت أو كثرت، بل ضمت كذلك ما مجموعه 78 اسماً من الأحزاب المتحالفة مع الحزب.

لكن ما يجدر الانتباه إليه هنا هو أن هذا الرقم الكبير لا يعني أن جميع هذه الأسماء ستفوز بمقاعد في البرلمان، حيث إن مقاعد الشعب الجمهوري كلها الآن تبلغ 134 مقعداً، ما يعني أن نوابه الأصليين سيصبحون أقلية، وهذا لبس وقع فيه الكثيرون من متابعي الشأن التركي، من دون أن يدركوا أنّ هناك ترتيباً تسلسلياً للمرشحين للبرلمان، فمثلاً يرشّح الحزب 10 أسماء عن مدينة أنقرة، ويرتبهم من الأول إلى العاشر، ولو فاز بـ4 مقاعد مثلاً في هذه المدينة؛ فهذا يعني أن المرشحين من رقم 5 إلى 10 سيكونون خارج اللعبة.

وحينما ننظر إلى الرقم الإجمالي لمرشحي الشعب الجمهوري للبرلمان، نجد أنه يبلغ نحو 226 اسماً، منهم 78 من خارج الحزب، ما يعني أن هناك 148 على الأقل من أعضاء الحزب الأصليين، إلى جانب أن العديد من الأسماء المرشحة من خارج الحزب وضعت على الصفوف الخلفية ضمن الترتيب التسلسلي؛ وهذا يعني أن معظمها لن يحصل على مقاعد برلمانية.

هناك بعض التقديرات المحلية تشير إلى أن 30 اسماً على الأرجح قد يحصلون على مقاعد برلمانية من أصل 78 اسماً ترشحوا من الأحزاب الحليفة للشعب الجمهوري.

وبالطبع، الأحزاب المقصودة هي: حزب السعادة (24 اسماً)، حزب الديمقراطية والتقدم (25 اسماً)، حزب المستقبل (19 اسماً)، الحزب الديمقراطي (3 أسماء)، حزب الجيد (6 أسماء)، حزب التغيير التركي (1 فقط).

هناك تسريبات نقلها الإعلام التركي تحدثت عن مشاجرة بالأيدي بين أعضاء الشعب الجمهوري قبيل إعلان قائمة المرشحين النهائية الأحد الماضي

لكن رغم استحالة دخول هذه الأسماء للبرلمان، نجد أن الردود الداخلية بحزب الشعب الجمهوري كانت سلبية ونابعة عن صدمة، لدرجة مثلاً أن صحفياً من الصف الأول محسوباً على الحزب والدعاية له منذ 20 عاماً مثل إسماعيل صايماز استقال من قناة "خلق تي في" التابعة للشعب الجمهوري، نتيجة انتقاده العلني لقائمة الحزب المذكورة.

بل هناك تسريبات نقلها الإعلام التركي تحدثت عن مشاجرة بالأيدي بين أعضاء الشعب الجمهوري قبيل إعلان قائمة المرشحين النهائية الأحد الماضي 9 نيسان/أبريل، وإلى جانب ذلك هناك امتعاض كبير يمكن ملاحظته عبر مواقع التواصل من مؤيدي الحزب أنفسهم، من قبيل أن الحزب ضحّى بأولاده على حساب أسماء من خارج الحزب، وبالأخص بعض الأسماء التي كانت محل جدل.

هذا الوضع يجسد حالة التغير والتحول الكبير الذي أشرنا له حين الحديث عن المرشح الرئاسي كليتشدار أوغلو الذي يقود الشعب الجمهوري منذ 2010، فعلى ماذا يراهن الرجل ولماذا هو واثق من قراره رغم الغضب الداخلي؟

من الواضح أن كليتشدار أوغلو يريد من هذه الخطوة كسب ثقة الأحزاب المتحالفة معه، وبالتالي هو يمنح صك أمان لشرائح تلك الأحزاب ومناصريها بأنه صادق معهم وينشد أصواتهم، رغم غضب مناصريه من هذه الخطوة.

ما يفعله كليتشدار أوغلو هو نفس ما فعله أردوغان حين تأسيس العدالة والتنمية والذي ضمّ على مستوى المؤسسين والأعضاء خليطاً من الهويات القومية والفكرية والأيديولوجية

ثانياً، لا يُستبعد أن تكون هذه الخطوة بمنزلة مغازلة لشريحة المترددين الأقرب للعدالة والتنمية الحاكم من غيره، وهؤلاء كتلة مهمة في كل تصويت، فحينما يجدون أسماء قريبة من هويتهم الفكرية ربما يكون ذلك دافعاً أو محاولة إقناع لجذب أصواتهم في ظل ترددهم أو غضبهم من الحزب الحاكم لأسباب مختلفة. ثالثاً، يوجه كليتشدار أوغلو رسالة لحاضنته الشعبية من حزبه بأن الهدف الأهم هو إسقاط الحكومة الحالية وأردوغان، ولذا لا بد من تقديم نوع من التضحية على حساب تحقيق مصلحة أكبر، وهو ما أفرز سؤالاً منطقياً ألا وهو: بما أنكم رّحبتم بانضمام تلك الأحزاب لتحالفنا في البداية؛ فلماذا الانزعاج الآن حينما منحناهم بعض المقاعد البرلمانية؟ فإما أن يكون تحالفاً كاملاً أو لا.

رابعاً، ما يفعله كليتشدار أوغلو هو نفس ما فعله أردوغان حين تأسيس العدالة والتنمية والذي ضمّ على مستوى المؤسسين والأعضاء خليطاً من الهويات القومية والفكرية والأيديولوجية، وهو ما جعله في الواقع يكتسح المنافسات بالأغلبية، بعد سنوات طويلة من المعاناة قضاها أردوغان مع أستاذه الراحل نجم الدين أربكان بسبب إغلاق الأحزاب التي أسسوها واحداً بعد الآخر.

لكن في المقابل، هناك ثغرة في قائمة مرشحي الشعب الجمهوري للبرلمان، نجد أن تحالف الجمهور الحاكم وعلى رأسه أردوغان لم يأل جهداً في التركيز عليها لضرب المعارضة، وهي "المساومة" بين أحزاب التحالف المعارض على المقاعد البرلمانية وتقاسمها، وهو ما يشير بالضرورة إلى حالة التقاسم التي ستخيم على المشهد في حال فازت المعارضة وشكلت حكومة ائتلافية لن تخلو من الصراع والخلافات.

وهو ما عناه أردوغان حينما قال إن "هذه المعارضة لا يمكن استئمانها على بقالة ناهيك عن تركيا"، وهاجم انشغالهم بتقاسم مقاعد البرلمان والوزارات من الآن.

ولذلك، تبقى هذه اللعبة مغامرة صعبة في ظل غضب واضح داخل أروقة الشعب الجمهوري، إلى جانب العديد من الإشكاليات المتعلقة بالتحالف ذاته، وأقصد هنا العلاقة بين حزبي الشعب الجمهوري والجيد، وهو ملف تحدثت عنه بإسهاب في المقال السابق هنا.